تهديدات دولية بـ«رد فوري» في حال استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي

مصادر فرنسية: استخدامها «يغير طبيعة الصراع».. والناتو متفق على دعم تركيا

TT

واصلت القوى الدولية توجيه التحذيرات الشديدة إلى النظام السوري والرئيس بشار الأسد من استخدام الأسلحة الكيماوية، مؤكدة أن ذلك المسلك سيواجه بـ«رد فوري» وأنه «سيغير المعطيات» ويستوجب «تدخلا دوليا»؛ فيما تتزايد المخاوف المتصلة باستخدام تلك النوعية من الأسلحة، والتي برزت فجأة خلال الأسبوع الماضي على خلفية تقارير عن نقل دمشق لأسلحة كيماوية واحتمال تجهيزها للاستخدام، وخاصة في ظل استمرار تقدم القوى المعارضة المسلحة نحو العاصمة السورية.

ويأتي ذلك بينما تناقلت وكالات الأنباء مساء أمس نبأ موافقة وزراء خارجية الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) على نشر منظومات صواريخ باتريوت الدفاعية على الحدود التركية السورية.

وقالت الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي الأسبوعي أمس، إن استخدام الأسلحة الكيماوية، إن بطلب من بشار الأسد أو ممن يعملون تحت إمرته «لن يكون أمرا مقبولا»، مضيفة أن باريس «تتشاور بشكل وثيق» مع شركائها لتحاشي استخدامها. وخلصت باريس إلى القول: «يتعين على المسؤولين في دمشق أن يعلموا أن الأسرة الدولية تراقبهم وأنها لن تبقى من غير رد فعل في حال استخدمت هذه الأسلحة».

وحتى الآن، امتنعت باريس عن الاسترسال في وصف نوع وشكل رد فعل الأسرة الدولية التي لم تعرفها بدقة، إذ لم يفهم ما إذا كان المقصود بها الأمم المتحدة أو الحلف الأطلسي الذي اجتمع وزراء خارجيته أمس في بروكسيل أو أي تحالف من نوع آخر. وسبق لباريس وعلى أعلى المستويات أن نبهت من إدخال الأسلحة النووية في النزاع الجاري حاليا في سوريا. واعتبر الرئيس فرنسوا هولاند، في أواخر الصيف الماضي، أن تصرفا سوريا من هذا النوع «سيشكل سببا شرعيا للأسرة الدولية للتدخل (العسكري) في سورية». وذهب وزير الخارجية لوران فابيوس، في الفترة عينها، إلى التنبيه من أن رد الفعل «سيكون فوريا وصاعقا».

وقال فانسان فلورياني، الناطق المساعد باسم الخارجية الفرنسية أمس، إن باريس «على اطلاع» على المعلومات التي تتحدث عن تحركات مشبوهة في القواعد العسكرية السورية التي تخزن فيها المواد النووية وأنها تتابع الموضوع مع شركائها. غير أن الخارجية رفضت تأكيد أو نفي ما إذا كانت باريس لديها معلومات «مستقلة» عن المعلومات التي صدرت من واشنطن بهذا الخصوص والتي كانت في أساس ردود الفعل الدولية المتتالية.

وأفادت مصادر فرنسية غير رسمية أنه إذا كانت دمشق تنوي حقيقة سلوك هذه الطريق الخطيرة أو التهديد بسلوكها، فهذا يعني أن النظام يجد نفسه اليوم في وضع صعب وبالتالي يحتاج إلى ورقة يهول بها للبقاء في موقعه وإما أنه يبعث برسائل إلى الأسرة الدولية ليقول فيها إنه مستعد للتفاوض.

وترى هذه المصادر أن رد الفعل الدولي، الأميركي والأطلسي في المقام الأول، غرضه «ردعه» في المقام الأول. وفي أي حال، ثمة قناعة غالبة في باريس مفادها أن النظام «لن يجرؤ» لأنه، من جهة، موجود تحت الرقابة العالية ويعرف أن استخدام الأسلحة الكيماوية سيرفع كل المحظورات والعقبات التي حالت حتى الآن دون التدخل العسكري الدولي. ومن جهة أخرى، فإن النظام يقامر بخسارة آخر من تبقى له من الحلفاء الدوليين وتحديدا روسيا والصين اللتين لن يكون بوسعهما الاستمرار في الدفاع عنه في مجلس الأمن والمحافل الدولية الأخرى.

وتوقفت المصادر الفرنسية عند معنى الكلام الذي صدر أول من أمس عن مسؤولين سوريين لم تحدد هويتهم وفيه أن دمشق «لن تستخدم هذا النوع من السلاح، في حال امتلاكها له، ضد شعبها». وتساءلت هذه المصادر عن الأسباب التي دفعت النظام للتمييز بين المواطنين السوريين وبين غيرهم ولم تتحدث بالمطلق عن الامتناع عن استخدام الأسلحة الكيماوية وعما إذا كانت وجود «إرهابيين أجانب» سيكون الحجة التي سيتلطى بها في حال قرر تحدي الأسرة الدولية وارتكاب جريمة من هذا النوع.

من جانبه، حذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي انديرس فوغ راسموسين أيضا دمشق من أن رد الفعل الدولي سيكون فوريا، وقال للصحافيين في مستهل اجتماع لوزراء خارجية الحلف في بروكسل إن «مخزونات سوريا من الأسلحة الكيماوية مبعث قلق. نعلم أن سوريا تملك صواريخ.. نعلم أن لديها أسلحة كيماوية، وبالطبع لا بد من إدراج ذلك ضمن حساباتنا»، وأكد أن «الاستخدام المحتمل للأسلحة الكيماوية سيكون غير مقبول تماما بالنسبة للمجتمع الدولي أجمع.. وإذا لجأ أحد لمثل هذه الأسلحة المروعة حينها أتوقع رد فعل فوريا من المجتمع الدولي». مشيرا إلى أن «هذا سبب أيضا يجعل ضمان فاعلية الدفاع عن حليفتنا تركيا وحمايتها أمرا ملحا».

وأضاف راسموسين أنه ابلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بهذا الأمر أثناء اجتماع مجلس الناتو - روسيا، على هامش الاجتماعات، وقال «نحن نتعامل مع موسكو بروح من الشفافية والثقة المتبادلة ويبقى الهدف هو بناء شراكة استراتيجية بيننا، ولكن علينا ضخ مزيد من الطاقات في هذا المجال».. مشددا على أن نشر صواريخ على الحدود بين تركيا وسوريا لهدف دفاعي وليس له أي أهداف هجومية، كما اتفق الوزراء من خلال تصريحاتهم على ضرورة دعم تركيا.

لكن لافروف قال في ختام لقاء مع نظرائه في دول حلف الأطلسي: «لدينا قلق إزاء النزعة المتزايدة نحو التسلح» بسبب النزاع القائم في سوريا، وأضاف أن «تكدس السلاح يزيد من مخاطر استخدام هذا السلاح»، في إشارة إلى الموافقة المحتملة (أمس) للحلف على نشر الباتريوت في تركيا.

وردا على سؤال حول احتمال لجوء النظام السوري إلى استخدام السلاح الكيماوي، قال لافروف: «إنها ليست المرة الأولى التي تصدر فيها شائعات وتسريبات» حول هذا الموضوع، داعيا إلى «عدم المبالغة» في نقل هذه المعلومات. وأضاف أن موسكو في كل مرة كانت تتحقق من هذا النوع من الأخبار حول السلاح الكيماوي لدى الحليف السوري: «وكان الجواب يأتي دائما بأن لا شيء يجري إعداده» في هذا الإطار. من جانبه، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل تتابع عن كثب مع المجتمع الدولي التطورات في سوريا الخاصة بمستودعات الأسلحة الكيماوية. وأضاف في سياق كلمة ألقاها أمام أعضاء هيئة الإعلام الوطني في القدس أمس، وفقا لوكالة الأنباء الألمانية، إن إسرائيل تتفق مع الإدارة الأميركية في موقفها الحازم بهذا الصدد كما عبر عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما، بحسب الإذاعة الإسرائيلية.

وفي سياق متصل، قال وزير خارجية الأردن ناصر جودة الاثنين إن «استخدام أسلحة كيميائية سيغير المعطيات.. النظام (السوري) يعرف جيدا أن الأسرة الدولية لن تقبل باستخدام هذه الأسلحة في سيناريوهات مختلفة؛ إن من قبل النظام ضد شعبه أو ضد دول مجاورة، أو إذا وقعت هذه الأسلحة بين أياد شريرة». ورأى جودة أن «كل ما يقسم الأسرة الدولية للقيام بعمل مشترك سيتغير بالتأكيد في حال استخدام أسلحة كيميائية»، وقال «في هذه الحال لن يفكر أحد مرتين من أجل الاتفاق والتحرك فورا».

وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما وجه تحذيرا إلى الأسد مساء الاثنين، وقال في تصريحات أمام حشد من الخبراء في انتشار الأسلحة البيولوجية والكيماوية والنووية: «أريد أن أقول بوضوح شديد للأسد وأولئك الذين تحت قيادته إن العالم يراقبكم». وأضاف أن «استخدام أسلحة كيماوية غير مقبول ولن يكون مقبولا بالمرة.. وإذا ارتكبتم الخطأ المأساوي باستخدام تلك الأسلحة فستكون هناك عواقب وستحاسبون».

ولم يوضح أوباما كيف سيكون رد الولايات المتحدة، لكن المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني قال في وقت سابق - عندما سئل عما إذا كان استخدام القوة العسكرية هو أحد الخيارات - إنه يجري حاليا إعداد «خطط طارئة».. موضحا أن «الولايات المتحدة تشعر بقلق متنامٍ من أن الرئيس السوري ربما يفكر في استخدام أسلحة كيماوية»، و«نحن قلقون من فكرة أن يقوم نظام يزداد محاصرة بالتفكير في استخدام أسلحة كيميائية ضد السوريين».. وأضاف أن هذا سيمثل «تجاوزا لخط أحمر حددته الولايات المتحدة».

وفي غضون ذلك، أكد مسؤول أميركي أن دمشق تقوم - على الأرجح - بخلط المكونات الضرورية لاستخدام غاز السارين الشديد السمية.. وأضاف، طالبا عدم الكشف عن هويته لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «عددا من المؤشرات يحملنا على الاعتقاد أنهم يقومون بتجميع المكونات الكيميائية».