المصريون يقرأون مشروع «الدستور» الجديد بنزعة «المتشائل»

الخلاف حوله انتقل للحافلات العامة والمقاهي

TT

على غرار رواية الروائي الفلسطيني إميل حبيبي «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل»، يقرأ المصري «يوسف» نص دستور بلاده الجديد داخل أحد قطارات المترو، ويتوقف أمام إحدى مواده فرحا، ثم سرعان ما تصيبه الحيرة حين يكتشف بعد نقاش مع صديقه أنه يفسرها خطأ. في مشهد يذكر أيضا ببطل الفيلم السينمائي الشهير «عايز حقي». وتشتبك خيوط التفاؤل بالتشاؤم حين يتحول ذلك المشهد نفسه هذه الأيام إلى حقيقة، مع سعي المصريين إلى فهم دستورهم الجديد، قبل التوجه إلى صناديق الاستفتاء منتصف الشهر الحالي لقول كلمتهم بالموافقة أو الرفض عليه، بناء على دعوة الرئيس محمد مرسي.

وسط زحام المترو، وقف الشابان وهما يمسكان بكتيب الدستور ويناقشان مواده معا، وهو ما لفت نظر الركاب المحيطين بهما ودعاهم للتدخل في المناقشة. فقال أحد الركاب الذي يطلق لحيته: «هذا الاستفتاء سيكتب في التاريخ، أنا قرأته بكامله، وسأصوت بنعم». بينما أخذ آخرون في الاستفسار عن أماكن بيع الدستور، والكشف عن حاجتهم ونيتهم اقتناء نسخة منه.

الاطلاع على الدستور لم يقتصر على أسفل الأرض، فعلى ظهرها وداخل الحافلات العامة والقطارات، أصبح الدستور مادة جاذبة للقراءة والتسلية، بين مختلف الأعمار والفئات، ليكسر المشهد ما يتردد بأن «المصريين لا يقرأون»، بعد كشف تقرير سابق لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار عن أن 88 في المائة من الأسر المصرية لا تقرأ سوى الكتب المدرسية.

وبعد أن تسابقت الصحف لنشر المواد النهائية للدستور على صفحاتها خلال الأيام الماضية، لم يكن غريبا أن تمتلئ المقاهي بمن يمسكون الصحف لقراءة الدستور، وهم يرتشفون الشاي والقهوة لزيادة التركيز في مواده التي تحدد ملامح مستقبل البلاد.

وفيما امتنعت الصحف الخاصة عن الصدور أمس، اعتراضا على قيود التعبير في الدستور الجديد؛ قام كثيرون باستبدالها بقراءة «كتيبات» الدستور، التي انتشرت بين باعة الصحف بسعر خمسة جنيهات للنسخة، بعد أن هرعت دور نشر لطباعته سريعا.

على أحد المقاهي بالقاهرة، أخذ الخمسيني محمد رشدي، يطالع بعناية الدستور الذي نشرته صحيفة قومية بعناية، معللا ذلك بقوله: «أقرأ الدستور حتى أعرف رأسي من قدمي، بعد أن انقسمت مصر إلى فريقين أحدهما سيصوت بنعم والآخر بلا، فقراري يجب أن ينبع من اقتناع شخصي».

وفي إحدى الحافلات، تبين موظفة حكومية أنها تحتفظ في حقيبتها بملحق لإحدى الصحف خُصص لنشر الدستور، مبينة أنها تتنقل بين المواد كلما أتيح لها ذلك حتى تعرف ما يدور حولها، قبل أن تضيف بتلقائية: «لازم أفهم بنفسي، الناس مابقتش زي زمان ولا هينضحك عليها تاني». لكن جارها رد بغضب: «دستور إيه بس؟ الدستور ده يهم الناس اللي في السلطة، إحنا عمرنا ما عرفنا دستور، ولا قرأناه».

وعلى شبكة الإنترنت، تسابقت العديد من المواقع والمنتديات لكي تتيح مواد الدستور على صفحاتها، إلى جانب الموقع الرسمي للجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور الذي يبرز النسخة النهائية من الدستور، حيث قام بزيارته نحو 600 ألف مواطن حتى الآن. كما أصبحت عبارة «تحميل مواد الدستور المصري 2012 كاملة» هي الأكثر بحثا عبر محركات البحث. وهو ما أغرى المئات خاصة من الشباب بطباعة الدستور لقراءته، أو الاحتفاظ به على أجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم أو هواتفهم الجوالة.

ويأتي الإقبال الكبير على قراءة الدستور في ظل دعوات مسؤولين وسياسيين في مصر لهذا التوجه، حيث ناشد الدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء شعبه بقراءة الدستور ومراجعة مواده حتى يمكن التصويت عليه بإرادة حرة وبما يحقق مصلحة الوطن العليا. كما دعا المتحدث الرسمي باسم حزب النور السلفي، نادر بكار، في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «أدعو جميع المصريين إلى قراءة الدستور قراءة متأنية وعدم الاعتماد على أي نقل مشوه أو محرف».

من جانبها، بدأت الجمعية التأسيسية لوضع الدستور في طبع مليوني نسخة من الدستور الجديد لتوزيعها على جموع المواطنين، في إطار حملة لتوعية المواطنين بالدستور، بالإضافة لحملة إعلامية تقوم بها للتعريف بالدستور ومواده قبل الاستفتاء عليه، إلى جانب جولات يقوم بها بعض أعضاء اللجنة أيضا للتعريف بالدستور في كل محافظات مصر، من خلال عقد لقاءات شعبية وتعريفية بالعديد من طوائف الشعب.

وتشهد مصر بجانب المحاولات الفردية لقراءة الدستور وفهمه، حملات ومبادرات تقوم عليها أحزاب وجمعيات أهلية لتوعية الفئات المهمشة وتعريفها بالدستور وتبسيط وتسهيل مواده، وأهميتها في حياتهم وتأثيرها عليهم، وهي الحملات التي يحاضر فيها أساتذة القانون الدستوري والنشطاء السياسيون والحقوقيون. كما نشطت الحملات الإلكترونية لنفس الهدف، حيث يتم فيها توظيف الصوت والصورة في إفهام الدستور.

من بين تلك المبادرات «الحملة الشعبية للتوعية بالدستور»، التي تهدف للتعريف بالدستور عن طريق عقد سلسلة من (سلاسل الدستور) التي ينظمها شباب في المناطق ذات الكثافة السكانية في محافظات مصر للتوعية بمفاهيم الدستور، وتوزيع أوراق تعريفية بمكوناته، إلى جانب حملات لطرق الأبواب وزيارات ميدانية وحلقات نقاشية في الميادين والبؤر المجتمعية.