«جبهة النصرة» تستقطب الجهاديين.. وجهات من المعارضة تحمل المجتمع الدولي «تفريخ» مثل هذه الجماعات

فستق لـ«الشرق الأوسط»: منشؤها سوري ولم تتبنَّها «القاعدة»

TT

بعيد إعلان المعارضة السورية سيطرتها على حي صلاح الدين في حلب، خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، أفاد ناشطون عن بدء بروز كتائب جهادية في حلب، كان يمكن التعرف إليها بسهولة من زيها ولحاها وراياتها.. وبعد أربعة أيام، أفاد ناشطون عن وجود شعارات جبهة النصرة مطبوعة على جدران حي صلاح الدين في المدينة، لتتواتر أسئلة وصفت بـ«المشروعة»: هل جبهة النصرة هي صنيعة مخابرات النظام، أم أن وجودها في سوريا حقيقي؟

هذا السؤال، تحصره تحذيرات وزارة الخارجية الأميركية الأخيرة من أن وجود جبهة النصرة في بلاد الشام «يشكل مصدر قلق بالنسبة إلينا»، باحتمال واحد يؤكد وجودها. التصريح الأميركي بدء يرسّخ قناعة بأن المجموعات الجهادية في سوريا، قائمة فعلا، لكن «المبالغة في حجمها، وتصوير دورها، يعزز ادعاءات النظام بأن الثورة بدأ يحكمها الجهاديون»، على ما تؤكد مصادر بارزة في المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط».. بينما تذهب مصادر معارضة أخرى إلى تحميل المجتمع الدولي «تفريخ هذه المجموعات في سوريا»، عازية السبب إلى «توفير حماية للنظام من خلال حجب السلاح النوعي عن المعارضة السورية».

ويفتح تنديد وزارة الخارجية الأميركية بالمجموعات الجهادية التي تقاتل في سوريا خصوصا «جبهة النصرة»، باب النقاش حول هوية تلك المجموعات ودورها وموقعها من الثورة السورية، خصوصا في ظل تأكيد مارك تونر مساعد المتحدث باسم الخارجية الأميركية بأن تلك المجموعات تشكل «مصدر قلق لها»، كونها «تسعى إلى الاستفادة من الوضع الراهن». لكن إشارته إلى حجم تلك المجموعات، بوصفها «لا تشكل إلا جزءا صغيرا من المعارضة السورية، لكنها تحاول على الرغم من ذلك تحقيق مكاسب من الوضع الذي أوجده الرئيس بشار الأسد»، يتقاطع ما تحاول المعارضة على الدوام إثباته بأنها «مجموعات صغيرة، لا تشكل عماد الثورة السورية المقاتلة، على الرغم من إيحاء النظام بأنها الفاعلة على الأرض».

وخرجت «جبهة النصرة في بلاد الشام» إلى الضوء في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، مع الإعلان عن تشكيلها في فيديو خاص بث على الإنترنت. ودعت في بيانها الأول، الذي أصدرته في 24 يناير (كانون الثاني) الماضي، السوريين للجهاد وحمل السلاح في وجه النظام السوري، وأعلنت عن تشكيل «كتائب أحرار الشام». ثم ما لبث اسمها أن بدأ بالتداول بعد تبنيها عدد من التفجيرات بينها تفجيرات وقعت في العاصمة دمشق في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين، بينها منشآت أمنية في دمشق، منها عملية فرع الأمن الجوي وإدارة الأمن الجنائي في العاصمة.

رغم ذلك، بقيت جبهة النصرة منظمة غير معروفة على وجه الدقة، وإن كانت المعلومات المتاحة حولها تقول إنها تنتمي إلى السلفية الجهادية، وتم تشكيلها أواخر سنة 2011 خلال أحداث سوريا، وقد تبنت عدة هجمات في حلب ودمشق. ويعتقد كثيرون بوجود علاقة بين هذه المجموعة السنيّة ذات الطابع الجهادي وبين تنظيم القاعدة، مستدلين في ذلك إلى إعلانها في شريط الفيديو الأول الذي بثته أن بين أعضائها «جهاديين سوريين عادوا من جبهات قتالية أخرى»، وما تلاها من الإعلان عن جهاديين قتلوا في سوريا، وينتمون إلى بلاد الشيشان والقوقاز، وبعض الدول العربية مثل ليبيا واليمن.

التقارير الغربية الأولى التي تحدثت عن الجهاديين، و«جبهة النصرة» على وجه الخصوص، تستند إلى وجود هؤلاء على الحدود التركية السورية في المناطق المحررة في ريف حلب. وتشير التقارير إلى «تجمّع السلفيين، بلحاهم الطويلة وجلابيبهم بشكل لافت للنظر، وقد جاءوا لتقديم المساعدة للثوار السوريين».

ومنذ صعود هذه الجبهة، أثيرت شكوك بين الإسلاميين حول هوية الجماعة، وبقيت مجهولة عن الجماعات الأصولية، إلى أن نشر «مركز الفجر الجهادي» بياناتها، وهو واحد من المصادر المعتمدة الموثوقة لدى المجموعات الجهادية.

لكن الخبير بالحركات الإسلامية الداعية عمر بكري فستق، ينفي وجود تنظيم القاعدة في بلاد الشام، ويؤكد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «المتعاطفين مع فكر القاعدة ونهج التنظيم كثيرون في بلاد الشام». وعليه، «جبهة النصرة لا علاقة لها بتنظيم القاعدة الذي لم يتبنّ أي جبهة جهادية في بلاد الشام».

تصريحات فستق، التي تخالف التأكيدات الأميركية والتقارير الغربية، يوضحها بشرحه عن نشأة جبهة النصرة في سوريا. يقول: «نشأة جبهة النصرة سورية محضة، وقد أبلى مقاتلوها بلاء حسنا في قتال النظام، لكنها لا تملك رؤية فكرية ومنهج عملي متكامل لإقامة إمارة إسلامية، مثل حزب التحرير أو تنظيم القاعدة». ويضيف: «عند انطلاقتها، أثار المحللون أسئلة عن خلفيتها وتأسيسها، وكانت هناك شكوك عما إذا كانت صنيعة المخابرات السورية.. وبعد هذه المرحلة، وإثر إعلان مسؤوليتها عن عمليات نوعية استهدفت النظام، انتقل الإسلاميون للقتال في صفوفها، ثم خاضت معارك سنية - سنية إلى أن نظفت صفوفها من الدخلاء أو المشكوك بأمرهم بأنهم مزروعون من النظام».

في هذه الأيام، أصبحت الجبهة، بحسب فستق، محل ثقة الجهاديين الذين «يزكّونها كتنظيم مقاتل له حيثيته، كما تزكيها معظم الحركات الإسلامية في العالم، باستثناء تنظيم القاعدة، لكنه لم يطعن في عملها وشرعيتها». ويضيف: «زالت الشبهات عن جبهة النصرة، بشهادة الكثيرين من الملتحقين بها، وقد توسعت بحكم انضمام الكثير من الشباب المسلم في العالم الإسلامي إليها للقتال ضد النظام السوري، وبدأت أعمالها تنتشر في أوساط الإسلاميين في العالم».

وفي حين يؤكد خبراء في تقارير غربية أن عدد مقاتلي جبهة النصرة في حلب وحدها، وصل إلى 6 آلاف مقاتل، يشير فستق إلى أن العدد غير واضح بالنسبة إليهم، مؤكدا في الوقت نفسه أن مقاتلي جبهة النصرة «يعدون بالآلاف، وينتشرون على مساحة المحافظات السورية»، من غير أن يستبعد أي رقم يُحصى بالآلاف. ويشرح: «عندما اكتسبت عمليات الجبهة ثقة المجاهدين، توسعت، وأصبحت مرجعا لكثير من الحركات الجهادية، وهو ما يميزها عن سائر الحركات الإسلامية الجهادية المقاتلة في سوريا».

وإذ يشير إلى أنها «لا تخرج عما هو عليه الجيش السوري الحر الذي ينادي بالحرية والعدالة وتغيير النظام»، يؤكد أن «جبهة النصرة اتخذت طابعا خاصا لعملها، حيث لا تنسق مع أحد». أما الجهاديون الوافدون إليها، فيلفت فستق إلى أنهم «يدخلون إلى سوريا للانضمام إلى كتائب الجيش السوري الحر، قبل أن يتحولوا إلى مقاتلين تحت راية جبهة النصرة»، وهو ما «ساهم في زيادة عدد الجبهة وتحولها إلى الجهة الأكثر فعالية بين الإسلاميين».

في المقابل، لا تنفي مصادر الجيش السوري الحر وجود مقاتلين إسلاميين «لا يحصون بأعداد كبيرة». وتحمل المصادر في اتصال مع «الشرق الأوسط»، تقاعس المجتمع الدولي المسؤولية. وتضيف: «السوريون يتهمون المجتمع الدولي بالتقاعس عن القيام بواجباته لحماية الثورة السورية، والذي يدفع إلى ظهور تيارات راديكالية وإيجاد مرتع خصب لظهورها، من خلال اعتكافه عن دعم الجيش السوري الحر بالأسلحة التي تجعله قادرا على حسم المعركة».

وعلى الرغم من قلة المعلومات عن جبهة النصرة، كون رجالها «يرفضون التحدث إلى الصحافيين وإلى المواطنين السوريين»، فإن الصفحات الجهادية على موقع «فيس بوك» تتناقل مقابلة مع أبي فاطمة الحلبي، أحد أعضاء الجبهة حول فلسفة الجماعة ورؤيتها لما يجري في سوريا، نقلا عن موقع «الجزيرة نت» الإلكتروني.

ويعرّف الحلبي عن الجبهة بأنها «راية توحيد حملها رجال علموا وجوب الذود عن الإسلام والمسلمين وضرورة نصرة المستضعفين.. فكانوا هم أقرب للشعب السوري». ويوضح: «لسنا كما تصوّرنا بعض الجهات الإعلامية التي سخّرت طاقاتها لتشويه صورتنا بأننا ضد النقاش والحوار وأننا غير منفتحين على الآخر»، مؤكدا «إننا نقبل الآخر ونتحاور معه ونتغاضى عن بعض الأخطاء بغية التوافق والوصول إلى المصلحة العامة».

ويعد الحلبي «غير المسلمين أن يكون تعاملنا معهم بما يرضي الله سبحانه وتعالى وفق تعاليم الشريعة الإسلامية وخصوصا الذين لم يرفعوا السلاح في وجه المسلمين ولم يعملوا على تقوية النظام»، مشددا على رفضه غير النظام الإسلامي نظاما للحكم في سوريا.