بلدة أفغانية تقف ممزقة بين طالبان والقوات الأجنبية

سكان: المسلحون يفجرون والأميركيون يداهمون قرانا.. سنشعر بسعادة إذا غادروا جميعا

امرأة تسير أمام الركام الناجم عن تفجير 23 نوفمبر في ميدان شهر عاصمة إقليم ورداك (واشنطن بوست)
TT

طوال أيام الأسبوع، ما عدا الجمعة، تعج مدرسة القابلات الصغيرة بالنشاط، حيث تقوم الطالبات بالاستماع إلى دقات قلب الجنين وقطع الحبل السري للمواليد. أحيانا ما تقضي الأمهات الجدد ومواليدهن الليل في هذه المدرسة، حيث إنها المركز الوحيد من نوعه في مقاطعة وارداك، التي تتكون من قرى متناثرة تحيط بها الجبال.

وفي وقت مبكر من صباح يوم 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اقتربت شاحنة مكدسة بقطع الخشب من المركز الطبي الذي يقع في العاصمة الإقليمية الصغيرة على بعد 30 ميلا إلى الجنوب من العاصمة الأفغانية كابل. وعندما بادر أحد رجال الشرطة باعتراض الشاحنة، قام سائقها بتفجير قنبلة قوية مخبأة تحت الشحنة التي كان يحملها، مما تسبب في إرسال موجات الصدمة إلى جميع أنحاء البلدة، وأدى إلى تحطيم كل نوافذ المنازل الموجودة في نطاق خمس كتل سكنية تقريبا.

ومن حسن الحظ، يتم إغلاق برنامج القابلات في أيام الجمعة، لذا لم يتسبب انفجار القنبلة في إلحاق الأذى بأي شخص داخله، ولكن تم تدمير جزء كبير من المكتب. وفي أعقاب هذا التفجير، خرج المسؤولون هناك ليؤكدوا أن المدرسة لن يتم إعادة افتتاحها ثانية. تحولت عشرات من المنازل القريبة المبنية بالطوب اللبن إلى أنقاض، وأصيب المئات من الناس سواء جراء سقوط المنازل على رؤوسهم أو تطاير شظايا الزجاج في الهواء. تم نقل سكان القرية المصابين والمذعورين إلى مستشفى المدينة، حيث أدت القنبلة إلى قتل 4 أشخاص، بمن فيهم منفذ العملية، وإصابة 160 آخرين بجراح.

يقول عبد الولي (25 عاما) ويمتلك متجرا للمعدات، الذي كانت واجهته الزجاجية لا تزال مغطاة ببطانية يوم الاثنين الماضي: «لقد اهتزت الأرض من تحتنا وبدأ الجميع في الركض. لا أعرف من هو الشخص الذي يستطيع ارتكاب مثل هذه الجريمة الشنيعة. لا توجد هنا أي قوات أمن على الإطلاق، فكل ما تقوم به قوات الشرطة هو ضرب الناس، بينما يقوم الأميركيون بمداهمة قرانا، لذا ما زلنا لا نشعر بالأمان. سوف نشعر بسعادة غامرة إذا غادروا جميعا في الغد».

وحتى بالنسبة للأشخاص الذين تضرروا بشدة جراء عقد كامل من الحرب الدائرة في البلاد، وجه انفجار الشاحنة الضخمة الملغومة ضربة نفسية قاسمة لهذه العاصمة الإقليمية الصغيرة. فبعد مرور أكثر من أسبوع على وقوع الانفجار، كان كثير من المتاجر لا يزال فارغا، فضلا عن عدم وجود امرأة واحدة خارج المستشفى. بدا التوتر والغضب واضحين للغاية على الناس في المكاتب والمتاجر، ولكن يصعب فهم ما إذا كان هذا الغضب موجها نحو الجناة المجهولين أم السلطات التي فشلت في حمايتهم.

أكد المتحدث باسم طالبان أن جماعته قامت بتنفيذ التفجير انتقاما لإعدام كثير من سجناء طالبان في كابل، ولكن مسؤولي الشرطة هنا لديهم نظرية مغايرة. يؤكد المسؤولون أن قوات الأمن الأفغانية تقوم بتنفيذ حملات مداهمات مكثفة لمكافحة المتمردين في المنطقة، وأن طالبان تريد أن تثبت أنه لا يزال بمقدورها مهاجمة هذه المنطقة التي تتمتع بإجراءات أمنية مشددة، نظرا لوجود مقر الشرطة ودار ضيافة الحاكم، فضلا عن موقع قيادة عسكرية أميركية أفغانية مشتركة إلى جانب مدرسة القابلات.

يقول عبد الرزاق قريشي، نائب قائد شرطة الإقليم، الذي تعرض باب مكتبه للنسف في التفجير: «قام العدو بطعننا من الخلف. لقد قمنا بتطهير 150 قرية خلال الشهر الحالي، لأننا أردنا اختبار قواتنا لمعرفة ما إن كنا سنستطيع هزيمة حركة طالبان بعد انسحاب القوات الأميركية. كانت هذه العمليات ناجحة للغاية، ولكنهم قاموا بهذا الهجوم الجبان ليظهروا أنهم لا يزالون في الصورة».

وقعت وارداك، وهي مقاطعة ريفية يقوم البدو بالتخييم فيها في الصيف، تحت سيطرة قوات طالبان على مدار الأعوام الخمسة الماضية، وذلك نظرا للموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به المقاطعة، حيث تقع على أحد الطرق السريعة الرئيسية، فضلا عن وجود قواعد كبيرة لقوات الشرطة الوطنية والجيش الأميركي على بعد أقل من ميل منها. تشكل مجموعة البشتون العرقية، وهي نفس المجموعة العرقية التي ينتمي إليها حركة طالبان، معظم سكان هذه المقاطعة التي تحول كثير من مزارعيها إلى زراعة نبات الخشخاش المخدر، مما يجعلهم حلفاء طبيعيين للمتمردين.

كانت الهجمات التي تشنها حركة طالبان على مقاطعة وارداك نادرة نسبيا، ولكن في أوائل شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، هز هجومان انتحاريان مدينة سيد آباد، مما تسبب في مقتل 13 شخصا وإصابة 80 آخرين، عندما قام مفجر انتحاري يسير على قدميه وآخر يقود شاحنة وقود بتفجير نفسيهما بالقرب من قاعدة عسكرية أميركية.

على الرغم من الوجود المكثف للمظاهر الأمنية - بما في ذلك الكاميرات العسكرية الأميركية المثبتة في بعض الأماكن وبالونات التجسس التي تطير فوق المدينة - يشتكي السكان المحليون من أن وجود قوات الأمن الأفغانية غير كافٍ على الإطلاق. يؤكد السكان أن الحاكم والمسؤولين المحليين يعيشون في كابل لحماية أنفسهم ويمكثون في مدينة ميدان شهر لبضع ساعات في اليوم على الأكثر، وأنهم يغادروها قبل غروب الشمس. وأكد المتحدث الرسمي باسم الحاكم أن الأخير رفض إجراء مقابلة معنا.

يقول غلام نبي، وهو مدير الجمعية الخيرية الإسكندنافية التي تدير مدرسة القابلات: «لا تتمثل المشكلة في قوة طالبان وإنما في ضعف الحكومة».

ويؤكد غلام نبي أن كثيرا من المسؤولين المدنيين ورجال الشرطة ينتمون إلى مجموعة الطاجيك العرقية التي تنحدر من الشمال، والتي لديها تاريخ من الصراعات مع البشتون، مضيفا: «لو كان حاكم المقاطعة وقائد الشرطة يعيشان هنا بصحبة عائلاتهم، لحرصا على توفير الأمن والسلام والخدمات التي نحتاجها».

أعرب السكان المحليون عن سخطهم الواسع من التصرفات المسيئة التي تقوم بها قوات الشرطة المحلية، بينما قام بضعة أشخاص آخرين بالتأكيد على قيام قوات الشرطة مؤخرا بالتعدي على سائق إحدى الشاحنات بالضرب المبرح. وعلى الرغم من أن أحدا لم يؤكد صراحة تأييده لطالبان، فقد أعرب كثيرون عن شعورهم بالقلق والإحباط من المداهمات التي يتم شنها على القرية من قبل القوات الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية.

وقال اثنان من المسؤولين الغاضبين التابعين لإحدى الوكالات الحكومية، اللذين قدما من كابل لتقييم الأضرار التي سببها الانفجار على المتاجر، إنهما لم يتمكنا من العثور على معظم ملاك هذه المتاجر.

ومن بين العدد القليل من المتاجر التي ما زالت أبوابها مفتوحة في المنطقة، كان هذا المتجر الصغير والأنيق الخاص بملابس وأحذية السيدات، الذي أكد مالكه، وهو شاب يدعى تاج محمد، أنه قضى الليلة البارحة في متجره، على الرغم من البرد الشديد، نظرا لأنه يخشى من الاعتقال. ويقول محمد، الذي أنفق للتو 400 دولار لاستبدال نافذة متجره: «ليس لدينا أي مكان لنذهب إليه، فنحن نواجه كثيرا من الصعوبات مع الحكومة والأميركيين وحركة طالبان». بدا محمد مرعوبا للغاية من التفجير الأخير، الذي وصفه بالريح العاصفة التي أدت إلى انهيار السقف على رأسه. ظهرت على محمد كثير من المشاعر عندما وصف القوات الأخرى، مثل قوات حلف الأطلسي، بأنها حولت الحياة العادية التي كان الناس يحيونها في بلدته إلى الإساءة والخوف والشعور بعدم اليقين.

ويضيف محمد: «نحن حتى لا نشعر بآدميتنا. أدرك جيدا أن معاناتنا ستزداد كثيرا عند انسحاب القوات الأميركية، ولكننا سئمنا منهم أيضا. نحن لا نتوقع كثيرا من طالبان سوى التفجيرات، ولكن من المفترض أن يقوم الأميركيون باحترام القوانين والمبادئ، حيث إن ما لدينا هنا هو مجرد فوضى».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»