الغزيون يعيدون اكتشاف مناطق التماس بعد إلغاء الحزام الأمني

في شرق المنطقة الوسطى بعد التهدئة

TT

لم يكن سليم المنس (59 عاما)، يصدق اللحظات التي تمر عليه؛ فهو يقوم بفلاحة أرضه بينما تمر دوريات قوات الجيش الإسرائيلية المحمولة من على بعد 20 مترا من حقله. يعي سليم أنه مدين بلحظات السعادة الغامرة التي يعيشها وأسرته، للمقاومة الفلسطينية التي أجبرت إسرائيل خلال تفاهمات التهدئة، التي تم التوصل إليها في أعقاب حملة «عمود السحاب»، على إلغاء منطقة الحزام الأمني التي كان الجيش الإسرائيلي يفرضها على طول الخط الحدودي الفاصل بين إسرائيل وقطاع غزة، وعلى عمق يمتد من 300 إلى 1000 متر في قلب القطاع.

لقد ظل سليم لمدة خمس سنوات، غير قادر على الوصول إلى أرضه، التي تقع ضمن مناطق التماس. أمس، قال لـ«الشرق الأوسط»: «إنه كان يتمكن في بعض الأحيان من الوصول للأطراف الغربية من حقله، وفي ظل مشاعر كبيرة من الخوف والفزع»، مشيرا إلى أنه كان يحرص على زراعة المناطق الغربية بالقمح والشعير، ويترك لزوجته حصاد المحصول. وأكد أنه خلال عامي 2008 و2011. لم يتمكن من الاستفادة من الأرض بشكل مطلق، وذلك بسبب الخوف من نيران الاحتلال، مشددا على أنه لم يحصل إن قام بإرسال أبنائه إلى الأرض.

ويشي المشهد المفعم بالنشاط، الذي يلحظه كل من يتحرك في مناطق التماس حاليا، بعمق التحول التي حدث في أعقاب تطبيق تفاهمات التهدئة بين المقاومة وإسرائيل وإلغاء منطقة الحزام الأمني. فقد تفقدت «الشرق الأوسط» مناطق التماس التي تقع شرق المنطقة الوسطى من القطاع، سيما مناطق: «أم الجمال» و«قوز أبو حمام» و«القرارة»، وغيرها من المناطق؛ حيث كان التغيير واضحا وقويا. ففي منطقة «أم الجمال»، قابلنا في أكثر من مكان، مجموعات من المزارعين، بعضها مشغول ببناء مزارع للدجاج، وبعضها مشغول في ترميم الدفيئات الزراعية التي تعرضت للأضرار بسبب القصف أو بسبب الإهمال؛ في حين يأخذ الأطفال والنسوة بكل دعة، طريقهم وسط الحقول، وهم يتبادلون أطراف الحديث؛ بعدما كانوا يحبسون أنفاسهم عندما يمرون حتى في التخوم الغربية لمناطق التماس.

وتأخذ السيارات والشاحنات التابعة لتجار الخضراوات والفواكه، طريقها وسط هذه المناطق، فهذا مؤشر على إمكانية انخفاض أسعار الخضراوات في المستقبل، حيث من المفترض أن يزيد إنتاجها بعد أن تستعيد هذه المناطق قدرتها الإنتاجية.

قال إبراهيم (12 عاما)، لـ«الشرق الأوسط»، بينما كان يسير على أطراف «وادي السلقا»، حاملا بيده منشارا خشبيا، يسرع الخطى، إنه يلحق بوالده لمساعدته في تكريم أشجار الزيتون، التي تقع في الكرم، الذي يقع تماما على الخط الحدودي الفاصل. ويشير إبراهيم إلى أن المرة الوحيدة التي وصل فيها إلى هذه المناطق كانت قبل ثلاث سنوات، ولم يصدق أنه قد عاد سالما لبيته بعد أن كانت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية تحوم في المنطقة، يسمع صوتها ولا ترى. ويؤكد أنه يحرص وإخوته في كثير من الأحيان، على الذهاب إلى الأرض بمجرد أن يعودوا من المدرسة، حيث يقرأون ويقومون بواجباتهم المدرسية في أحضان الطبيعة.

ومن المفارقة، أن كثيرا من الغزيين، من غير أهالي مناطق التماس، يحرصون على تفقد هذه المناطق، رغم سيادة الأجواء الشتوية، حيث تقوم العائلات بما لم تحلم به طوال سنين، وهو التقاط صور جماعية لها على بعد أمتار من الجدار الحدودي الفاصل بين غزة وإسرائيل، ولا يتردد بعض الأطفال من القيام ببعض مظاهر التحدي عندما تمر دوريات جيش الاحتلال المحمولة بالقرب منهم.