كيري يوازن بين البقاء في الكونغرس والذهاب للوزارة

السيناتور البارز بات المرشح المفضل لخلافة كلينتون بعد الانتقادات الكبيرة لسوزان رايس

كيري يتحدث خلال مؤتمر صحافي، بحضور عدد من زملائه، لحث الكونغرس على توقيع اتفاقية تخص ذوي الاحتياجات الخاصة، في الكابيتول هيل يوم الثلاثاء (أ.ب)
TT

لم تتمكن معاهدة دولية لتعزيز حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في جميع أنحاء العالم من الحصول على موافقة الكونغرس الأميركي، يوم الثلاثاء الماضي، لكنها منحت السيناتور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، فرصة لوضع رؤية دبلوماسية يمكن أن تكون بمثابة الخطة التي سيسير عليها إذا أصبح وزير الخارجية المقبل.

وقال كيري إن الهدف من هذه الاتفاقية هو حث العالم على أن يحذو حذو الولايات المتحدة الأميركية، مضيفا أن «هذه الاتفاقية لا تهدف إلى تغيير الولايات المتحدة، ولكنها تهدف إلى تغيير العالم حتى يصبح أشبه بالولايات المتحدة».

ويعد السيناتور الديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس والمرشح الرئاسي السابق أبرز المرشحين لتولي منصب وزير الخارجية خلفا لهيلاري كلينتون، التي يتوقع أن تستقيل من منصبها قبل بدء الولاية الثانية للرئيس باراك أوباما. وثمة تقارير أخرى تشير إلى أن كيري، الحاصل على النجمة الفضية لخدمته في فيتنام، قد يشغل منصب وزير الدفاع خلفا لليون بانيتا.

ومن المتوقع أن يعلن البيت الأبيض عن المرشحين لهذه المناصب في القريب العاجل، وربما يتم ذلك خلال الأسبوع الحالي، ولكن التكهنات الحالية جعلت من الصعب على كيري المفاضلة بين وظيفته الحالية ومستقبله المحتمل.

وأصبحت هناك حالة من الجدل في ما يتعلق بالترشيحات لمنصب وزير الخارجية، حيث تعرضت المرشحة البارزة الأخرى لهذا المنصب، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس، إلى انتقادات شديدة من الجمهوريين بسبب التصريحات غير المناسبة التي أدلت بها في أعقاب الهجوم الإرهابي على القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي الليبية.

لم يعلن كيري عن رغبته في تولي المنصب، لكنه يلقى دعما كبيرا من جانب العديد من أعضاء الكونغرس الذين يهاجمون رايس ويرون أنه سيكون الخيار الأفضل. وكان أوباما قد أعلن عن دعمه لرايس ودافع عنها ضد وابل النقد الذي تتعرض له من جانب الحزب الجمهوري. ولو قام أوباما بترشيح رايس لهذا المنصب، فإن ذلك يعني على الأرجح حالة من الجدل الشديد في الجلسات التي تعقدها لجنة العلاقات الخارجية برئاسة جون كيري نفسه.

وقد أشار الجمهوريون إلى أنهم يرحبون بترشيح كيري لأي منصب، مع وجود حالة من شبه الإجماع على ذلك، مما اضطر البيت الأبيض إلى التفكير مليا في العقبات التي قد يواجهها بشأن الترشيحات الجديدة للمناصب الوزارية الجديدة.

وقال زعيم الأقلية بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي يوم الثلاثاء: «لو قاموا بترشيح السيناتور كيري لأي منصب، فسوف نرحب بذلك على نطاق واسع». وقال عدد من أعضاء الكونغرس والمساعدين، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لأنهم يتحدثون عن اختيارات الرئيس، إن العديد من الديمقراطيين يفضلون كيري على رايس في منصب وزير الخارجية. ويعود السبب في ذلك بصورة جزئية إلى أن تداعيات الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي قد تجعل عملية التصويت على ترشيح رايس صعبة للغاية في موسم انتخابات 2014، في حين يخشى آخرون من إنفاق رأس المال السياسي لضمان نجاح رايس في هذا المنصب خلال المحادثات الساخنة لتجنب جمع أكثر من 500 مليار دولار في شكل زيادات ضريبية وتخفيضات في الإنفاق بدءا من شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.

والأهم من ذلك أن كبار الديمقراطيين يعتقدون أن كيري قد استحوذ على إعجاب الجميع من خلال عمله الدؤوب عقب عودته إلى الكونغرس مرة أخرى بعد هزيمته بفارق ضئيل في الانتخابات الرئاسية عام 2004 أمام جورج بوش الابن. وقال السيناتور السابق تيد كوفرمان، وهو ديمقراطي من ولاية ديلاوير وسبق له العمل في لجنة العلاقات الخارجية: «سيكون وزير خارجية عظيما».

من جهته، رفض كيري، الذي لم يوافق على إجراء مقابلة لهذه المقالة، الحديث عن أي تكهنات. وخلال مؤتمر صحافي عقد يوم الاثنين الماضي، قام السيناتور جون ماكين، وهو نائب جمهوري عن ولاية أريزونا وعمل مع كيري في ما يتعلق باتفاقية حقوق المعاقين، بتقديم كيري قائلا «سيدي الوزير». وابتسم كيري وقال إنه كان يقال له «سيدي الرئيس» خلال حملة انتخابات الحزب الجمهوري للرئاسة عام 2008 والتي لم يوفق فيها.

ومن المفارقة أن كيري الذي بات الآن الخيار المفضل بالنسبة للعديد من أعضاء الكونغرس لتولي منصب وزير الخارجية، كان ينظر إليه منذ وصوله للكونغرس لأول مرة عام 1984، على أنه شخص متحفظ وغير ودود، ومن نوعية الأعضاء الذين يقضون معظم وقتهم يفكرون في الحصول على أشياء أكبر.

وبحلول عام 2000، كان كيري ضمن القائمة المختصرة لآل غور للمرشحين لمنصب نائب الرئيس، وفي مطلع عام 2003 تخلى كيري عمليا عن الكونغرس للترشح لمنصب الرئيس. وعندما عاد عقب خسارته في انتخابات الرئاسة عام 2004، ظل يعيش أسيرا لطموحاته في الوصول إلى البيت الأبيض حتى شهر يناير 2007، عندما أعلن أنه سيكرس اهتمامه للكونغرس ولن يخوض الانتخابات الرئاسية مرة أخرى. وقال كيري آنذاك: «حان الوقت لكي أكرس كل طاقتي للعمل كجزء من الأغلبية في مجلس الشيوخ، وأن أبذل أقصى ما في وسعي لإنهاء الحرب في العراق والعمل على تعزيز أمننا».

وعقب فوز أوباما على هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري عام 2008، كان من المفترض أن يتولى كيري منصب وزير الخارجية، قبل أن يعدل أوباما عن رأيه ويتبنى اتجاها يقوم على تكون «فريق عمل من المنافسين» ويعطي المنصب لكلينتون.

وعقب خروج نائب الرئيس جو بايدن من مجلس الشيوخ، تولى كيري رئاسة لجنة العلاقات الخارجية كترضية له وقدم أداء متميزا نال إعجاب زملائه. وقد أشاد كوفمان، وهو المساعد السابق لبايدن والذي خلفه في مجلس الشيوخ، بصبر وقوة تحمل كيري، حيث يجلس ساعات طويلة خلال جلسات الاستماع ويستمع للشهود ويعد كل شيء بدقة شديدة.

وقاد كيري الجهود الرامية إلى عقد اتفاقات تتعلق بالتغير المناخي وما يسمى بمحاولة اللجان الكبرى لعقد صفقة لاحتواء مشكلة الدين الفيدرالي، كما حصل على موافقة لتوقيع معاهدة الأسلحة النووية مع روسيا.

وكانت أفضل لحظاته في العمل الدبلوماسي في خريف عام 2009، عندما كان الرئيس الأفغاني حميد كرزاي يعاني من نتيجة الانتخابات التي لم يحصل خلالها على نسبة الـ50 في المائة اللازمة لدخوله جولة الإعادة، ولذا أرسلت كلينتون كيري إلى العاصمة الأفغانية كابل لإقناع كرزاي بعقد جولة إعادة، ولم يتراجع كرزاي عن موقفه إلا بعد أن أخبره كيري بمشاعر الفشل واليأس التي شعر بها عام 2004 عقب خسارة الانتخابات أمام بوش.

وخلال السنوات الأخيرة، كون كيري تحالفا جديدا مع السيناتور روب بورتمان، وهو نائب جمهوري عن ولاية أوهايو، ويشارك كيري، 68 عاما، في سباق الدرجات اليومي في بعض الأحيان. وعلاوة على ذلك، يجدد كيري صداقته بماكين، الذي كان رفيقه في حرب فيتنام وعمل معه في المعترك السياسي على مدار تاريخ طويل يمتد لنحو 25 عاما.

وقد رفض السيناتور ليندسي غراهام، وهو نائب جمهوري عن ساوث كاليفورنيا، أي إشارة إلى أن الجمهوريين يريدون ترشيح كيري، حتى يمكنهم المنافسة على مقعده في مجلس الشيوخ في الانتخابات الخاصة التي ستعقد خلال الربيع المقبل، والتي سينافس عليها على الأرجح السيناتور سكوت براون، وهو نائب جمهوري عن ولاية ماساتشوستس، والذي خسر محاولة إعادة انتخابه الشهر الماضي. وأضاف غراهام: «أعتقد أن هذا يعد هجوما على السيناتور كيري». وبدأت رحلة صعود كيري في الكونغرس عقب وفاة صديقه إدوارد كيندي، الذي كان سيناتورا عن ولاية ماساتشوستس، ولكن العديد من أعضاء الكونغرس يرون أنه قد تعلم أن يتخلى عن الحلم الرئاسي وأن يسخر كل طاقته للعمل في الكونغرس. والآن، وبسبب تركيزه الكامل في الكونغرس، وجد كيري نفسه الشخص المفضل بالنسبة لزملائه ليترك عمله في الكونغرس ويتولى منصبا أكبر، ولكن يبدو أن كيري لديه تقدير جديد لمجلس الشيوخ أكثر من مجرد كونه منصبا احتياطيا.

وقال كيري خلال المناقشة حول اتفاقية حقوق المعاقين يوم الثلاثاء: «ما نقوم به هنا في مجلس الشيوخ الأميركي لا يعنينا نحن فقط، ولكن يعني كل الناس في جميع أنحاء المعمورة، وربما يجب تذكير بعض الأشخاص هنا بذلك».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»