حظوظ زعيم مناهض لأوروبا ترتفع كالسهم في بريطانيا

حزبه بات يزاحم على المكانة الثالثة بين الأحزاب البريطانية

نايجل فرج
TT

نادرا ما تجري مناقشات حية قوية داخل الغرفة البرلمانية شبه الخاوية للاتحاد الأوروبي، على الأقل إلى أن اعتلى نايجل فرج، قائد أسرع الأحزاب السياسية نموا في بريطانيا والذي يوجه انتقادات حادة للاتحاد الأوروبي، المنصة لإبداء معارضته.

لا تميل الغالبية العظمى من أعضاء البرلمان الأوروبي البالغ عددهم 754 عضوا، وهي تتعامل مع سيل القوانين واللوائح التي تفرضها أوروبا عليهم، إلى الاستفسار عن سبب سنها.. فالأجور والحوافز سخية بالنسبة لهؤلاء الذين تم انتخابهم لفترة خمسة أعوام في انتخابات نسبة المشاركة فيها منخفضة في دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين. وتعتبر المهمة - توسيع نطاق انتشار النظام الفيدرالي الأوروبي - مشتركة بالنسبة لغالبيتهم.

لكن بالنسبة لفرج، الذي شن حملة على مدار 20 عاما لحمل بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، أصبحت استراسبورغ هي الساحة المثالية لنشر رسالته المعادية للاتحاد الأوروبي من خلال تسليط الضوء على الإجراءات البيروقراطية السخيفة للاتحاد واتجاهاته المبذرة، وكذلك عن طريق التهكم على أبرز اثنين من مؤيدي قيام دولة أوروبية عظمى، وهما رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو، ورئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي.

وقال فرج، بينما كان غريمه المستهدف فان رومبوي، يجلس مرتبكا في مقعده في مواجهته: «أقول إنك ستكون من يطيح بديمقراطية الدولة القومية. بالتأكيد، بأسلوبك السخيف التكنوقراطي، سرت على نهجك المعتاد».

تمزج خطاباته بين التوقيت المثالي لممثل كوميديا حية (أخبر فرج فان رومبوي في إحدى المرات بأنه يتمتع بسمات شخصية تافهة كئيبة ومظهر موظف مصرفي) مع طابع شعبوي يقول نقاد إنه يقترب من أسلوب الدهماء، وقد أصبحوا يحظون بشهرة على موقع «يوتيوب». الآن، أصبح «حزب استقلال المملكة المتحدة» الذي ينتمي إليه على وشك أن يحل محل «حزب الليبراليين الديمقراطيين» كثالث أكبر حزب سياسي بعد حزبي المحافظين والعمال. وكل تلك الأحزاب تمارس مزيدا من الضغوط على رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، الذي قوضت المشاعر المتزايدة المعادية للاتحاد الأوروبي داخل حزب المحافظين الذي ينتمي إليه وفي البلاد عموما قدرته على التفاوض بشكل فعال في بروكسل.

«جميعنا يروج لمنتج».. هكذا تحدث فرج، الذي عمل كتاجر سلع قبل تحوله إلى مجال السياسة. احتسى رشفة من كوب شراب كان يمسك به أثناء مقابلة في وقت الغداء هذا الخريف في غرفة الطعام بالبرلمان هنا في استراسبورغ. وواصل حديثه قائلا: «لكن لم يعمل أي من هؤلاء الرفاق في القطاع التجاري، حيث يكون عليهم الترويج لسلعة ما. إنهم أشخاص بشعون، ولم يجتز أي منهم اختبار فرج: هل أوظفهم أو تكون لدي الرغبة في احتساء مشروب معهم؟».

في أثناء شرب فرج نخبا مع باروسو أو فان رومبوي، تظهر على وجهه ابتسامة خفيفة تظهر الآثار المتبقية من تدخين السجائر على أسنانه. وبحلته الأنيقة وأزرار أكمام قميصه وحبه لتناول الغداء مع النبيذ، يمكن أن يجسد فرج صورة كاريكاتيرية لخبير مالي طاعن في السن من العاصمة لندن – نوع صاخب نراه بشكل متكرر في الحانات في الضواحي الثرية، يتحدث بحدة عن الكريكيت وآخر أخبار الإجراءات البيروقراطية البشعة في بروكسل.

ولكن مثلما يلاحظ الساسة في أوروبا وبريطانيا اليوم، فإن صيحة الحشد «المعادية للتكنوقراطيين» من جانب فرج – الفجة النابعة من قناعة حقيقية – ليس من السهل تجاهلها، لا سيما عندما نجد مسؤولين من صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي يستغلون سلطاتهم في اليونان والبرتغال وآيرلندا، وكذلك عندما يكون مفوض أوروبي سابق هو رئيس وزراء إيطاليا، وأيضا في ظل كفاح ساسة يفتقرون للكفاءة في فرنسا وإسبانيا وبريطانيا للتواصل مع الناخبين القلقين من إجراءات التقشف.

وقال فرج وهو يمسك بعدد لا حصر له من سجائر الروثمان التي يدخنها خلال اليوم: «ما لم أفهمه هو التعصب الواضح وراء المشروع، ليس ثمة شيء يمكن أن يوقف هؤلاء الرفاق، لكن ما أغفلوه تماما هو صعود سياسات الهوية».

وهذا، على حد قوله، يمكن أن يتجلى في صورة حزب الاستقلال الذي يتبعه. أو، على حد قوله، قد يفضي إلى «أشخاص يائسين يقومون بأفعال يائسة»، مثل نزعة الوطنية المبالغ فيها لحزب «الفجر الذهبي» الفاشي الجديد في اليونان، الذي قد أثار سيلا من مشاعر الغضب ضد المهاجرين وأدى لتدهور الاقتصاد.

ليس ثمة شك في صعود حزب الاستقلال في بريطانيا تحت قيادة فرج. في انتخابات عام 2009 للبرلمان الأوروبي، احتل حزب الاستقلال المرتبة الثانية بعد حزب المحافظين، بحصوله على نسبة 16 في المائة من الأصوات، ويتوقع كثيرون أن يأتي في المرتبة الأولى في عدد الأصوات في عام 2014. في الانتخابات البريطانية، يعتبر نصيب حزب الاستقلال من الأصوات أقل، بسبب تركيزه المحدود على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقد حصد نسبة 3 في المائة فقط من الأصوات في عام 2010، وهي نسبة لا تكفي للفوز بمقعد في البرلمان. وعلى الرغم من ذلك، فإنه في استطلاعات رأي أجريت مؤخرا، تبين أن درجة دعم الحزب قد زادت بشكل سريع، مما وضعه على قدم المساواة مع شريك الائتلاف الأكثر إضمارا لمشاعر الحقد في الحكومة، حزب الليبراليين الديمقراطيين.

بالنسبة لكاميرون، الذي يتعرض لهجوم في الوقت الراهن من جانب الجناح المشكك في الاتحاد الأوروبي من حزبه المحافظ، والذي يمارس ضغوطا شديدة عليه من أجل تقليل حجم ما تدفعه الدولة للاتحاد الأوروبي كل عام، يبدو الاتجاه مزعجا. في الشهر الماضي، طالب مسؤول بارز في حزب المحافظين بعقد صفقة انتخابية مع حزب الاستقلال قبل الانتخابات المقبلة المقررة في عام 2015، مقابل استفتاء حول بقاء بريطانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي.

تجمع فرج، 48 عاما، وكاميرون، الذي يصغره بعامين، أصول مشتركة.. فكلاهما ابن لسمسار أوراق مالية، ونشآ في قرى مزدهرة في معقل حزب المحافظين في إنجلترا، حيث ثمة نزعة شك متأصلة تجاه بروكسل. ولكن كما اختلفت مساراتهم الأخيرة، تباينت بالمثل آراؤهم تجاه أوروبا.. فقد ذهب كاميرون إلى إيتون وأكسفورد، ثم انضم إلى حزب المحافظين، حيث ارتقى إلى درجة رفيعة بوصفه مصلحا هادئا، متعهدا بوقف معارك الحزب بشأن أوروبا التي أنهت مسيرة الحياة السياسية لرئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر وجاءت كارثة لحزب المحافظين من خلال صعود حزب العمال في الفترة من 1997 إلى 2010. ترك فرج دراسته الجامعية مفضلا العمل كمتداول في العاصمة لندن في عام 1982، وبعد مرور عشرة أعوام، ثارت ثائرته بعدما لاحظ سحب الجنيه الإسترليني من نظام أسعار الصرف الثابتة الذي فرضته أوروبا، الأمر الذي أنذر بظهور اليورو. وخلص إلى أن التخلي عن أي سلطة أخرى لبروكسل، في ما يتعلق بالسياسة النقدية أو أي مجال آخر، سيكون بمثابة حماقة تامة.

الآن، في ظل صعود فرج وكفاح كاميرون من أجل الحفاظ على وحدة حزبه، برز إلى السطح مجددا تساؤل حول حجم المكاسب التي ستعود على بريطانيا من عضويتها في الاتحاد الأوروبي. في العام الماضي، دفعت بريطانيا مبلغا صافيا قيمته 16 مليار دولار للاتحاد الأوروبي. لكن بحسب دراسة أخيرة أجراها الخبير الاقتصادي تيم كونغدون، وهو عضو في حزب الاستقلال، إذا تم تضمين تكلفة القوانين والأموال المهدرة والموارد المساء توزيعها، ترتفع قيمة صافي التكلفة السنوية لتصل إلى 238 مليار دولار سنويا، أو قرابة 10 في المائة من الناتج الاقتصادي لبريطانيا. ربما يتمثل أكثر الأمثلة الفاضحة على هذا التبذير في الموقع الذي أتت شهرة فرج منه، وهو البرلمان الأوروبي.. فنظرا لأن معظم العمل التشريعي يتم في بروكسل، يستخدم المبنى لمدة ثلاثة أيام فقط كل شهر. وتشير تقديرات المحللين إلى أنه يكبد دافعي الضرائب نحو 250 مليون دولار سنويا كتكاليف لنقل أعضاء البرلمان البالغ عددهم 754 عضوا وآلاف من أفراد فريق عمل الدعم وأعضاء جماعات الضغط إلى هذه المدينة الفرنسية كل شهر.

يشعل فرج سيجارة أخرى ويهز رأسه.. يقول وهو يتنهد: «أرغب فقط في أن يقرأ أحفادي يوما ما أنني قمت بواجبي في حماية بلدي من هذه الحماقة الكبرى».

* خدمة «نيويورك تايمز»