دراسة حديثة: استخدام المصريين للإنترنت يتزايد بعد عقود من احتكار للتلفزيون

الاستقطاب السياسي يعظم دور وسائل التواصل الاجتماعي

TT

كان محمود عبد الله الناشط في الحركة المعارضة أيام النظام البائد والنظام الحالي في مصر يعتمد في التواصل مع العالم على جهاز كومبيوتر في مقهى للإنترنت مجاور لميدان التحرير في القاهرة بجنيهين للساعة. وبعد أن سقط نظام الرئيس السابق حسني مبارك تمكن من شراء جهاز تليفون محمول يتابع من خلاله الأخبار ويرسل ما يريد وهو جالس في خيمة الاعتصام بالميدان نفسه ضد سياسيات الرئيس الحالي محمد مرسي.

وللرئيس مرسي وغيره من كبار السياسيين حسابات على «تويتر» و«فيس بوك». وتقول دراسة حديثة أجرتها شركة «تي إن إس» انطلاقا من مصر إن حشد الجماهير بالإنترنت يتزايد بقوة بعد عقود من احتكار للتلفزيون. وأسهم في تصاعد دور وسائل التواصل الاجتماعي انتشار الهواتف المحمولة أيضا.

ولأكثر من نصف قرن اعتمد عتاة السياسيين والانقلابيين على أجهزة التلفزيون التي كانت ما زالت باللونين الأبيض والأسود في الخمسينات والستينات. ويعتبر الرئيس الأميركي جون كينيدي في الفترة من 1961 حتى اغتياله في عام 1963، أول رئيس يستخدم التلفزيون ليحسم معركته الانتخابية. كما تواصل زعماء آخرون عبر التلفزيون مع الجماهير، ومنها خطاب التنحي الشهير للرئيس المصري جمال عبد الناصر عقب هزيمة العرب في حرب يونيو (حزيران) أمام إسرائيل عام 1967.

وعلى الرغم من تنوع ألوان التلفزيون وانتشاره إلا أن ثورة الإنترنت جعلت التأثير أسرع واحتكار وسائل الاتصال والخطاب أقل. وأدت الأجيال الجديدة من الأجهزة النقالة لخفض أسعار الأجهزة الأقدم، ما جعل اقتناء الهواتف القادرة على الدخول إلى الإنترنت، حتى لو كانت ذات تقنية أقل، متاحا لقطاع واسع من المصريين ولملايين البشر حول العالم.

ويقول محمود إن الهاتف الذي اشتراه بـ600 جنيه (نحو 100 دولار)، به كاميرا ينقل من خلالها ما يراه مهما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويتابع من خلاله ردود فعل العالم حول ما يجري في مصر من صراع سياسي خطير.

وتزايد استخدام الناشطين المصريين وغيرهم من جماهير ما يعرف باسم «الربيع العربي» في تونس وليبيا واليمن وسوريا لمواقع التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق خاصة في مصر، حيث يتصاعد الخلاف السياسي بين أنصار الرئيس الإسلامي مرسي، ومعارضيه من قوى التيار المدني. وفي سوريا لجأ النظام قبل أيام لقطع خدمات الإنترنت لفترة عن السوريين. وفي إيران تفرض الدولة رقابة مشددة على الاتصال عبر الإنترنت ويلجأ الشباب هناك للاستعانة ببرامج تتخطى عقبات الرقابة الحكومية، كما لجأ نظام مبارك إلى قطع الإنترنت والتليفونات الجوالة للضغط على المتظاهرين.

وقال تامر النجار الرئيس التنفيذي للشركة التي قامت بالدراسة إن قوة وسائل التواصل الاجتماعي في تزايد، مشيرا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي، مثل «تويتر» و«فيس بوك»، لها دور كبير في الحشد والتأثير على آراء الناس سواء في مصر أو دول العالم المتقدم.

وأضافت الدراسة أن الملصقات الملونة والصور العملاقة في الشوارع لم تعد عاملا مؤثرا في نتائج الانتخابات، وأن «فيس بوك» و«تويتر» أصبحا الأكثر تأثيرا وفاعلية في توجهات الناخبين وفي توجيه الرأي العام والتأثير على آراء الناس والحشد وغيرها من عمليات التنسيق، كما ظهر في ثورات الربيع العربي وغيرها من الأنشطة السياسية حول العالم.

وقالت الدراسة إن تغريدات «تويتر» المتبادلة حول الانتخابات الرئاسية الأميركية، كشفت عن قوة وسائل التواصل الاجتماعي في حسم معركة الرئاسة هناك، مشيرة إلى أن أوباما الذي أعلن عن ترشحه للرئاسية في 4 أبريل (نيسان) 2011 على موقع «يوتيوب»، جاءته أكثر من نصف مليون تغريدة على «تويتر» في أول رد فعل على فوزه الشهر الماضي، إضافة إلى أكثر من 32 مليون لايك على «فيس بوك».

وقال النجار إن كينيدي قد يكون أول من استخدم التلفزيون ليحسم معركته الانتخابية في الزمان الغابر، و«لكن بالتأكيد أوباما هو أول رئيس يتجه لوسائل التواصل الاجتماعي».

وزاد استخدام رجال السياسة في منطقة الشرق الأوسط من الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا. وفي ميدان التحرير بوسط القاهرة يجلس المئات من المعتصمين وهم يتابعون التعليقات على الأحداث من الرئاسة ومن المعارضين. ومن أشهر الحسابات على «تويتر» حساب السياسي الليبرالي المعارض الدكتور محمد البرادعي، والقيادي في جماعة الإخوان عصام العريان، وغيرهما.

وتوسعت مصر في استخدام شبكة الإنترنت خلال السنوات الخمس الأخيرة ما أدى إلى طفرة كبيرة في التواصل عبر الشبكة العنكبوتية التي استخدمها الناشطون في التنسيق خلال احتجاجات ضخمة أطاحت بحكم الرئيس السابق. ويقول أحد المصادر المسؤولة إن السلطات الجديدة حاولت تقليص استخدام الإنترنت إلا أن المختصين بالاتصالات ردوا بأن حجب مواقع بعينها أمر معقد.

ويقول الناشط عبد الله وهو يعيد شحن الطاقة لجهازه في خيمة التحرير إنه وزملاءه اعتمدوا بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي لتثبيت اعتصام المعارضين في الميدان وتوجيههم بعد ذلك إلى الاحتجاج حول قصر الرئاسة. وفي المقابل ظهر خلال اليومين الأخيرين نشاط واسع لأنصار مرسي على صفحات التواصل الاجتماعي لحشد التأييد للرئيس وقراراته.