«الجيش الحر» يطوق دمشق.. والنظام يسعى لإقامة «منطقة عازلة» لحماية مواقعه

سكان العاصمة محاصرون ويشعرون بقرب سقوط الأسد

سوري وابنه يعبران الحدود إلى تركيا أمس ضمن مئات الفارين يوميا من الأوضاع المأساوية (رويترز)
TT

في تطور جديد شهدته الاشتباكات، المستمرة منذ نحو أسبوع، بين قوات النظام وكتائب «الجيش الحر» في محيط مطار دمشق الدولي، اضطرت قوات النظام إلى إغلاق بداية طريق المطار عند دوار البيطرة شرق العاصمة دمشق، مما زاد من ضيق الدائرة حول تلك القوات التي لا تزال تسيطر على معظم أحياء مدينة دمشق وريفها بالشمال الغربي، في حين أن كتائب «الجيش الحر» تسيطر على الأحياء جنوب العاصمة وما يتصل بها من ريف في الجنوب الغربي والجنوب الشرقي، وحيث تتواصل الاشتباكات في محيط الشوارع الرئيسية في الغوطة الشرقية وسط قصف عنيف يستهدف كافة المناطق المسيطر عليها سيطرة كاملة من قبل «الجيش الحر».

وخلال الساعات الأخيرة، سيطر شعور عام على سكان العاصمة باقتراب معركة دمشق وسقوط النظام، دون أن يعني لهم ذلك نهاية الأزمة. فحجم الدمار والخراب الذي يغرق البلاد ويخنق العاصمة، يعزز المخاوف بأن أزمة السوريين لن تنتهي في الأمد المنظور، فـ«الوضع الاقتصادي ينذر بكارثة، إن لم تكن الكارثة قد وقعت فعلا»، بحسب الناشط أحمد الدمشقي الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن حركة الهجرة تزداد في العاصمة.

ويقول الناشط إن «معظم سكان المناطق المنكوبة نزحوا إلى دمشق، وريفها الذي لا يتعرض للقصف، ولم يبق هناك وجهة ينزح إليها السوريون في الداخل.. معظم سكان العاصمة من الأثرياء - وحتى كثير من أبناء الطبقة الوسطى من المهندسين والأطباء وموظفي القطاع الخاص - فروا في وقت مبكر إلى دول الجوار، مثل تركيا ولبنان ودول الخليج العربي وأوروبا. ولا تزال حركة الهجرة مستمرة، بالإضافة إلى حركة النزوح الكبيرة من العاصمة نحو دول الجوار، التي زادت مع تنامي المخاوف وانتشار شائعات عن نية النظام استخدام السلاح الكيماوي لإقامة منطقة عازلة، والتوقعات بأن تكون داريا والمعضمية إحدى تلك المناطق، حيث نزح معظم السكان هناك باتجاه المناطق المجاورة».

ولفت الدمشقي إلى أن هاجس استخدام النظام للسلاح الكيماوي يكاد يبلغ حد اليقين، «والسوريون باتوا على قناعة بأن هذا النظام لا يتورع عن شيء، فكما دمر المدن على رؤوس ساكنيها سيقوم بقتلهم بالكيماوي. ويتبادل سكان العاصمة نشرات توضح سبل الوقاية أو التخفيف من أثر الغازات السامة في حال التعرض لها، كما يتداولون طرق تصنيع واق من الغاز في المنزل».. ويعتبر الناشط ذلك «مؤشرا على حالة القلق الشديد التي تخيم على أجواء سكان العاصمة الذين فقدوا الأمل تماما في تدخل العالم لمساعدتهم».

ولا شك في أن التحذيرات التي أطلقها مقاتلون في «الجيش الحر» عمقت مخاوف الدمشقيين، حيث أشارت تلك التحذيرات إلى أن النظام قام الأسبوع الماضي بتعزيز قواته على جبل المنارة وجبل قاسيون وفي منطقة الدريج (شمال - شرق) بعدد كبير من التجهيزات العسكرية والجنود. وتم نقل صواريخ بأعداد كبيرة جدا إلى تلك المناطق، كما بدأت منذ يومين الفرقتان التاسعة والخامسة الانسحاب من درعا باتجاه دمشق، والفرقة الخامسة عشرة بدأت تنسحب من السويداء باتجاه دمشق أيضا. بالإضافة إلى تأمين محيط مطار المزة العسكري مع تصعيد شدة القصف على مدينة داريا (جنوب - غرب العاصمة)، وتهجير السكان بهدف اقتحامها والتمركز فيها.

كما يؤكد الكثيرون أنه تم استقدام خبراء عسكريين إيرانيين استعدادا لمعركة كبيرة متوقع حصولها في دمشق، بعد سيطرة «الجيش الحر» على كافة المناطق في محيط مطار دمشق الدولي. وبحسب معلومات تم تسريبها، يسعى النظام إلى إقامة حزام عازل بين العاصمة والريف، بمساحة 8 كيلومترات لتأمين مواقع تمركز مؤسسات النظام؛ لا سيما من جهة الشمال والشمال الغربي، التي تبدأ من داريا والمعضمية، وتشمل بساتين المزة وكفرسوسة وقدسيا والهامة، لتأمين مناطق مشروع دمر وضاحية قدسيا ومساكن الحرس وجبل قاسيون والربوة، حيث تتمركز كبرى القطع العسكرية المحيطة بقصر الشعب.

أما داخل العاصمة، فقام النظام بتقطيع مجمل أحياء قلب العاصمة والمدينة القديمة - التي لا تزال تحت سيطرته - بأكثر من 300 حاجز عسكري، وتحويلها إلى مربعات أمنية صغيرة تحيط بالمربع الأمني الكبير في حي المهاجرين والروضة والمالكي، حيث يقع قصر المهاجرين ومقرات تابعة للرئاسة والحكومة ومقرات أمنية.

من هنا، تكتسب معارك المعضمية وداريا أهمية كبيرة للنظام، كونهما كبرى مدن الغوطة الغربية، وخاصرة دمشق الغربية، وتبعد نحو 8 كيلومترات فقط عن القصر الجمهوري الواقع على ربوة تشرف على دمر ومساكن الحرس الجمهوري، وبضعة كيلومترات عن حي المزة، حيث يقع على امتداده قصر الروضة في منطقة أبو رمانة.

وبعد نحو شهر من محاصرة داريا وقصفها، لم ينجح النظام في اقتحامها رغم المحاولات الكثيرة لذلك، حيث تتمركز هناك 15 كتيبة من «الجيش الحر»، تمكنت من قطع إمدادات السلاح والدبابات من الجهة الغربية لدمشق. وباتصال تلك المناطق مع المناطق التي تحيط بالمطار، يكون «الجيش الحر» قد بات على مشارف مركز العاصمة.

وحسب آخر الخرائط الموضوعة من قبل جهات موالية للنظام عن مناطق سيطرة «الجيش الحر»، يظهر أن غالبية مدن الغوطة الشرقية، ومناطق وأحياء جنوب العاصمة، باتت تحت سيطرة «الجيش الحر». ومن جهة شمال الغرب، يوجد «الجيش الحر» في الهامة وقدسيا دون سيطرة عليها، كما يوجد في أحياء الشمال الشرقي في حيي برزة والقابون، اللذان يشهدان اشتباكات عنيفة مع قصف متواصل، اشتد في اليومين الماضيين على برزة.

كما شهد حي تشرين الملاصق لحي القابون - ويتركز فيهما موالون للنظام - اشتباكات عنيفة يومي أمس وأول من أمس لدى محاولة «الجيش الحر» الهجوم على المشفى العسكري، وهو أحد أكبر المشافي العسكرية في البلاد. وما زال المشفى محاصرا، بالتزامن مع استمرار كتائب «الجيش الحر» في محاصرة مطار دمشق الدولي، بعد معارك عنيفة لدى وصول مقاتلي «الجيش الحر» إلى حرم المطار.. الأمر الذي أدى إلى توقف الحركة الملاحية لثلاثة أيام وقطع طريق المطار. ورغم إعلان السلطات السورية سيطرتها على طريق المطار والمطار وعودة الحركة الملاحية، فإن كتائب «الجيش الحر» لا تزال ترابط على بعد أمتار من سور المطار عند منطقة حران العواميد، بحسب ما أظهرته مقاطع فيديو بثها مقاتلو «الجيش الحر» على شبكة الإنترنت.