رئيس البرتغال السابق: من الضروري تجنب دمج الإسلام مع السياسة في كل الأوقات

جورج سامبايو الممثل السامي لتحالف الحضارات بالأمم المتحدة لـ«الشرق الأوسط»: أتمنى ألا تكون المرحلة المقبلة في مصر بداية جديدة للنظام السابق

جورج سامبايو
TT

دعا جورج سامبايو، الممثل السامي لتحالف الحضارات بالأمم المتحدة والرئيس البرتغالي السابق، إلى ضرورة تجنب دمج الإسلام مع السياسة في كل الأوقات، وقال: «لأنك ستصل إلى خلاصة خلطة سيئة جدا تجمع بين ما يأتي من الدين الذي يعتبر ثابتا والأشياء الخاصة بالممارسات اليومية»، موضحا أنه «يجب أن يفهم الناس أن الاعتقاد بأي ديانة كانت، أمر ثابت، لكن السياسة متغيرة حسب عدة عوامل وحسب المصالح أيضا. والسياسي قد يتغير كل ثلاث أو أربع سنوات، لكن الاعتقاد والدين الذي نؤمن به موجود دائما». وأضاف سامبايو لـ«الشرق الأوسط»: «إن من أهم التساؤلات المطروحة على الحكومات الجديدة التي صعدت في بلدان الثورات هي: هل هناك محاكم مستقلة، وهل هناك قوانين مهما اختلفت، وهل لديك حرية اختيار للدين؟ رغم وجود دين رسمي للبلاد، وما دور الأقليات؟».

وحول الأوضاع في البلدان التي صعدت فيها الأنظمة ذات التوجه الإسلامي مثل مصر وتونس، قال سامبايو: «المشكلة الحقيقية أننا نعرف ونتوقع دائما كيف تبدأ الأمور، لكن لا نعرف كيف ستنتهي؟».

«الشرق الأوسط» التقت جورج سامبايو، الممثل السامي لتحالف الحضارات بالأمم المتحدة والرئيس البرتغالي السابق، على هامش مؤتمر في لشبونة حول «دول الفصل العربي.. من التغييرات إلى التحديات»، وكان لنا معه حوار، هذا نصه..

* لاحظنا دعما على عدة مستويات من دول الاتحاد الأوروبي لدول الربيع العربي، هل يعود هذا لقناعة دول الاتحاد بأن هذه الدول تسير نحو الاتجاه الصحيح؟

- نرى أن هذه الدول تحتاج لأن يكون للاتحاد الأوروبي دور فيها، خاصة من ناحية دعم الديمقراطيات، وقد قرر الاتحاد تقوية علاقاته مع الدول التي تشهد مراحل انتقالية بدعم كامل، ونحاول، إلى جانب العمل على الدعم الاقتصادي، أن نقدم فرصة للتعاون حول حقوق الأطفال والمرأة ومحاربة الفساد.

* في مؤتمركم الأخير الذي انتظم في لشبونة بداية هذا الأسبوع والذي امتد على يومين، اخترتم تسمية «الفصل العربي.. من التغييرات إلى التحديات» بدل تسمية «الربيع العربي»، هل ترون أن بلدان الثورات تعيش فصولا غير الربيع؟ وهل فرحة الربيع في بلدان الثورات قد زالت؟

- أنا لا أعتقد أنها كانت التسمية الصحيحة وقتها، لأنها كانت مرحلة ثورة ضد ديكتاتوريات، ولكن الآن - وما دامت هناك حركة انتقالية متواصلة ومع كل ما يحدث - لا يمكن أن نلزم أنفسنا بفصل واحد وهو الربيع. ولا تنس أن لدي تجربة بلادي (البرتغال) التي تطلبت المرحلة الانتقالية فيها على الأقل سنتين بعد الانتخابات الأولى، فلبناء المجلس التأسيسي تطلب ذلك منا سنة، ثم سنة لكتابة مسودة الدستور، وكما سبق أن قلت لأصدقائي في مصر إنه كان عليهم في البداية تحديد القوانين الانتخابية، والمجلس التأسيسي، وتحديد المرحلة الانتقالية، ثم بعدها قوموا بانتخاب حكومتكم، ثم يأتي دور الدستور، وأعود وأذكر أنه بالنسبة لنا في البرتغال تطلبت المرحلة الانتقالية سبع سنوات لتكتمل.

* العالم العربي بعد سنتين من الثورات، كيف ترونه وخاصة بالنسبة للبلدان التي شهدتها؟

- أرى أن هذا العزم والاتجاه نحو مزيد من الحرية والتقدم وحرية التعبير موجود، لكن هناك مشاكل اقتصادية حقيقية في هذه الدول، والدمج بين الحاجة لتغيير البنية التحتية والتغيير الاقتصادي، تحتاج لتغيير آلات العمل الديمقراطي وإيجاد طرق لذلك. والحرية يمكن أن تعبر عن نفسها، لكن الطرق لخلق المؤسسات، وكل هذه الأشياء صعبة جدا، خاصة عندما تأتي من مجتمعات لم تتعود هذا النوع من العمل، ولهذا أنا لست جد متفاجئ بالأوضاع، لأني كنت متيقنا أن التحولات والتغيير دائما عملية صعبة، وهناك نجاحات وإخفاقات، إضافة إلى تعطش الشباب للحصول على فرص العمل وللحرية. ولكن هناك من لا يرغبون في أن يتحقق هذا، ويريدون أن تكون الأمور خاضعة لرقابة أكثر. والمشكل الحقيقي في بلدان الثورات هو وضع الإسلام في المركز، الذي هو حسب رأيي طبيعي، لأن أغلبية العرب هم من المسلمين ويحبذونه، ولا أرى مشكلا في ذلك، ولكن أرى أنه من الضروري تجنب مسألة دمجه مع السياسة في كل الأوقات؛ لأنك ستصل إلى خلاصة خلطة سيئة جدا تجمع بين ما يأتي من الدين وهو ثابت والأشياء الخاصة بالممارسات اليومية.

* في مصر، كانت الحكومة منتخبة، لكن الآن نرى انقساما بين الشعب المصري الذي خرج للشوارع حيث يواجه أنصار مرسي معارضيه، هل تتوقعون ثورة ثانية في مصر؟

- لست متأكدا من التفاصيل، لكن بالضروري أن مثل هذه المراحل تمر بتواجه القطاعات وتضاربها، والنقطة الأساسية أنه يجب الانتباه إلى أن بعض المجالات تحقق إيجابيات على حساب أخرى، وهذا يمكن أن يتغير، وإذا كان الرابحون في الانتخابات سيواصلون كسبها للخمسين سنة المقبلة فهذا بالتأكيد أمر سيئ، وأتمنى أن يتوصل مختلف الأطراف في مصر لتحقيق الحريات الحقيقية؛ حرية النقاش والتعبير والانتخاب، وفي الحقيقة لم أتفاجأ بكسب الإخوان المسلمين للانتخابات الماضية في مصر؛ فقد كانوا تقريبا التنظيم الوحيد الموجود، وما حدث أعتبره طبيعيا. لكن، أتمنى أن يضمنوا تواصل التعددية والسماح بها على الساحة، وما أتمناه بالفعل، وبعد الاستفتاء على الدستور الجديد، ألا تكون المرحلة المقبلة في مصر بداية جديدة للنظام السابق. وأعتقد أن ثورة واحدة كافية، وأن يسمحوا للجميع بالمشاركة في العمل السياسي وبتكافؤ الفرص، والمساواة، وأن يمنح الجميع فرصة.

* العالم العربي مختلف جدا عن الغرب، هل تعتقدون أنه على الدول التي تقوم بوضع دساتيرها في الوقت الحالي الاستفادة من الدساتير الغربية، أم ترتأون أن لكل دولة قياسها الخاص الذي يجب أن يفصل دستورها عليه؟

- وضع الدساتير هو في الغالب عملية داخلية وطريقة للالتزام وتحقيق التطور، وهناك بالطبع معايير دولية، يجب على كل دولة أن تتفهمها وتجعل دساتيرها في إطارها، لذلك أعتقد أن الجمع بين المعايير الدولية وما يتناسب مع الداخل هو الأنسب، ولا أرى في مسألة كتابة الدساتير انقساما بين الغرب والشرق، فتقريبا المعايير موحدة. وهناك مقاييس تخضع لنفس المظلة، أسميها الكرامة الإنسانية.

وكرامة الإنسان تفرض بالتأكيد مجموعة من حقوق الإنسان الأساسية، التي يجب ضمانها. ولكن من أهم التساؤلات التي تطرح: هل هناك محاكم مستقلة، وهل هناك قوانين مهما اختلفت، وهل لديك حرية اختيار دينك؟ رغم وجود دين رسمي للبلاد، وما دور الأقليات؟ والكثير من التساؤلات الأخرى التي أتمنى أن نجد لها إجابات واضحة في الدساتير التي يتم وضعها في بلدان الثورات.

* القلق الآن الذي تعيشه المجتمعات التي تمر بالمرحلة الانتقالية، والمخاوف التي تصلنا أصداؤها من داخل هذه البلدان وخارجها - هي حول أن وصول أحزاب إسلامية للحكم قد يجعلها وحسب آرائهم تتراجع سنوات للوراء، في بعض المسائل الحقوقية، خاصة بالنسبة للثقافة والفن وحرية التعبير أو حرية المرأة، هل تعتبرون أن هذا القلق مبرر؟

- أتمنى ألا يتم هذا بالفعل، وإن وقع التراجع في الحقوق التي ذكرتها، فأرى أن هذا مأساة بالفعل، لأن الناس يطمحون إلى التقدم، ويتمتعون بالوعي الكافي، مما يخول لهم الجمع بين القيم والتقدم، كما أن هذه المجتمعات حققت أشواطا من التقدم في مجال التكنولوجيات الحديثة مثل ما هو الشأن بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فيس بوك»، واستعمال الإنترنت ليتفهموا بعضهم أكثر، وليروا إمكانية بناء مجتمعات أكثر انفتاحا مع احترام قيمهم.

ويجب احترام الأديان، وهذه البلدان تبحث عن التوازن بين الدين والسياسة. ويجب أن يفهم الناس أن الاعتقاد بأي ديانة كانت أمر ثابت، لكن السياسة متغيرة حسب عدة عوامل وحسب المصالح أيضا. والسياسي قد يتغير كل ثلاث أو أربع سنوات، لكن الدين والإله الذي نؤمن به موجود دائما.

* أشرتم في خطابكم في القمة التي عقدت في لشبونة الاثنين والثلاثاء الماضي، إلى أن الإسلاميين الذي وصلوا للحكم في البلدان العربية أتوا بقابلية ومرونة للدخول في اللعبة السياسية والديمقراطية، فقد قبلوا بقواعد الانتخاب وبكل ما تمليه المرحلة الانتقالية، هل يمكن أن تفسروا لنا أسباب هذه المرونة؟

- المشكلة الحقيقية أننا نعرف ونتوقع دائما كيف تبدأ الأمور، لكن لا نعرف كيف ستنتهي.

* الغرب، وأقصد هنا الولايات المتحدة وأوروبا، أبدى دعما كبيرا لهذه الحكومات، يمكن تفسيره لأنها منتخبة وشرعية، فهل هذا بالفعل السبب الحقيقي وراء قبولكم ودعمكم للأحزاب الإسلامية الحاكمة؟

- من المنطقي أن تجد هذه البلدان شركاء تتعامل معها، وهذه أمور استراتيجية ضرورية للحصول على موارد، ومصادر تمويل وحلفاء، وبعد سقوط الديكتاتوريات عليهم إيجاد حلفاء، وأرى أنه يجب إعطاء هذه الدول فرصة لتحديد ما سيقومون به وليس فرض نظرية غربية عامة، وكما قال الكاتب هيبسن (وضع العملية الديمقراطية ليس بالضرورة التغريب». وأنا أرى أنها نظرية صحيحة.

* حسب رأيكم، ما أهم التحديات التي تواجه الحكومات الجديدة في البلدان التي شهدت الثورات؟

- أهم التحديات هي إعطاء الحرية للناس وكيف تحققها، وتحقيق التطور الاقتصادي الذي من دونه يجد التطرف أرضية لغرس جذور عميقة، والسلام، ومحاربة الفقر، والتربية والتعليم. والإعلام، وإذا تم توعية الناس وإعلامهم بالفرص المتاحة لديهم وتفطينهم بما يدور حولهم، فالمجتمع المدني الحديث سيتطور بالتأكيد.

* هذه البلدان تشهد عملية غليان، خاصة مما تعانيه المجتمعات من بطالة وفقر، هل يمكن أن تبني ديمقراطية صلبة على أرض متحركة؟ وهل من الأهم الآن الاهتمام والتركيز على كتابة الدستور الذي لا علاقة له بحياة الناس العادية من توفير الأكل والشرب والحياة الكريمة، أو الابتداء بالإصلاحات الاقتصادية لطمأنة الشارع الذي يمكن أن يفكر بعدها في السياسة؟

- هذا سؤال عميق وأساسي بالفعل، وهذا ما مررنا به في البرتغال سنة 1974، ورغم أننا دولة أوروبية عريقة فإننا وجدنا وقتها أنفسنا مهتمين جدا بالدستور وفصوله، وفي نفس الوقت كنا نمر بأزمة اقتصادية وإضرابات. وهي معضلة بالفعل.

* هل ترون إذن أنه من المفترض البداية بحل مشاكل الناس المعيشية ثم التوجه للدستور؟

- أعتقد أن هناك ضرورة لبناء دستور يحدد عمل البلاد في إطاره، ثم التوجه نحو الاقتصاد، ولكن المعضلة أنه وفي الفترات الانتقالية التي قد تتطلب أحيانا وقتا طويلا لا يمكنك تجاهل المصاعب الاقتصادية، خاصة مع قلق الناس على عائلاتهم وعملهم، وعلى الدولة تحديد الدستور الذي سيحدد عمل البلاد للعشرين أو 25 سنة المقبلة، وفي نفس الوقت عدم ركن الوضع الاقتصادي على الجانب.

* النصيحة التي توجهونها لهذه الحكومات؟

- أنا لا أعتقد أنه يمكنني إعطاء نصائح، لكن ما أقوله لهؤلاء أنه من العادي جدا أنكم ستجدون كل أنواع المطالب، التي من المستحيل إيفاؤها، ويجب إيجاد الخيارات والقيام بمتابعة الأحداث، وأن تعملوا على بناء مؤسسات منفتحة، وخطوة بخطوة يمكن خلق مجتمع متطور، وكونوا واقعيين وبراغماتيين لتجدوا الطريق الصحيح.