خادم الحرمين: السعودية حذرت دوما من الفتن لما تسببه من شق صف المسلمين وتكفيرهم واستثارة المشاعر الطائفية

في كلمته في افتتاح دورة المجمع الفقهي بمكة المكرمة ألقاها نيابة عنه الأمير خالد الفيصل

TT

دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، جميع علماء الأمة إلى التعامل مع هذه المتغيرات، وتقديم الحلول الشرعية لأمتهم بما لا يعارض الثوابت الإسلامية منطلقين من مرونة هذا الدين القيم ووسطيته التي حققت هذا التوازن الفريد بين الثابت والمتغير في المجتمع المسلم، مشددا على أن الإسلام كان قادرا عبر التاريخ - ولا يزال - على استيعاب كل المتغيرات الطارئة على حياة المسلمين، وهذا من فضل الله على أمة الإسلام.

وأكد الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمته التي ألقاها نيابة عنه الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، الذي افتتح نيابة عنه أمس الدورة 21 للمجمع الفقهي في مقر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، أن بلاده حذرت من الفتن التي تعصف حاليا بالعالم الإسلامي، وأنها نبهت إلى أنها في غاية الخطورة، لما تسببه من شق صف المسلمين وتكفيرهم واستثارة مشاعرهم الطائفية بل وإحداث الصدام بينهم واستباحة دمائهم. وفيما يلي نص الكلمة:

«الحمد لله أن هدانا لهذا الدين القويم... والصلاة والسلام على رسوله الكريم المبعوث هداية ورحمة للعالمين.. أصحاب السماحة والفضيلة.. أصحاب المعالي والسعادة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أرحب بكم في هذا البلد الأمين سائلا المولى جل وعلا أن يعينكم ويوفقكم لإنجاز مهمتكم وأداء أمانتكم في هذه الدورة الهامة والمهمة لمجمعكم الموقر؛ حيث تجتمعون على أمور جليلة وقضايا ملحة، وحيث تنشد الأمة الإسلامية منكم القول الفصل لحكم الإسلام فيما جد من مسائل وقضايا تتعلق بحياة المسلمين».

والإسلام كما هو معروف كان قادرا عبر التاريخ «ولا يزال» على استيعاب كل المتغيرات الطارئة على حياة المسلمين لأنه من فضل الله على أمة الإسلام، أن قيض لكل زمن نخبة من العلماء والفقهاء الراسخين في العالم أمثالكم، أحسنوا التعامل دوما مع هذه المتغيرات، وقدموا لها الحلول الشرعية بما لا يعارض الثوابت الإسلامية منطلقين من مرونة هذا الدين القيم ووسطيته التي حققت هذا التوازن الفريد بين الثابت والمتغير في المجتمع المسلم، مؤكدين على أن هذا الدين العظيم كما أراده الخالق جل وعلا صالح لكل زمان ومكان وأنه دين تقدم وتطور وتنافس على امتلاك أسباب القوة لحماية الدين والأمة.

الحفل الكريم: وحيث تشهد بعض بلادنا الإسلامية في الوقت الحاضر عدة متغيرات سياسية وثقافية في حال من ضبابية الرؤية وقراءة النوايا والهجمة الشرسة للنيل من أمتنا وتعرض العامة وجرأتهم على الفتيا مما يخشى معه من تأثير بعض هذه المتغيرات على ثوابتنا الإسلامية وأصبحت الحاجة ملحة لتأطير الثابت وتأصيله لذا جاءت الدعوة لعقد مؤتمر «المجتمع المسلم.. الثوابت والمتغيرات» الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في شهر ذي الحجة الفائت لترشيد مسيرة الأمة وتوجيه شبابها خاصة، إلى كيفية الاستفادة من المعطيات الحضارية للعلوم والثقافات تحت مظلة الحفاظ على ثوابت الإسلام على غرار هذا النموذج الحي الذي لا تخطئه العين المنصفة في المملكة العربية السعودية ولله الحمد والمنة.

الإخوة الكرام: إن الفتن هي من أخطر التحديات التي عادت اليوم للظهور مواكبة للمستجدات العالمية وأعظمها خطرا فتنة التكفير وفتنة الدعوات الطائفية والتصدي لهذه الفتن ودحرها هو التحدي الأكبر الذي يواجه مهمتكم الجليلة في هذا المؤتمر وأنتم له أهل وكفء بتوفيق الله وبما خصكم من علم رصين.

وقد حذرت المملكة العربية السعودية «ولا تزال» من هذه الفتن ونبهت إلى أنها في غاية الخطورة لما تسببه من شق صف المسلمين وتكفيرهم واستثارة مشاعرهم الطائفية بل وإحداث الصدام بينهم واستباحة دمائهم وليس أخطر على جسد الأمة الواحد من هذه الفتن التي برأ الله ورسوله من أهلها محذرا من خطورتها «إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون».

الإخوة الأفاضل: وفي إطار مواصلة المملكة العربية السعودية لدأبها على رأب الصدع وجمع الشمل الإسلامي وإشاعة ثقافة التضامن بين المسلمين جاءت الدعوة بعقد مؤتمر حول التضامن الإسلامي تنظمه رابطة العالم الإسلامي يعالج الفرقة بين المسلمين ويتصدى للدعوات الطائفية وإني أبتهل الفرصة لأدعوكم معاشر العلماء والفقهاء الأفاضل لمشاركتي في هذا المؤتمر وإثرائه بعلمكم الراسخ تفعيلا للتعاون الواجب بين علماء الأمة من أجل تحقيق تضامن المسلمين ووحدة صفهم.

أشكر جمعكم المبارك وأدعو الله العلي القدير أن يوفقكم ويسدد خطاكم لما فيه الخير والمنعة للإسلام والمسلمين، كما أشكر رابطة العالم الإسلامي وسماحة رئيس مجلسها الأعلى ومعالي أمينها العام على ما تبذله من جهود في التعاون بين المنظمات الإسلامية وما تنجزه من برامج وفعاليات تؤكد وحدة المسلمين وتنشر مبادئ الإسلام الصحيحة بين الناس. وصلى الله وبارك على نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وشهد حفل الافتتاح الذي حضره الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء رئيس المجلس الأعلى للرابطة وأعضاء المجمع وعدد من الخبراء المتخصصين في موضوعات الدورة عدة كلمات؛ حيث عد الدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي في كلمته رعاية خادم الحرمين الشريفين لأعمال دورة المجمع شاهدا من شواهد الدعم المادي والأدبي المستمر والمتجدد للهيئات الإسلامية ومجامعها، ولدور العلم ومعاهده خدمة العلم والعلماء ورعاية شؤون المسلمين.

وقال: «من المؤسف أننا في هذا الزمان نعايش لوثة فكرية مؤلمة من فئات تريد أن تتسلق ولو على حساب تنكرهم للعقيدة السليمة ومحاولة زعزعتها والتشكيك فيها بين فئات المجتمع، فأخذوا يقولون وينشرون مقالات تحمل كفرا صريحا، وهذا من أخطر التحديات التي تواجه المجتمع المسلم».

وبين الدكتور البقمي أن المجمع نظم فيما سبق 20 دورة من دوراته صدر عنها أكثر من 120 قرارا وبيانا، ترجمت إلى عدد من اللغات الأجنبية، كما عقد عددا من المؤتمرات والندوات، وأوضح أن جدول أعمال هذه الدورة يحفل بموضوعات متعددة منها ما له علاقة بالعبادات والأموال، ومنها قضايا طبية واجتماعية وفلكية. بينما ألقى وزير الشؤون الدينية التونسي الدكتور نور الدين الخادمي كلمة الضيوف، معبرا عن مدى إعجاب المشاركين في هذه الدورة بكل الجهود المتميزة وتمام الحفاوة وكرم الضيافة وجمال الإعداد والتنظيم.

بينما ألقى الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي كلمة أكد خلالها أن المجمع أولى في هذه الدورة اهتماما بالأسرة المسلمة، لإبراز مكانتها، والتنويه بعظم المسؤولية في الحفاظ عليها، وحمايتها من أخطار التحديات المحدقة بها، قال: «إن شمول الشريعة الإسلامية للأزمنة والأمكنة والأحوال التي تتعاقب على الناس يستلزم أن يكون لها حكم في كل أمر يطرأ على حياتهم يستنبطه أولو العلم بثاقب نظرهم، وسعة معرفتهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفق ما قرره الأصوليون من قواعد لتفسير نصوصهما والقياس عليها».

من جانبه ألقى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام السعودية رئيس مجلس المجمع الفقهي، أكد فيها حرص رابطة العالم الإسلامي على حل جميع المشاكل التي تعترض المسلمين سواء ما يتعلق بالعبادات أو بالمعاملات أو بالأحوال الشخصية أو الجنايات أو المعاملات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الطبية فهي تحرص كل الحرص على دراسة هذه القضايا وإبرازها ونشرها بين المسلمين ليستفيد الجميع منها.

وبين أن الرابطة تستكتب عددا من العلماء المختصين في الشريعة الإسلامية ليقدموا بحوثا مؤصلة حول كل قضية؛ حيث تدرس هذه القضايا في جلسات وتناقش هذه المسائل ثم يتم اتخاذ القرار المناسب لذلك وهذا فضل من الله عظيم؛ حيث إن الرأي الجماعي أفضل من الرأي الواحد.

وشدد على أن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة والنقص ليس فيها وإنما النقص والعيب في فهم البشر، فهي كاملة في كل أحكامها وتشريعاتها، داعيا أهل العلم إلى إبراز هذه الحقيقة وأن يوضحوا للملأ أن هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان وقادرة على حل كل مشكلة فما نازلة ولا قضية إلا وفي الشريعة الإسلامية حل لها، ولكن تحتاج إلى بحث ودراسة وتعمق في ذلك.