استعدادات للقتال في آخر جبهات الحرب ضد الإرهاب في مالي

المتفائلون يأملون تكرار تجربة الصومال والمترددون ينتقدون ضعف الخطط وقلة الموارد

TT

بدأت معالم الحرب المقبلة ضد الإرهاب تتضح في هذا البلد الواقع في غرب أفريقيا؛ حيث تعد الدول الأفريقية، مدعومة من الولايات المتحدة وفرنسا، قوة لاستعادة السيطرة على شمال مالي من قبضة المتطرفين المرتبطين بالقاعدة ومنع للجهاديين من إقامة ملاذ آخر لهم في القارة.

لكن قدرة التدخل العسكري على نزع فتيل أزمة بهذا القدر من التعقيد لا يزال موضع شكوك، فالحكومة الانتقالية في مالي، التي شكلت عقب الانقلاب العسكري في مارس (آذار) الماضي، ضعيفة وتفتقر إلى الشرعية، بينما يعاني جيشها الذي يفتقر إلى التسليح الكافي حالة من الفوضى.

أضف إلى ذلك الخلاف القائم بين القوى الأفريقية والغربية بالفعل بشأن توقيت وأهداف الضربة العسكرية، إذ لم يتضح بعد ما إذا كانت القوات الإقليمية الأفريقية تملك القوة اللازمة لهزيمة المقاتلين المسلحين في المنطقة الصحراوية الواسعة دون مساعدة برية من الجيوش الغربية.

وصرح جوني كارسون، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية هذا الأسبوع أن «المؤسسة العسكرية تقترح حملة بقيادة أفريقية، غير أن هناك عددا من الأسئلة المهمة التي ينبغي الإجابة عنها للتأكد من تمتع هذه الجهود بالخطط والموارد اللازمة».

بيد أنه وبعد شهور من التردد، تزايدت رغبة التدخل العسكري بين القوى الغربية وقوى المنطقة إثر تشديد الأصوليين الإسلاميين ومقاتلي القاعدة قبضتهم على الشمال. ويعتقد محللون ومسؤولون في الأمم المتحدة أن أي ضربة عسكرية لن تبدأ فعليا قبل شهور، لكن الولايات المتحدة وفرنسا تلعبان دورا دبلوماسيا نشطا في تشجيع الدول الأفريقية على أخذ زمام المبادرة - نموذج استخدم قبل فترة قريبة في الصومال؛ حيث كان الإسلاميون يسيطرون على مناطق واسعة من البلاد. وقد وافقت «مجموعة دول غرب أفريقيا (الإيكواس)، على تشكيل قوة من 3.300 جندي للتدخل في شمال مالي».

كان الآلاف من المواطنين الماليين قد فروا إلى العاصمة باماكو هربا من حكم المتشددين الإسلاميين الوحشي ويرى الكثير منهم العمل العسكري السبيل الوحيد لتحرير الشمال. ويقول عزيز مايغا، 27 عاما، وهو مطرب شعبي فر مؤخرا من الشمال: «التدخل العسكري هو الحل الوحيد، فالمفاوضات مع الإسلاميين لن تجدي».

تزايدت كثافة الدوري الأميركي في أفريقيا بعد إعلان المسؤولين الأميركيين عن تورط «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» في اعتداء سبتمبر (أيلول) على القنصلية الأميركية في ليبيا الذي قتل فيه السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين، وتعد القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي واحدة من ثلاث مجموعات رئيسية تسيطر على شمال مالي في الوقت الراهن.

وفي مقابلة هاتفية، انتقد قائد بارز لأحد التيارات المتشددة في شمال مالي، الولايات المتحدة، وأشار إلى أن الأميركيين يعادون الإسلام وأن إعصار ساندي كان عقابا من الله. وقال عمر ولد حماها، القائد العسكري لـ«حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا»: «إذا أرسلت الدول الغربية بقواتها فنحن مستعدون لخوض القتال ضدهم. وإذا لم يحضروا هنا، فسوف نهاجمهم يوما ما. وإن لم نتمكن من القيام بهذا في الوقت الراهن فسوف يهاجم أبناؤنا والجيل المقبل الغرب».

تعد هذه المستعمرة الفرنسية السابقة غير الساحلية، التي يقع القاسم الأكبر منها في الصحراء الكبرى، واحدة من أفقر البلاد في العالم على الرغم من وفرة الموارد الطبيعية بها مثل الذهب واليورانيوم. وكان تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، قبل استيلائه على شمال مالي، يمول عملياته عبر اختطاف غربيين وإدارة شبكات مخدرات إلى أوروبا وشبكات إجرامية أخرى.

وفي مارس (آذار) وحدت المجموعة والحركات الإسلامية الأخرى قوتها مع قوات حركة الطوارق الانفصالية العلمانية، التي أثار غضبها عقود التهميش والإهمال السياسي من قبل الحكومة المركزية. واجتاحت هذه القوات الشمال مستفيدة من الفراغ الأمني الذي أعقب الانقلاب العسكري في العاصمة. ثم انتزع الإسلاميون السلطة من متمردي الطوارق، وفرضوا الشريعة على السكان السنة المعتدلين وبدأوا في تنفيذ الجلد العلني وبتر الأعضاء وعقوبات السجن.

في بادئ الأمر، سيطرت مجموعتان من المتطرفين، هما «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و«أنصار الدين» التي تضم على الأغلب متشددين من مالي وترتبط بالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، لكن بحلول سبتمبر (أيلول) انشقت جماعة التوحيد والجهاد التي انفصلت عن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتسيطر على منطقة واسعة. وعلى الرغم من الاختلافات، لا تزال المجموعات مترابطة إلى حد ما، وقد التحق بهذه المجموعات مقاتلين من جماعة بوكو حرام، الجماعة المتطرفة في نيجيريا، بحسب الأمم المتحدة ومسؤولين عسكريين أفارقة وماليين.

وقد تحدث الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مؤخرا عن تقارير استخبارية أفادت بانضمام بعض الفرنسيين المسلمين إلى جهاديين وإمكانية ارتكابهم أعمالا إرهابية لدى عودتهم إلى فرنسا. وتبدي دول جوار مالي قلقا من تدفق الإسلاميين الراديكاليين عبر حدودهم. ويقول سادو ديالو، عمدة غاو السابق الذي فر إلى باماكو: «قتلوا الكثير من جنودنا وأبنائنا. ومارسوا انتهاكات ضد أخواتنا، ودمروا خمسين عاما في التنمية في الشمال».

ويرى كثيرون أن التدخل العسكري الذي جرى في الصومال يمكن تنفيذه في مالي. فعندما استولت حركة الشباب المرتبطة بالقاعدة على مناطق واسعة من الصومال وفرضت الشريعة، قامت دول جوار الصومال، بدعم من الولايات المتحدة والأمم المتحدة بطرد المقاتلين من معاقلهم الحصينة.

يتوقع أن تشارك فرنسا في مهمة مالي بتوفير التدريب للقوات الأفريقية وتزويدهم بطائرات وأدوات اتصال ومعلومات استخبارية، بحسب تقارير نشرت في باريس. كما يتوقع أن تزود الولايات المتحدة القوات بأجهزة جمع الاستخبارات ونقل القوات الأفريقية وتقدم المساعدات اللوجيستية الأخرى.

لكن السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة سوزان رايس، حثت الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن خلال مشاورات مغلقة يوم الأربعاء على تأييد إجراء انتخابات مبكرة في مالي، مشيرة إلى أن القانون الأميركي يمنع الولايات المتحدة من تقديم مساعدات عسكرية مباشرة إلى مالي لأن الرئيس المنتخب ديمقراطيا تم إقصاؤه في مارس إثر انقلاب عسكري. وعبرت رايس في الوقت ذاته عن شكوكها بشأن قدرة قوات غرب أفريقيا على التفوق على المقاتلين الشماليين.

كما عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن قلق مماثل. وكتب بان في تقريره إلى مجلس الأمن: «ربما تكون العملية العسكرية مطلوبة كملاذ أخير للتعامل مع العناصر الأكثر تشددا والعناصر الإجرامية في الشمال. لكن قبل الوصول إلى هذه المرحلة، يجب التركيز على حوار سياسي شامل يهدف إلى تشكيل إجماع وطني، وعلاج المظالم التي عانت منها المجتمعات في الشمال».

وقال مسؤول عسكري مالي بارز إنهم أجروا اتصالات مباشرة مع نظرائهم العسكريين الأميركيين الذين أكدوا لهم على الدعم الأميركي حتى وإن لم تجر الانتخابات. وقال العقيد ساليف تراوري، المسؤول العسكري المالي: «يرى المسؤولون الأميركيون أنهم مستعدون لدعمنا، وسوف يجدون وسائل غير مباشرة في مساعدة قوات مجموعة دول غرب أفريقيا».

لكن ماثيو غويدر، الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية في شمال أفريقيا، قال إن القوة الأفريقية التي سيبلغ قوامها 3.300 جندي لا يتوقع أن تكون كافية. فمساحة شمال مالي تزيد على 300.000 ميل مربع من الصحراء القاحلة، علاوة على ذلك هناك ما بين 10.000 إلى 15.000 من الإسلاميين المسلحين المدججين بالسلاح.

نشر الجنود الأفارقة السود، الكثير منهم من غير المسلمين، في منطقة يسكنها العرب والطوارق، الكثير منهم من المسلمين الأصوليين، قد يواجه بانتقادات واسعة. وأي غزو سيبدو أشبه بحرب عرقية ودينية لاستعادة السلطة من قبل القيادة التي يغلب عليها أصحاب العرقية السوداء في باماكو، بحسب غويدر. وعلى عكس الصومال، التي دعمت فيها دول الجوار العمل العسكري، تبدي دول جوار مالي قلقا من مثل هذه المهمات؛ حيث تتصارع نيجيريا، قوة عسكرية إقليمية، مع تهديدات جماعة بوكو حرام المتطرفة على أراضيها، بينما تخشى الجزائر إمكانية أن تؤدي الضربة العسكرية إلى عودة المقاتلين من شمال مالي إلى الجزائر، حيث حارب الكثير من قادة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الحكومة في التسعينات.

وفي أعقاب زيارات وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، ومسؤولين فرنسيين الأخيرة إلى الجزائر، أظهرت الحكومة الجزائرية استعدادا للتدخل العسكري. وتبدي الجزائر، كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة والدول الأوروبية، رغبة في أن يركز أي عمل عسكري على تدمير المقاتلين وقدراتهم.

وقد عبر القادة العسكريون في مالي عن ثقتهم في قدرتهم على قيادة هذه الجهود، حال تلقيهم مساعدات عسكرية خاصة من الولايات المتحدة وطائراتها من دون طيار المسلحة. وقال الكولونيل، عمر داو، المسؤول عن العمليات العسكرية في الجيش: «حتى وإن كان تحت أمرتي 1.000 جندي، فسوف أتمكن من حل المشكلة بمساعدات جوية كبيرة. فقد كانت الطائرات من دون طيار فاعلة في الصومال، وانظروا إلى ما حدث لحركة الشباب». وبحسب سكان ومسؤولين يستعد الإسلاميون لخوض حرب عصابات، فأنشأت الجماعة معسكرات للتدريب في مناطق مثل مطار غاو، بحسب دياو، عمدة المدينة الأسبق، الذي قال: «إذا لم يتحرك المجتمع الدولي سريعا، فستكون هناك صعوبة كبيرة في استعادة السيطرة على الشمال».

* شارك في إعداد التقرير كودي من باريس وكولم لينش من نيويورك

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»