طرابلس تشتعل ومقاتلوها يعتبرون سياسييهم «أصحاب تمثيليات تلفزيونية»

لا وقف للقتال قبل عودة جثامين قتلى تلكلخ

جنود لبنانيون فوق دبابة في إحدى الدوريات بمدينة طرابلس أمس بعد مواجهات التي جرت بين السنة والعلويين على خلفية مايحدث في سوريا (أ.ف.ب)
TT

في ظل غياب أي مسعى رسمي جاد لمعالجة الوضع الأمني المتدهور، ووضع حد للمعارك المحتدمة منذ أكثر من ثلاثة أيام، في الضواحي الشمالية لمدينة طرابلس (بين جبل محسن وباب التبانة)، يبدو أن الحال إلى مزيد من التأزم والتصعيد.

فقد استمرت المعارك يوم أمس على غالبية محاور الاشتباك التقليدية، باستثناء محور الريفا القريب من مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين، وتحدث المقاتلون عن تصميمهم على المضي في القتال. وقال عدد من المقاتلين الذين سألناهم في باب التبانة: «إن الحرب ستتواصل، حتى يعود اللبنانيون الذين نصب لهم الكمين في تلكلخ، أحياء أو أمواتا إلى ذويهم». واستشرس المقاتلون في استخدام القذائف الصاروخية والهاونات والرشاشات والقنابل، لإبقاء الجبهات مفتوحة، فيما سقط المزيد من الجرحى والقتلى من الجانبين، أحدهم قائد عسكري ميداني في باب التبانة يلقب باسم الادعشري، بينما سعى الجيش لإخلاء بعض الأحياء الآهلة التي حوصر بها سكانها. ورغم محاولات الجيش اللبناني الرد على مصادر النيران وردع المسلحين فإن محاولاته باءت بالفشل. وقال أحد سكان منطقة الريفا لـ«الشرق الأوسط»: «أعان الله الجيش الذي ما إن يسكت جبهة حتى تشتعل أخرى. الفلتان سيد الموقف، وهناك من هو مستفيد من المعارك، ويريدها أن تبقى».

وسخر أحد المقاتلين في باب التبانة حين سألناه عن الاجتماعين اللذين عقدا في منزل النائب محمد كبارة أول من أمس في طرابلس، وتم التوافق خلالهما على الوقف الفوري لإطلاق النار. وعن الجولة التي قام بها النائب كبارة لباب التبانة لثنيهم عن القتال، قال: «هذه مجرد تمثيليات للتصوير التلفزيوني. ليس هناك أي توافق سياسي أو غطاء للجيش اللبناني ليضرب بيد من حديد ويحسم الأمر. نحن لا نرى حزما من الجيش، وهو حين يرد فإنما يفعل ذلك في الهواء للتخويف وليس للردع الفعلي».

وقال مقاتل آخر في التبانة، فضل عدم الكشف عن اسمه: «اتصل بنا عميد بالجيش اللبناني يوم أمس طالبا منا وقف القتال، وفعلنا لساعات، لكن حين عاودوا قصفنا، كان يجب أن نرد. نحن مستمرون ولن نتوقف، لأن لا زعيم لنا، وكلهم منافقون ولا يريدون غير مصالحهم، ولسنا هنا لنسمع من أحد». وأضاف هذا المقاتل، الذي شرح أنه سجن في سوريا عام 1968: «نحن لا نصدق النظام السوري، ولا نصدق أنه سيعيد اللبنانيين الذين نصب لهم كمين في تلكلخ. حين سجنت في سوريا كنت جريحا ومع ذلك عذبوني وأهانوني. من يقع بين أيديهم لا يمكن أن يعود لذلك، نحن لا نقاتل على أمل استعادتهم، ولكن لأن لا حل آخر أمامنا. ونعلم أن كل الوعود هي مجرد كذب لتهدئة الخواطر».

وكانت الاشتباكات عادت لتنفجر مرة جديدة في طرابلس بعد وصول خبر وقوع عدد من الشبان اللبنانيين قدر عددهم بعشرين، في كمين في تلكلخ بعدما دخلوا الأراضي السورية. ورغم أن السلطات السورية أبلغت لبنان رسميا عبر السفير السوري عبد الكريم علي، أنها ستبدأ بتسليم الجثامين يوم السبت على أن يتم تسليم الباقين في دفعتين تاليتين فإن أهالي باب التبانة (غالبية سنية) الذين اشتبكوا مع جبل محسن (غالبية علوية) على اعتبار أن من قتل الشبان هو النظام السوري وأهالي الجبل هم حلفاؤه في لبنان، لا يرون سببا لتوقيف القتال قبل وصول الجثامين.

وأكد منسق تيار المستقبل في الشمال، النائب السابق مصطفى علوش، لـ«الشرق الأوسط» «أن لا أخبار رسمية جديدة اليوم (أمس) حول آلية تسليم الجثامين، ولم يعرف بعد عدد القتلى أو المفقودين، أو حتى الذين وقعوا أسرى في أيدي السلطات السورية». وكانت أخبار قد تم تداولها حول عدد القتلى في الكمين، وعن طريقة تسليم الجثث. كما تم تداول أخبار صحافية تقول: إن السلطات السورية تتفاوض مع السلطات اللبنانية على مبادلة جثث اللبنانيين بخمسة أشخاص موقوفين في السجون اللبنانية بينهم امرأة، وجميعهم من الموالين للجيش السوري الحر. إلا أن علوش قال: «أن لا تأكيدات بعد حول كل ما يتم تداوله».

وتوعد «الحزب العربي الديمقراطي» في جبل محسن، مساء أول من أمس، طرابلس بأنها «ستدفع الثمن في حال استمر القصف على الجبل»، لكن أحد مسؤولي الحزب عاد ونفى الخبر. ثم جاءت التهديدات أمس من مقاتلي باب التبانة الذين تحدثوا عن «ليلة حامية الوطيس» قبل انبلاج فجر الجمعة.

وهكذا عاشت طرابلس التي طالت أحياؤها القذائف الصاروخية ورصاص القنص، على وقع التهديدات، وتعطلت الحياة فيها لليوم الثالث، وأغلقت الجامعات كما غالبية المدارس أبوابها.

وتبدو الساحة السياسية خلاء، خاصة أن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، ابن المدينة، في زيارة رسمية لإيطاليا، فيما مفتي طرابلس والشمال، الشيخ مالك الشعار الذي يلعب دور المهدئ والوسيط في مثل هذه الأزمات الحالكة، في زيارة لجنيف لم يعد منها وإنما توجه إلى باريس بعد أن بلغه بأن حياته مهددة، وعليه أن يحفظ أمنه بالبقاء خارجا.

وعقدت اللجان الأهلية في طرابلس اجتماعا، استنكرت خلاله «عودة الاقتتال وسقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى»، رافضة «أن تتحول طرابلس خاصرة رخوة في الصراع الدائر في سوريا وتنفذ مشاريع فرز طائفي لا مصلحة لأحد فيها». وحملت اللجان «مسؤولية ما يجري من اقتتال مطلع كل شهر، إلى التراخي والتهاون في بسط سلطة الدولة الوحيدة القادرة على إيقاف الاقتتال والعبث بمقدرات المدينة التي تتعرض لمؤامرة دنيئة في عيشها واقتصادها»، مؤكدة «رفض الأعمال المغرضة، من حرق محلات ومؤسسات تابعة للطائفة العلوية»، لأن «فاتورة حرق المؤسسات والمحلات تدفعها المدينة مجتمعة وليس أبناء الطائفة العلوية وحدهم»، مطالبة رجال الدين «بالدعوة إلى رفض الاقتتال ونبذ الخلافات بين أبناء البلد الواحد، وإبعاد شبح الاقتتال الطائفي والمذهبي الذي يجر الويلات على البلاد».

وإذ تعيش طرابلس حالة حرب حقيقية، وإن بقيت غالبية أحيائها بعيدة عن القصف المباشر، إلا أن أجواء الخوف تسمم الحركة التجارية وتشلها بشكل شبه كامل. وقال النائب السابق طلال المرعبي: «أهل طرابلس والشمال وعكار لم يعودوا قادرين على تحمل المزيد من الخراب والدمار والقتل وتهميش لدور طرابلس. وإذا كانت الفعاليات السياسية غير قادرة على ضبط الوضع، فلا بد من إيجاد حل سريع لهذه الفتنة المستعرة».