المصريون يحبسون أنفاسهم بين «نعم» و«لا»

انقسموا بين الميادين.. وجدال حول استفتاء الدستور

TT

دخلت الجغرافيا طرفا مهما في النزاع القائم في مصر بين المؤيدين للرئيس مرسي والمعارضين له، فبينما يواصل المعارضون اعتصامهم في قلب ميدان التحرير، أيقونة الثورة بالعاصمة القاهرة، متشبثين بجغرافيا أصيلة رسختها عبقرية المكان، لجأ المؤيدون له إلى نوع من الجغرافيا البديلة أو الموازية، والتمسح بغبار تاريخ لا يصب في صالحهم. فعلى الرغم من معاداتهم للفن وتحريمهم للتماثيل، فإنهم لم يجدوا سوى تمثال نهضة مصر، أحد رموز توحد الأمة في عشرينات القرن الماضي، ليعتصموا في محيطه بجوار حديقة الحيوان وأمام جامعة القاهرة معقل العقلانية والعلم والاستنارة، ليعلنوا تشبثهم بالإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس قبل 10 أيام. بينما اتسعت الهوة بين الفريقين بعد دعوة الرئيس المصريين للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد للبلاد، حيث يدعو جمهور التحرير إلى رفضه، بينما يؤيده وبشدة أنصار «نهضة مصر».

وما بين التصويت على مشروع الدستور بـ«نعم» ورفضه بـ«لا»، تتسع دوائر التخوين وصكوك الإدانة، بل الكفر والإيمان، لكن خارج حسابات كل الدوائر يقف المواطن العادي وحده عاريا تحت وطأة ظروف قاسية، يخشى في كل لحظة أن ينهار سقفها عليه، فلا يعرف هل اليوم هو الأمس أم الغد، أم أن الشمس لم تعد تشرق إلا من غيوم هذه الجغرافيا، التي تتلبد بكثافة في سماء الميدانين المتصارعين.

ووسط مخاوف من أن تنذر هذه الغيوم بعواصف لا تحمد عقباها، تدخل البلاد في أتون حرب أهلية خاصة مع تمسك كل طرف بموقفه واتساع فجوة عدم الثقة يحبس المصريون أنفاسهم، بل إن كثيرين منهم أصبحوا يتشككون في شيء اسمه المستقبل.

هذا الصراع نفسه تأجج على جغرافيا أخرى في الفضاء «الإلكتروني» منذ أيام، بعد أن كتب بعض السلفيين على صفحاتهم على موقع «فيس بوك» إن «قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار»، وهو الاتجاه الذي بدأ الأسبوع الماضي مع سقوط قتلى من الجانبين، أولهما الشاب جابر صلاح (جيكا) (المحسوب على الثوار) الذي قتل برصاصة حية في رأسه بميدان التحرير، والثاني الشاب إسلام فتحي (المحسوب على الإخوان) الذي قتل في صدامات بين الإخوان والثوار في دمنهور.

ولم تغفل التعليقات ما يدور بين الميدانين، فكتب أحد الأعضاء: «كل الأطراف مدانة.. لا أحد أفضل من الآخر»، بينما رأى آخر أن «البلد سرقت وانقسمت لمسلمين وكفار وأخشى وقوع حرب أهلية». وفي سخرية سجلت إحدى العضوات رأيها بالقول: «جاري البحث عن الملك مينا موحد القطرين.. يمكن يعرف يخرجنا من هذه الورطة».

وتبارى أنصار كل ميدان في المقارنة بين أعداد المتظاهرين الموجودة في كل منهما، وهو ما جعل أحد الأعضاء يقول: «المعركة ليست في القدرة على الحشد في الفراغ، المعركة في أفكار كل ميدان قبل أعداد المتظاهرين فيه، وفي طبيعة الأفراد الذين تتكون منهم الأعداد في النهاية». بينما قال آخر: «لهواة المقارنات والمقاربات وفنون الحساب.. توقفوا عن العبث، وتفرغوا للتفكير والعمل».

وامتدت نقاشات المصريين وحواراتهم إلى الاستفتاء على الدستور الجديد المقرر له يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، حيث انقسم الميدانان حول كلمتي «نعم» و«لا». وتبعا لهما انقسم أعضاء مواقع التواصل الاجتماعي، وكتب أحد المؤيدين: «هذا الاستفتاء سيكتب في التاريخ، كلنا لازم نشارك بـ«نعم» لدستور مصر 2012»، فيما كتب أحد المعارضين: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، ما بني على باطل فهو باطل، ومن سيشارك سيندم أشد الندم لأنه يخطئ في حق بلده».

وفيما كشف كثير من المواطنين عن نيتهم التزام منازلهم وعدم الخروج منها إلى أحد الميدانين مفضلين مراقبة ما سيؤول إليه صراع «الفسطاطين»؛ كتب أحد المحايدين: «لا النخبة ولا الإخوان.. المواطن الكنباوي (حزب الكنبة) هو اللي هيحدد مصير البلد إن شاء الله.. الناس مابقتش زي زمان ولا هينضحك عليها تاني».