الحزب الحاكم في ماليزيا يواجه أكبر تحد في تاريخه

«المنظمة الملاوية» قد تخسر الانتخابات لأول مرة منذ عقود مع صعود جيل شبابي ينشد التغيير

رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق يلقي كلمته خلال مؤتمر الحزب في كوالالمبور الخميس الماضي (رويترز)
TT

غص مقر «المنظمة الملاوية الوطنية المتحدة» باللون الأحمر المميز لشعار الحزب بحضور الآلاف من مؤيديه الأسبوع الماضي المتلهفين لسماع زعيمهم، مع اقتراب الانتخابات الماليزية، حيث يستعد الحزب، أضخم حزب في البلاد والذي يحكم ماليزيا لأكثر من نصف قرن، لمنافسة، توقع الكثير من المحللين أن تكون الأصعب منذ وصول الحزب إلى سدة الحكم.

وتعهد نجيب عبد الرزاق، رئيس وزراء ماليزيا ورئيس الحزب، بمنافسة الحكومة للحصول على كل صوت، وأنها لن تكون انتخابات عادية. وقال خلال الخطاب الحماسي أمام الأعضاء الذين لوحوا بأعلام الحزب خلال اجتماع الجمعية العامة لحزب المنظمة الملاوية المتحدة في كوالالمبور: «ستكون الانتخابات القادمة لحظة حاسمة في مصير الشعب والبلاد».

ستكون انتخابات يونيو (حزيران) القادم، الأولى التي يسعى فيها نجيب لفترة جديدة من خلال أصوات الناخبين، نظرا لأن الجراح التي تسببت فيها المعارضة الانتخابات الماضية لم تندمل بعد في عقول أعضاء الحزب. ويشير مراقبون إلى أن رئيس الوزراء يواجه دخول موجات كبيرة غير متوقعة من الناخبين الشباب ومعارضة قوية، الأمر الذي يجعل المنافسة محتدمة.

شغل نجيب، ابن ثاني رئيس وزراء لماليزيا، منصب رئيس للحزب عام 2009 خلفا لعبد الله أحمد بدوي بعد خسارة الجبهة الوطنية أغلبية الثلثين في البرلمان عام 2008 للمرة الأولى منذ الاستقلال 1957. سعى نجيب، 59 عاما، لتقديم نفسه كإصلاحي ألغى عددا من القوانين المقيدة للحريات وطبق برنامجا شاملا أطلق عليه «ماليزيا أولا» لتعزيز الوحدة الوطنية بين المجموعات الإثنية في الدولة. لكنّ المحللين والنقاد أشاروا إلى أن الإصلاحيين لم يبذلوا جهدا كافيا لتحسين الحقوق المدنية، وأن «المنظمة الملاوية المتحدة» فشلت في تنفيذ تغييرات حقيقية والتحول إلى حزب شامل بحق يتعامل مع مخاوف كل الماليزيين بعض النظر عن العرقيات.

أنشئ الحزب عام 1946 إبان الاحتلال البريطاني، ولعب دورا في تحقيق الاستقلال وكان ممثلا للإثنية الملاوية، العرقية الإثنية المهيمنة في البلاد. وخلال بداية نشاطه، شكل الحزب تحالفا مع الأحزاب التي عرفت في ما بعد باسم الاتحاد الصيني الماليزي والمؤتمر الهندي الماليزي ليجذب أكبر أقليتين عرقيتين في البلاد، إلى جانب عدد من الأحزاب الصغيرة التي انضمت إليه خلال السنوات اللاحقة.

وقال باري واين، كاتب مقيم في معهد دراسات جنوب شرقي آسيا في سنغافورة والصحافي السابق، مشيرا إلى حزب العمل الديمقراطي المعارض: «عندما تحالفت هذه الأحزاب كان من المستحيل أن تهزم لأن كل الأحزاب دخلت في التحالف عدا حزب العمل الديمقراطي. وبالتالي لم تكن هناك معارضة قوية لفترة طويلة».

قادت الجبهة الوطنية تنمية اقتصادية رائعة، لتحول مجتمعا ريفيا إلى حد بعيد يتسم بمستويات عالية من الفقر في السبعينات إلى واحد من قصص النجاح في جنوب شرقي آسيا، حيث يندر الآن وجود الفقر الشديد وسط سكان البلاد البالغ عددهم 29 مليون نسمة.

لكن المشهد السياسي شهد تغيرات ملحوظة. يضم حزب المنظمة الملاوية الوطنية المتحدة أكثر ثلاثة ملايين عضو، بينما تمكنت المعارضة من اكتساب الزخم في السنوات الأخيرة، قادها أنور إبراهيم، النائب الأسبق لرئيس الوزراء محاضر محمد.

وعبر واين، مؤلف كتاب «العملاق الماليزي: محاضر محمد في أوقات مضطربة»، عن اعتقاده أن الحزب يشهد تراجعا منذ أواخر التسعينات. وقال إن محاضر، رئيس الوزراء الأسبق الذي قاد الحزب خلال الـ22 عاما السابقة، كان له تأثير عميق عليه بسبب طول بقائه في منصبة وحكمه الشمولي. وأوضح واين أن الماليزيين انضموا إلى الحزب خلال سنواته الأولى رغبة منهم في تطوير البلاد، ليتحول الآن إلى آلة رعاية يمنح العقود لأنصاره ويفتقر إلى الأفكار طويلة الأجل بشأن كيفية تطوير البلاد. وقال وان سايفول وان جان، الرئيس التنفيذي لمعهد العلاقات الاقتصادية والديمقراطية في كوالالمبور، إن المعارضة التي نجحت في خمس ولايات في انتخابات عام 2008 أظهرت الشعب الذي يمكن أن تحكمه.

التحدي الآخر الذي يواجه الحكومة ذلك العدد الكبير المتوقع من الناخبين الذين سينضمون إلى قوائم التصويت للمرة الأولى.

ويقول وان سايفول: «نشأ هؤلاء الناخبون في بيئة كانت توجه فيها اتهامات إلى المنظمة الملاوية الوطنية المتحدة بالفساد، وفي الوقت ذاته سيحول الموقف الاقتصادي الذي تمر به البلاد من صعوبة الحصول على وظائف على الإطلاق». وأضاف: «لقد نشأ هؤلاء الناخبون في بيئة مختلفة عن تلك التي تربى فيها الجيل الأقدم سنا، فهم لا يشعرون بأنهم مدينون لحزب المنظمة الملاوية، وكونهم شبابا فلا توجد لديهم مخاوف من التغيير».

وعلى الرغم من نمو الاقتصاد الماليزي 5.2% خلال الربع الثالث، يرى سايفول أن الرواتب لم تواكب الارتفاع في تكاليف المعيشة، موضحا أن العمال صغار السن تأثروا على نحو واضح، مما يؤدي إلى الاستياء من الحكومة.

ويشير كلايف كيسلر، الأستاذ الفخري في جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا والمراقب للسياسة الماليزية، إلى أن الانتخابات الأخيرة أظهرت أن إطار عمل النظام القديم، الذي عزز التفوق الملاوي من خلال سلسلة من إجراءات العمل التي تفضل العرقية الملاوية عرفت باسم السياسة الاقتصادية الجديدة، لم يعد مجديا. وأوضح كيلسر أن الحزب بعد خسارته دعم الكثير من العرقيات غير الملاوية والناخبين الحضر بعد الانتخابات الأخيرة، كان بحاجة إلى التحول إلى حزب تقدمي وطني بحق، لكنه تحول بدلا من ذلك إلى حزب يكرس حقوق المتشددين الملاويين.

لكن قادة الحزب أصروا على أن الحزب قدم الكثير لتبديد مخاوف الناخبين. وخلال كلمته التي ألقاها الخميس، وحذر فيها من أن اقتصاد البلاد سيتعرض للتدمير إذا فازت المعارضة، شرح نجيب كيف قادت الحكومة التحول الاقتصادي والسياسي. وأشار إلى أن من بين التغيرات الأخرى إلغاء الحكومة قانون الأمن الداخلي، الذي كان يسمح بعمليات اعتقال لمدد غير محدودة دون محاكمة، وألغى حاجة الصحف إلى الحصول على ترخيص طباعة سنوي، بيد أن النقاد أكدوا على فشلها في حماية الحريات المدنية.

وعلى الرغم من تأكيده أن الحكومة لم تشعر بالرضا قط عن نفسها في الدفاع عن حقوق كل الأعراق، تعهد نجيب أيضا بإعطاء «أولوية لرفاهية الأفراد والحفاظ على العرق الملاوي وتعزيز الإيمان والحفاظ على الإسلام». وأشار محللون أيضا إلى أن بعض وفود الحزب يطالبون بمزيد من التحرك ضد الأفراد ذوي الميول المثلية والتعددية والليبرالية. ويرى تنغكو عدنان تنغكو منصور، الأمين العام للحزب، أن الحكومة أجرت عددا من التغييرات لمساعدة غير الملاويين، مثل تقديم مزيد من المنح الجامعية، وأن الجبهة الوطنية أدت بشكل جيد في الانتخابات منذ 2008. وقال في مقابلة: «هذا توجه يظهر لنا أن ما نقوم به منذ عام 2008 يسير على المسار الصحيح. أعتقد أن المواطنين الماليزيين يدركون أننا حزب يمكنهم الوثوق به».

واعترف عدنان أن الحزب لم يكن بالحزب المثالي لكنه أنكر بشدة مزاعم المحاباة. وقال: «ليس من الإنصاف القول إننا حزب للمحاباة، نحن منفتحون على الجميع، وإذا شعرت أن الحزب خاطئ، فانضم إلينا وصحح الحزب لأننا نظام ديمقراطي».

وعلى الرغم من التوقعات باحتدام الانتخابات يعتقد البعض أن المعارضة قد تحظى بفرصة الفوز للمرة الأولى. وتعتقد بريدغيت ويلش، الأستاذ المساعد في جامعة الإدارة في سنغافورة المتخصصة في السياسة الماليزية، أن الحكومة قد تتمتع بتفوق على المعارضة، لكنها أشارت إلى أن الوضع غير ثابت وأنه لا توجد ضمانات بإمكانية احتفاظ حزب المنظمة الملاوية بالسلطة. وقال جيمس تشين، مدير كلية الفنون والعلوم الاجتماعية في جامعة موناش الماليزية، إنه على الرغم من الدعم الكبير الذي تلقاه الحكومة في صفوف الماليزيين في المناطق الريفية بسبب الدعم المالي، فإن الفوز على الناخبين في الحضر سيظل إشكالية أمام التحالف الحكومي.

وعلى الرغم من الضمانات الحكومية بأنها اتخذت خطوات تجاه تطوير النظام الانتخابي بعد ثلاثة احتجاجات شعبية ضخمة تطالب بانتخابات حرة ونزيهة، لا يزال بعض المحللين يعتقدون أنها مثيرة للشكوك إلى حد بعيد. لكن تنغكو عدنان أصر على أن المعارضة ما كانت لتتمكن من الفوز بخمس ولايات في انتخابات 2008 لو لم تكن الانتخابات نزيهة. وقال: «كانت أكثر الانتخابات نزاهة منذ الاستقلال وحتى الوقت الراهن».

* خدمة «نيويورك تايمز»