رئيس «فوكس» نصح بترايوس بالاستقالة والترشح للرئاسة

محللة سياسية بالشبكة نقلت نصيحة مرؤوسها للجنرال في أفغانستان بعدم قبول منصب مدير«سي آي إيه»

TT

كان الرائد الإعلامي الجمهوري الكبير ومؤسس ورئيس شبكة «فوكس نيوز» روغر إيلز لديه بعض النصائح للجنرال السابق ديفيد بترايوس العام الماضي، ولذا طلب من إحدى المحللات السياسيات بالشبكة والتي كانت متجهة إلى أفغانستان في ربيع عام 2011 أن تنقل هذه النصائح إلى بترايوس، الذي كان آنذاك قائدا للقوات الأميركية وقوات التحالف هناك. وكانت نصيحة إيلز لبترايوس أن يرفض العرض المتوقع من الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن يصبح مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وألا يقبل بأي منصب أقل من رئاسة هيئة الأركان المشتركة، وهو أعلى منصب عسكري في البلاد. وأشار إيلز إلى أنه إذا لم يعرض الرئيس أوباما منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة على بترايوس، فيتعين عليه أن يستقيل من عمله العسكري وأن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية.

وتم نقل رسالة إيلز بالفعل إلى بترايوس عن طريق كاثلين مكفارلاند، وهي محللة الأمن القومي بشبكة «فوكس نيوز» والمساعدة السابقة في البنتاغون لشؤون الأمن القومي خلال ثلاث إدارات جمهورية. وقامت مكفارلاند بذلك في نهاية الحوار الذي امتد لـ90 دقيقة مع بترايوس والذي تطرق إلى مستقبله وعلاقته بوسائل الإعلام وتطلعاته وطموحاته السياسية، إن كانت موجودة من الأساس. وقد حصلت صحيفة «واشنطن بوست» على تسجيل للاجتماع الذي عقد في مكتب بترايوس في العاصمة الأفغانية كابل.

وقالت مكفارلاند أيضا، إن إيلز الذي عمل على مدار عقود طويلة كمستشار سياسي لكل من ريتشارد نيكسون ورونالد ريغان وجورج بوش الأب، قد يستقيل من عمله كرئيس لشبكة «فوكس نيوز» لكي يدير حملة بترايوس الرئاسية. وعند نقطة ما من ذلك الحوار، تحدث بترايوس ومكفارلاند عن إمكانية قيام روبرت ميردوخ، رئيس مؤسسة «نيوز كوربريشن» التي تملك شبكة «فوكس نيوز» بـ«تمويل» تلك الحملة. وعندئذ وتساءل بترايوس: «روبرت يريدني أن أترشح هو الآخر!».

وقالت مكفارلاند لبترايوس إنها قد تحدثت «بشكل مباشر» مع رئيس شبكة «فوكس نيوز» وإن «نصيحة روغر إيلز إليك هي أن تقبل منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة لو عرض عليك هذا المنصب، ولكن لو عرض عليك أي منصب آخر، فعليك الاعتذار، ثم تقدم استقالتك بعد ستة أشهر وترشح نفسك للانتخابات الرئاسية».

واعترض بترايوس قائلا، إنه سينظر في مسألة توليه قيادة وكالة الاستخبارات المركزية لو عرض عليه أوباما ذلك، وهو الأمر الذي قام به الرئيس بالفعل قبل عدة أسابيع. وبالفعل، وافق بترايوس على توليه هذا المنصب وحلف اليمين في السادس من سبتمبر (أيلول) عام 2011، ثم استقال بعد عام واحد، وبالتحديد في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد الكشف عن علاقة خارج إطار الزوجية مع كاتبة سيرته الذاتية.

وفي مقابلة عبر الهاتف يوم الاثنين الماضي، قال إيلز، وهو شخصية ماكرة وسليطة اللسان، إنه قد طلب من مكفارلاند بالفعل أن تحاول أن تقنع بترايوس بذلك، مضيفا: «كان الأمر أكثر من مزحة، وطريقة ماكرة بعض الشيء، فقد رأيت أن الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري كانت تحتاج إلى دفعة قوية، ورأيت أن بترايوس قد يكون مرشحا جيدا».

وأضاف إيلز: «يبدو الأمر وكأنها اعتقدت أنها في مهمة سرية في إدارة الرئيس ريغان، لقد فهمت الأمور بطريقة خاطئة، ومن الوهم أن يعتقد البعض أنني صانع الرؤساء والملوك، فهذه ليست وظيفتي». وأضاف إيلز أن مكفارلاند لم تكن موظفة في شبكة «فوكس نيوز» ولكنها كانت مساهمة تحصل على أقل من 75.000 دولار في العام.

وقد حاولت الصحيفة الاتصال ببترايوس أو ميردوخ أو مكفارلاند، ولكن لم يرد أي منهم على المكالمات الهاتفية أو الرسائل للتعليق على ذلك الأمر.

وعندما قالت مكفارلاند في البداية إنها تحمل رسالة مباشرة من إيلز، قال بترايوس: «أتمنى ألا يكون هناك أي شخص آخر في الحجرة عندما كان يخبرك بذلك». وقالت مكفارلاند في وقت لاحق: «مهمتي أن أنقل ما تقوله إلى روغر، وهذا هو اتفاقنا»، ورد بترايوس قائلا، إنه لا يمانع في ذلك «ولكن يجب ألا يكون هذا مسجلا».

وقالت مكفارلاند: «كان اتفاقه معي أنني أنا الوحيدة التي من المفترض أن أتحدث معك، وكان يبدو متوترا بعض الشيء، ولذا صدقني، لم يكن هناك أي شخص آخر في الحجرة».

وخلال الاجتماع الذي عقد قبل 18 شهرا من الآن، قال بترايوس لمكفارلاند إنه يعتقد أن وكالة الاستخبارات المركزية تعد بمثابة «كنز.. وأعتقد أن هذه الوكالة مليئة بالأبطال، الأبطال المجهولين». واستطرد بترايوس قائلا «نحن في طريقنا لتقليل العمل العسكري، وعلى النقيض من ذلك فإن وكالة الاستخبارات المركزية وأجهزة الاستخبارات الأخرى سوف تشهد نموا وازدهارا».

ورفض بترايوس نصيحة إيلز، لكنه قال: «أنا أحب روغر.. إنه شخص متقد الذكاء»، معربا عن رغبته في رؤيته خلال زيارته المقبلة لنيويورك التي يوجد بها مكتب إيلز.

وأضاف بترايوس وهو يضحك: «أخبريه أنني لو قررت خوض الانتخابات الرئاسية، وأنا لن أفعل ذلك، ولكن لو قررت القيام بذلك، فسوف أطالبه بالوفاء بعهده، ويتعين عليه أن يستقيل من منصبه.. وأن يمول الحملة الانتخابية».

«هل سيقوم بتمويل الحملة؟»، هكذا تساءلت مكفارلاند، التي كانت من كبار مساعدي وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر ثم شغلت لاحقا منصب المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان.

يقول بترايوس: «أو ربما يكون قد حدث عندي خلط بينه وبين روبرت».

ردت مكفارلاند قائلة: «أنا أعرف روغر، إنه يقوم بعمل جيد بالفعل. ولكن.. لا، أعتقد أن الشخص الذي سيقوم بتمويل الحملة هو مالك المؤسسة».

قال بترايوس: «قد يكون ذلك صحيحا».

ثم قالت مكفارلاند: «حسنا، كان مالك المؤسسة سيقوم بتمويل الحملة وروغر سيتولى إدارتها ونحن سنكون بمثابة المعاونين».

رد بترايوس قائلا: «نعم، هذا صحيح، فنحن جميعا جزء من العملية. لم يكن هذا الأمر ليحدث أبدا، وأنت تعلمين جيدا أنه لم يكن ليحدث، وهذه هي الحقيقة».

يضيف بترايوس: «كانت زوجتي ستطلب مني الطلاق، وأنا أحب زوجتي.. نحن نمتلك منزلا رائعا». وهنا ضحكت مكفارلاند وبترايوس قبل أن يضيف بترايوس: «كل ما أريده هو العيش في المنزل، فأنا لم أقض ليلة واحدة بداخله».

يقدم هذا التسجيل الرقمي لمحة عن العلاقة الوثيقة التي جمعت بترايوس بوسائل الإعلام الإخبارية، وبخاصة شبكة «فوكس نيوز». فعند نقطة معينة، قالت مكفارلاند: «الجميع في (فوكس) يحبونك»، مضيفة أن إيلز قد طلب منها أن تسأل بترايوس «عما إذا كان هناك شيء ما تقوم فوكس بعمله، سواء أكان صوابا أم خطأ، وأنت تريد منا القيام به بصورة مختلفة!» لم يتردد بترايوس في الإجابة، حيث قال: «لقد تغيرت السياسة التحريرية في (فوكس). من الواضح أنهم يعتقدون أنه بسبب معارضتهم لأوباما، فإنه يتوجب عليهم معارضة الحرب التي يخوضها أيضا». وأكد بترايوس أنه ناقش هذا الأمر مع بريت باير، وهو مذيع شهير في «فوكس».

يضيف بترايوس: «تمتلك الصحف ووكالات الأنباء سياسات تحريرية. يبدو أنهم يعرفون شعور رؤسائهم تجاه بعض الأشياء.. ولذا يقومون بتسليط الضوء على أمور محددة».

طرح بترايوس مثالا لذلك قائلا: «بشكل غير رسمي، لم تكن صحيفة (نيويورك تايمز) لتتوقف أبدا عن توجيه الانتقادات لبوش أو الحرب في العراق، وأنا لا أبالي بالسبب وراء ذلك».

يستمر بترايوس في الحديث قائلا: «وفي الواقع، كتب توم شانكر (المراسل العسكري لصحيفة «نيويورك تايمز»، الذي أحترمه كثيرا، مقالا عني في أحد الأيام، قبل أن أدلي بشهادتي حول أمر ما. لقد كان مقالا رائعا للغاية، أو بعبارة أخرى كان مقالا واقعيا. أؤكد مرة أخرى أن كل ما نريده هو الحقيقة، فلم نخرج من بلادنا لسرد الروايات. ثم حدث أن تمت إضافة شيء غريب إلى المقال بعد ذلك، وهو الأمر الذي ثبت أنه لا أساس له من الصحة، وهو ما دفعني لسؤاله (توم، من أين جاء ذلك؟) فأجاب توم (حسنا، لقد تمت إضافته من قبل المحررين)».

يروي كلا الصحافيين تفاصيل مختلفة، حيث قال باير إنه لا يتذكر أن مثل هذا الحوار قد دار بينه وبين بترايوس، مضيفا: «نحن نقوم بتغطية الحرب بنفس الطريقة بغض النظر عن الإدارة التي تتولى مقاليد الحكم».

وفي الناحية الأخرى، أكد شانكر أنه لا يتذكر أنه قال أي شيء شبيه بما صرح به بترايوس، مضيفا: «أنا لا ألقي باللائمة على المحررين فيما ينشر في مقالاتي، فهذا الأمر يؤدي إلى تقويض مصداقيتك».

وفي الاجتماع الذي جمعه بمكفارلاند، قدم بترايوس شهادته على الحرب في أفغانستان، حيث أكد على تحقيق تقدم ملحوظ، ولكن أضاف: «هذا التقدم يظل هشا ويمكن خسارته».

ذكرت مكفارلاند حوارها مع بترايوس في مقال تم نشره على موقع شبكة «فوكس نيوز» يوم 27 أبريل (نيسان) عام 2011، حيث كتبت تقول: «لم يتم تسجيل الحوار الذي جرى بيننا، واحتراما مني لذلك، فلن أقوم بنقل عبارات على لسان الجنرال». وفي ذلك الوقت، كان من الواضح أن بترايوس هو المرشح لتولي منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، حيث أضافت مكفارلاند: «أنا لا أصدق أن إدارة أوباما لم تكن ترمي إلى تحقيق أي أهداف تتمتع بالمكر والدهاء السياسي في موضوع ترشيح بترايوس لوكالة الاستخبارات المركزية». أضافت مكفارلاند أن الإدارة ربما تكون قد تخلصت من «منافسا محتملا في الانتخابات الرئاسية».

يقول إيلز (72 عاما)، إنه «لا ينوي أبدا» مغادرة «فوكس» للعودة إلى عالم السياسة من خلال بترايوس أو أي شخص آخر. أضاف إيلز: «أنا أتقاضى راتبا جيدا للغاية»، رافضا تحديد الراتب الذي يحصل عليه. ولكن بعض التقارير الموثوقة أكدت أنه يتقاضى نحو 20 مليون دولار سنويا بموجب العقد الجديد الذي وقعه لمدة أربع سنوات.

يقول إيلز: «لقد تركت عالم السياسة في عام 1988 نظرا لكراهيتي له. ينصب اهتمامي الرئيسي الآن على مشاهدة مباريات كرة السلة الخاصة بابني البالغ من العمر 12 عاما».

* أسهم في كتابة هذا التقرير إيفيلين دوفي

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»