الخوف يحول «مصر الجديدة» لثكنة عسكرية

سكان الحي لـ «الشرق الأوسط»: الرعب يحاصرنا.. ونخشى من حرب أهلية

TT

قبل عدة أشهر كانت سيارات الإسعاف تحتفظ بقدر من اللياقة والهدوء ولا تستخدم آلة التنبيه حينما تمر في شوارع وميادين حي مصر الجديدة الراقي (شرق القاهرة) لإسعاف مريض، لكن منذ الأربعاء الماضي خرجت سيارات الإسعاف عن لياقتها وتضاعفت أعدادها بعد الأحداث الدامية التي شهدها محيط قصر «الاتحادية الرئاسي» ولا تزال قائمة بين مؤيدي الرئيس محمد مرسي ومعارضيه، مخلفة سبعة قتلى ومئات الجرحى، وأصابت سكان الحي الراقي بحالة غير مسبوقة من الهلع والخوف، خاصة هؤلاء الساكنين بالمنطقة المحيطة.

دينا مجدي (24 سنة)، تسكن في شارع الخليفة المأمون، المجاور لقصر الرئاسة خاصة هؤلاء الساكنين بالمنطقة المحيطة بالقصر الرئاسي، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «على مدار اليومين الماضيين وأنا أعيش في حالة رعب حقيقي من النزول إلى الشارع، فلا أستطيع أن أمحو من ذاكرتي صوت الصراخ الذي سمعته من سيدات وأطفال بجوار منزلي أثناء هروبهم من هجوم البلطجية عليهم بالأسلحة مساء الأربعاء الماضي، واختباء بعضهم بمدخل العقار الذي أسكن به، ومحاولة البعض الآخر الاختباء خلف الأشجار والسيارات، فما حدث لا يمكن وصفه سوى أنها حرب أهلية بكل المقاييس».

وتابعت مجدي: «أشعر بقهر كبير لعدم استطاعتي المشاركة بمظاهرات مليونية اليوم (أمس)، فلم يعد لدي شجاعة للنزول بعد ما رأيته، وأصبح صوت سيارة الإسعاف هو الصوت المعتاد بالنسبة لي».

وبصوت غلب عليه الارتباك والإعياء، روى شريف أمجد (26 سنة) لـ«الشرق الأوسط» ما حدث له يوم الأربعاء أثناء عودته إلى منزله بمنطقة روكسي فقال: «كنت عائدا بسيارتي من عملي بمنطقة العباسية إلى منزلي بمنطقة روكسي، وعندما مررت بمنطقة نادي هليوبوليس فوجئت بأشخاص يقومون بإلقاء زجاجات المولوتوف على سيارتي، ودخلت أحدها من زجاج السيارة فتسببت في اشتعالها، فما كان مني إلا أن فتحت باب السيارة المشتعلة وأسرعت بالهرب منها، ولكني ما إن خرجت منها إلا وجدت هجوما على بالعصي من ثلاثة أشخاص، وقاموا بضربي بعنف أدهشني ثم تركوني على أحد الأرصفة إلى أن قام أحد الأشخاص بنقلي لأحد المستشفيات القريبة وتم إسعافي مما بي من كدمات». ويتابع أمجد: «ما أدهشني أنني لم أفعل شيئا ولم أشارك بالمظاهرات، بل كنت عائدا من عملي، ولدي خوف من الذهاب إلى عملي مرة أخرى حتى تنتهي المظاهرات والاشتباكات، فشوارع مصر الجديدة أصبحت في حال يرثى له».

ويعتبر حي مصر الجديدة أحد أرقى أحياء القاهرة، وقد أسسه البلجيكي البارون إمبان، ويوجد به قصره الشهير «قصر البارون»، وهو واجهة القاهرة من الجهة الشرقية وأحد مداخل العاصمة المضيئة، وأول ما يستقبل القادمين من أنحاء العالم لوجود مطار القاهرة الدولي على مقربة منه، ويتميز بالمباني الضخمة والفخمة وبارتفاع مستوى سكانه ثقافيا واجتماعيا.

وإلى جانب عراقة الحي، فإنه يمتلك تاريخا ثوريا عظيما، حيث يعتبر نقطة انطلاق ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، حيث اتفق الضباط الأحرار على أن يكون مركز نشوب الثورة في منطقة ثكنات الجيش من نهاية شارع العباسية إلى حي مصر الجديدة، وقام يوسف صديق، قائد ثاني الكتيبة 13 بالتحرك بقواته، في الساعة الحادية عشرة من ليلة 23 يوليو، والسيطرة على مجلس قيادة القوات المسلحة في كوبري القبة، واعتقال كل من قابلهم في الطريق من رتبة قائمقام فما فوق كما كانت تقضي الخطة ومراكز القيادة بالعباسية، ليشهد الحي بذلك أول بوادر نجاح ثورة 1952.

ولكن الحي تحول في الأيام الماضية إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، حيث قامت قوات الحرس الجمهوري أول من أمس ببناء جدار عازل تعلوه أسلاك شائكة بعرض شارع الميرغني، المؤدي إلى القصر الرئاسي، في حين احتشد عدد من رجال الأمن المركزي والحرس الجمهوري بالشوارع الجانبية المؤدية إلى القصر، حيث وجدت مدرعتان ودبابتان.

وبعد أن كانت هذه المنطقة من أكثر المناطق ازدحاما بالمارة، وبعد أن كانت الأنوار بها لا تهدأ إلا مع تباشير الصباح، أصبحت جميع الأنوار بالمنطقة خافته للغاية، وسارع كثير من أصحاب المحال التجارية في شوارع إبراهيم اللقاني وبغداد والأهرام والميرغني والثورة، المحيطة بالقصر الرئاسي، بإغلاق أبوابها تحسبًا لأي اشتباكات أخرى قد تحدث بين مؤيدي ومعارضي الرئيس، في مشهد قال سكان المنطقة عنه إنه يعيد إلى أذهانهم فترة حظر التجول أثناء ثورة 25 يناير 2011.