شبح الكابتن «سوراب» يلقي بظلاله على العلاقات الهندية ــ الباكستانية

عائلة الضابط الهندي تريد من نيودلهي نقل قضية ابنها إلى لاهاي

الضابط سوراب كاليا قتل أثناء حرب كارغيل («الشرق الأوسط»)
TT

لجأت عائلة الضابط الهندي الذي أثيرت مزاعم حول تعذيبه وقتله مع خمسة جنود آخرين في باكستان أثناء حرب كارغيل عام 1999 إلى المحكمة العليا الهندية، مطالبة إياها بضرورة لجوء الحكومة الهندية إلى المنتدى القضائي الدولي لاتهام باكستان بانتهاك المعاهدات الدولية الخاصة بمعاملة أسرى الحرب، وإصدار أمر إلى الحكومة الهندية بنقل قضية ابنها إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي. في المقابل نفت باكستان بشدة تعذيب الأفراد الستة أو احتجاز أي منهم على أراضيها.

كان الضابط سوراب كاليا، الذي كان في الثانية والعشرين آنذاك، قد قتل أثناء حرب كارغيل وهو يحاول حماية الحدود الهندية. لم يعش الضابط الذي تخرج في الأكاديمية العسكرية الهندية طويلا ليتلقى أول راتب له. ففي التاسع من مايو (أيار) 1999 تعرض كاليا أثناء قيادته دورية حدودية في منطقة كاكسار من كارغيل للأسر على يد باكستانيين، وفي الرابع عشر من يونيو (حزيران) تم تسليم جثامينهم التي شوهت تحت وطأة التعذيب إلى الجيش الهندي.

كانت الهند وباكستان قد دخلتا في حرب محدودة النطاق للسيطرة على القمم الجبلية لمنطقة كارغيل في إقليم جامو وكشمير في الفترة بين مايو ويوليو (تموز) عام 1999، انتهت باستعادة الهند لكل المواقع التي احتلها الجيش الباكستاني، وأسفرت عن مقتل 527 جنديا هنديا فيما خسرت باكستان أكثر من 700 جندي. وحاول إن كي كاليا، والد سوراب الضغط على وزارة الدفاع الهندية وقيادة الجيش ووزارة الخارجية ومكتب رئيس الوزراء على مدى الثلاثة عشر عاما الماضية لإلقاء مزيد من الضغوط على باكستان لمعاقبة الجنود الباكستانيين الذين قاموا بهذا العمل البربري بحق ابنه وخمسة جنود آخرين في انتهاك لمعاهدات جنيف.

وتقول فيجايا كاليا، والدة سوراب: «يفضل الجندي أن يتلقى رصاصة في صدره على أن لا يعذب بصورة وحشية على مدى أيام».

وقال والده: «لقد فشلت الحكومة الهندية في تحقيق العدالة لعائلات هؤلاء الجنود الذين وقعوا ضحية جريمة حرب».

وأضاف كاليا «إذا كان الحكومة قد تعاملت على نحو سريع مع أجمل كساب، أحد الإرهابيين الذين شاركوا في الهجوم على مومباي، فلماذا تشعر الحكومة بالعجز وعدم الجدية في متابعة انتهاكات الحرب مع الجانب الباكستاني».

وأشار إلى أنهم كانوا يقاتلون في سبيل كرامة وعزة بلادهم وأنه بحاجة على الأقل لاعتذار من جانب الحكومة أو المؤسسة العسكرية الباكستانية. وقال كاليا: «إنها انتهاك واضح لاتفاقية جنيف».

وأضاف الرجل المسن: «نظرا لأن الأفراد لا يستطيعون نقل القضية إلى محكمة العدل الدولية، فقد طلبنا توجيه أوامر إلى الحكومة الهندية بنقل القضية إلى المحكمة الدولية».

وأوضح كاليا، الذي تقاعد من عمله كعالم في المركز العلمي للبحث الصناعي، أنه لا يود حصول لمعاناة أي جندي بالصورة التي شهدها ابنه على يد القوات الباكستانية.

وقال «نحن نريد فقط أن يتم تحديد الأشخاص المسؤولين عن هذا التعذيب غير الإنساني وأن يعاقبوا بالعقوبة التي يستحقونها حتى لا يتعرض أي جندي في المستقبل في أي مكان في العالم لما تعرض له ابني وزملاؤه».

أشارت المعلومات التي جمعها كاليا ووزارة الشؤون الخارجية بموجب قانون حماية المعلومات إلى أن الحكومة أعربت عن استياء وغضب الشعب الهندي إلى وزير الخارجية الباكستاني خلال زيارته إلى دلهي في 12 يونيو (حزيران) 1999. كما تم تسليم مذكرة احتجاج إلى باكستان في 15 يونيو 1999. لكن الحكومة الباكستانية نفت هذه المزاعم. في تلك الأثناء قال وزير الخارجية الباكستاني سلمان خورشيد، في معرض حديثه عما حل بكاليا والجنود الخمسة الآخرين بأن «هذا عمل غير إنساني وأن حكومته ستفعل ما يلزم».

في الوقت ذاته، أكد قائد الجيش الهندي بيكرام سنغ أن الجيش يدعم عائلة الكابتن سوراب بشكل كامل، في مسعاها لنقل قضية ابنها إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي.

وقال سنغ: «إنه ضابط شجاع قدم تضحية لا مثيل لها على خط الواجب في أفضل تقليد للجيش الهندي. وقد كتبنا إلى وزارة الدفاع ومفوضية حقوق الإنسان الوطنية ننقل لها مخاوفنا بشأن الأمر. ونحن ندعم والديه بشكل كامل».

لكن يبدو أن الحكومة الهندية لم تتخذ قرارها بعد في كيفية التعامل مع مطلب والد الضابط الراحل، الذي يرغب في الحصول على اعتذار من باكستان على تعذيب ابنه. وعلى الرغم من التعاطف الحكومي فإنها تدرك حجم المشكلات التي يمكن أن تواجهها إذا ما أعيد فتح التحقيق مرة أخرى.

وعلى الرغم من رغبة كاليا في نقل الحكومة للقضية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، قال مصدر مسؤول في الحكومة إنه إذا ما نقلت القضية إلى المنتدى الدولي فمن المتوقع أن تحال إلى المحكمة الجنائية الدولية التي تختص بالنظر في شؤون أسرى الحرب.

وقال المسؤول: «العقبة الأولى هي أن الهند وباكستان لم تقبلا باختصاص محكمة العدل الدولية خلال السنوات العشر الماضية، ومن ثم لا يتوقع أن تلقى القضية قبولا من المحكمة. العقبة الثانية هي أن محكمة لاهاي والتي أنشئت في عام 2002 لا يمكنها النظر في قضايا وقعت قبل إنشائها».

وقال الجنرال المتقاعد في بي مالك، قائد الجيش الهندي خلال حرب كارغيل، لمراسلة الصحيفة: «أردنا أن يتم تشريح جثامين القتلى من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والصليب الأحمر الدولي لكن كلتا الهيئتين رفضتا. وما إن أجرى أطباؤنا التشريح اكتشفوا آثار التعذيب غير الآدمي الذي تعرض له الضابط والجنود، وقد قدمت التقرير إلى وزير الدفاع الذي نقل بعضها منه إلى الصحافة».

ما يبعث على الرضا في هذه القضية تحديدا هو تحرك ناشطي حقوق الإنسان في المجتمع الباكستاني الذين أثاروا قضية التعذيب غير الإنساني والوحشي الذي تعرض له الضباط والجنود الهنود.

اتسع نطاق الدعم الدولي لقضية الكابتن سوراب حيث تعهد الوزير الفيدرالي السابق لحقوق الإنسان الباكستاني أنصار بورني بدعم العائلة إذا ما تأكدت المزاعم بضلوع إسلام آباد في تعذيب وقتل الضابط. وأوضح بورني أنه إذا تأكدت المزاعم فسوف يثير القضية مع الحكومة الباكستانية ويحشد دعما شعبيا لقضية كاليا.

وقال: «يجب التحري بدقة عما وقع في أعقاب اعتقال كاليا في باكستان وسوف ألتقي شخصيا أفراد عائلة كاليا لأطلعهم على الحقيقة خلال زيارتي المقبلة إلى الهند. ينبغي على الدولتين اعتقال الأسرى كسجناء لا كأعداء».

وقد رفض مسؤولون في السفارة الباكستانية التعليق على القضية مؤكدين على أن قضية كاليا تنظر في المحكمة العليا. وقال مسؤول بارز في السفارة طلب عدم ذكر اسمه: «سأنظر في القرار الذي ستتخذه المحكمة العليا أولا، ثم بعد ذلك سأعلق على منطوق الحكم».

ومع تزايد حجم التأييد الشعبي لقضية كاليا هناك عائلات حارب أبناؤها مع سوراب ينتظرون تحركا من جانب الحكومة الهندية.

وتقول روبواتي والدة أحد الجنود الذين كانوا بصحبة كاليا، إنها لم تتمكن من التعرف على جثة ابنها عندما رأته. وكان ابنها ناريش سنغ جنديا شابا في فصيلة كاليا وتعرض لنفس المصير.

يتكرر الألم الذي يعانيه والد كاليا في قصص عائلات الجنود الآخرين الذين يعانون من ألم فقدان أبنائهم، وصدمة مشاهدة الجثث المشوهة لأحبائهم وعذاب الانتظار الذي لا ينتهي. فهي ستقف الحكومة الهندية إلى جانب هذه القلوب الشجاعة؟