مستشارون ومقربون من مرسي: الرئيس يعتمد أكثر على الإخوان ولا يثق بحكومته

رهانه على أن الماكينة السياسية الإخوانية ستتغلب بسهولة على المعارضة

إطار يحمل صورة مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا يبدو على أحد الكراسي بعد أن اقتحم المحتجون ضد مرسي مقر «الإخوان» الرئيسي ودمروا محتوياته أمس (رويترز)
TT

في مواجهة أخطر أزمة يتعرض لها الرئيس المصري محمد مرسي منذ اعتلائه سدة الحكم، بدأ الرجل في اللجوء أكثر من أي وقت مضى إلى حلفائه الإسلاميين في جماعة الإخوان المسلمين، مراهنا على سطوتهم السياسية من أجل تحقيق نصر حاسم في الاستفتاء الوشيك على الدستور المصري في صورته النهائية. ومع ارتفاع هتافات عشرات الآلاف من المطالبين بإسقاطه أو حتى سجنه في رابع يوم من الاحتجاجات التي اندلعت خارج القصر الرئاسي، اعترف مستشارو مرسي وقياديو جماعة الإخوان يوم الجمعة الماضي بأن الرجل بعيد عن قاعدته الأساسية من المؤيدين الإسلاميين يشعر بتزايد عزلته في الساحة السياسية، بل وحتى داخل حكومته نفسها.

وقال مصدر مقرب من الرئيس رفض الإفصاح عن هويته لتناوله مداولات داخلية إن جماعة الإخوان «هي ما يمكنه الاعتماد عليه». ويبدو أن مرسي يصدق أنه في مقدوره هو والجماعة كسب قاعدة تصويتية قوية لصالح مسودة الدستور خلال الاستفتاء المزمع إجراؤه الأسبوع المقبل، على أن تكون هذه القاعدة قوية بما يكفي لإضعاف الثقة في المعارضة، والسماح له بأن يبدأ بداية جديدة وأن يستعيد بعضا من سلطته. وفي ظل الصعوبات التي يواجهها مرسي في إخماد موجة الاحتجاجات والعنف، بدا أنه يقدم تنازلا جديدا لخصومه يوم الجمعة الماضي من خلال فتح الباب أمام احتمال تأجيل الاستفتاء على مسودة الدستور، الذي تحدد بتاريخ 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بل واحتمال إجراء تعديلات عليه من جانب الجمعية التأسيسية للدستور التي يهيمن عليها الإسلاميون. غير أن زعماء المعارضة لم يعيروه أي آذان مصغية، مكررين مطالبهم بضرورة البدء في عملية تغيير شاملة داخل الجمعية نفسها. وصرح محمد البرادعي، الدبلوماسي السابق في الأمم المتحدة ومنسق جبهة الإنقاذ المعارضة، يوم الجمعة الماضي في رد تلفزيوني: «عليه أن يتخذ هذه الخطوات، وأرجو أن يستمع إلينا».

إلا أن مستشاري مرسي أكدوا أن لديه أملا ضئيلا في التوصل إلى حل وسط، وأنه ينوي الاستمرار في حشد أنصاره من الإسلاميين، وهي استراتيجية كشف عنها في أوضح صورة أثناء كلمة تلفزيونية وجهها إلى الأمة ليلة الخميس الماضي، فعند الحديث عن الصدامات التي وقعت بين مؤيديه الإسلاميين وخصومهم وسقط فيها 6 قتلى على الأقل، امتنع مرسي تقريبا عن ذكر ما من شأنه توحيد الصفوف، وهو أمر كان يمكنه تحقيقه عن طريق إبداء التعاطف بدرجة متساوية مع من جرحوا أو قتلوا من كلا الجانبين، إلا أنه بدلا من ذلك تطرق إلى هذه الموضوعات بنبرة تميل في جلها إلى أنصاره الإسلاميين، زاعما أن مؤيديه خارج القصر تعرضوا لهجوم من قبل بلطجية مندسين يتلقون «أموالا سوداء» في مؤامرة من الموالين للرئيس المخلوع حسني مبارك، وأن المصالح الأجنبية مصممة على إفشال الثورة، وذكر أيضا أن بعض المتهمين لهم «صلات مباشرة» بالمعارضة السياسية، داعيا المصريين إلى «الوقوف في وجه هذه الجرائم المشينة».

ويمثل اتكال مرسي على قاعدة الإسلاميين المؤيدين له رهانا على أن الآلة السياسية الإخوانية سوف تتمكن بسهولة من التغلب على المعارضة العلمانية، حتى بعد استعادتها لطاقتها وحيويتها. ويؤكد مستشاروه أن الوصول إلى دستور حتى وإن كان غير مثالي سوف يثبت التزامه بالديمقراطية وسيادة القانون ويعيد إليه مصداقيته، إلا أنه يسهم أيضا في تغذية حالة الاستقطاب التي تكبل السياسة المصرية حاليا وتصيبها بالشلل، مما يهدد بوصم كل من الدستور ومرسي بأنهما متحيزان بالكامل لحزب معين، وكذلك الانتخابات البرلمانية القادمة، التي من المقرر أن تتم في شهر فبراير (شباط) المقبل إذا ما تم تمرير الدستور. وقال قيادي كبير داخل جماعة الإخوان يوم الجمعة الماضي، لكنه طلب عدم ذكر اسمه لمناقشة أمور داخلية: «لا أظن أنه سيكون لدينا نفس القدر من الثقة، وأظن أن أعدادنا سوف تتأثر في الغالب».

ويقول بعض من هم على علم بمشوار مرسي كأحد القيادات السياسية داخل جماعة الإخوان إن شخصيته أيضا ربما تكون عاملا من العوامل، إذ يوضح شادي حميد، وهو مدير الأبحاث لدى «مركز بروكنغز الدوحة» ومراقب عن كثب لجماعة الإخوان: «إن مرسي شخص عنيد، حيث لم يعرف عنه أنه يتجاوب بشكل جيد مع من يختلف معهم». غير أن مستشاري مرسي يقولون إنه أيضا يعتمد بصورة لافتة للنظر على جماعة الإخوان، التي تعتبر القوة السياسية الأكثر تنظيما في مصر، ويعود ذلك في جزء منه إلى أنه لا يثق في حكومته نفسها، التي ظلت في معظمها كما هي عقب رحيل مبارك. وقد أعلنت القوات المسلحة أنها لن تنحاز إلى أي من الجانبين، وظل جنرالات الجيش يرفضون الإذعان لسلطته حتى 3 أشهر مضت، وأصروا على ضمان استمرار استقلالية القوات المسلحة في ظل الدستور القادم.

وأثناء تأهب المحتجين على الدستور الجديد للزحف في مسيرات نحو القصر الرئاسي يوم الأربعاء الماضي، رأى مرسي أنه أيضا لا يمكنه الاعتماد على وزارة الداخلية في الدفاع عن القصر، حيث سبق لها أن فشلت في حماية أكثر من 12 مقرا من مقرات الإخوان ضد الهجمات التي تعرضت لها على مدار الأسبوعين الماضيين، وذلك بحسب ما ذكره مستشاروه، وخلص إلى أن كبار مسؤوليها قد يفضلون التنحي جانبا بدلا من اتخاذ إجراءات ربما تعود عليهم بردة فعل عكسية. وقال القيادي الإخواني: «لقد دعا شباب جماعة الإخوان المسلمين إلى تكوين درع بشرية وحماية الرئاسة لأنه لا يستطيع الوثوق في الدولة. إنه معزول».

وقد أدى هذا القرار إلى تلك الليلة التي شهدت قتالا عنيفا في الشوارع والتي لم تؤد إلا إلى زيادة الانقسام السياسي. وفي اليوم التالي، قام مرسي باستدعاء دبابات الحرس الجمهوري، وهي وحدة خاصة تحت سلطته المباشرة. ويقول مستشاروه إنه مقتنع بأن معارضيه في الجمعية التأسيسية لديهم نوايا خبيثة من التفاوض حول أحكام الدستور الموضوع، حيث يبدون موافقتهم على اعتماد حلول وسط، ثم لا يلبثون أن ينسحبوا في الدقيقة الأخيرة. والآن يقول قياديو الإخوان وبعض المحللين إنه لا يوجد أي حل وسط يرضيهم.

* خدمة «نيويورك تايمز» ، فقد ذكر عصام العريان، وهو قيادي إخواني كبير كان ضمن تشكيل تأسيسية الدستور: «إن الجدل لا يدور حول محتوى النص. الجدل الحقيقي هو: هل سيكون لدينا دستور أم لا؟ إنهم خائفون من الديمقراطية».

غير أن عشرات الآلاف من مناوئي مرسي احتشدوا خارج قصر الرئاسة يوم الجمعة الماضي لليلة الرابعة على التوالي، وقال الكثيرون منهم إنهم هم أيضا لا يرغبون في التوصل إلى حل وسط لأن مرسي فقد كل مصداقيته. وهتف المتظاهرون: «سوف نعيدك إلى السجن»، في إشارة إلى الأشهر التي قضاها مرسي داخل السجن في عهد مبارك بسبب دوره كقيادي إخواني، غير أن الهتاف الأكثر تكرارا لم يكن عن الدستور، بل كان دعوة إلى «إسقاط النظام».