بعد مقهى ريش.. «كوستا» يجد طريقه إلى القاموس السياسي المصري

أصبح تجمعا للناشطين.. وارتبط اسمه بتجمع سلفي وآخر علماني

TT

على بعد خطوات معدودة من قصر الاتحادية بضاحية مصر الجديدة، ربما لم يجد عدد من الناشطين والسياسيين وكثير من الصحافيين الأجانب غير أحد فروع مقهى «كوستا كافيه» القريب من قصر الرئاسة ملاذا لانتظار وصول المسيرات وبدء المظاهرات التي نظمتها المعارضة المصرية أول من أمس لرفض الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وأعطى لنفسه فيه صلاحيات كبيرة وحصّن قراراته من إمكانية مراجعتها من قبل القضاء المصري.

وفي ميدان التحرير قلب المظاهرات تجد المقهى الذي يبدو أنه يصر بقوة على أن يدخل اسمه الغربي في قواميس السياسة المصرية، وفي مواجهة الجامعة الأميركية وبشارع محمد محمود يحتل المقهى موقعا بدا استراتيجيا في قلب الأحداث، ويستدعي هذا المقهى ربما ذكريات مقاهي مصر مع المثقفين والسياسيين خاصة مقهى «ريش» الذي تأسس عام 1908م بوسط القاهرة وكان في ذلك الوقت أكبر تجمع للمثقفين والسياسيين في المنطقة العربية.

ومنذ ثورة يناير قبل الماضي اشتهر «كوستا»، الذي يحمل اسم المقهى الأميركي الشهير وله فروع عدة في مختلف الأماكن الهامة والراقية بالعاصمة المصرية، برواده من السياسيين والنشطاء وأساتذة العلوم السياسية إضافة إلى أبناء الطبقات الراقية، ولعب على أوتار السياسة فاستغل عدد من الشباب السلفي في مصر اسم المقهى وشهرته في محاولة تحسين صورة التيار السلفي وتصحيح بعض الأفكار والمخاوف التي راودت المصريين بعد بروز هذا التيار بقوة على الساحة قبل عامين.

وعلى شاكلة «سلفيو كوستا»، تشكلت مجموعة «علمانيو كوستا» لمواجهة الأفكار الخاطئة التي بدأ بعض الدعاة ترويجها عن العلمانية وربطها بازدراء الأديان، وبين الاثنين بدا أن المقهى بات يحتل رقما في المعادلة السياسية في البلاد ولم يكتف فقط بأن يجلس على مقاعده الوثيرة مثقفون وسياسيون بارزون يتحدثون في شأن الوطن، ولكن أصبح اسمه ماركه مسجلة للدعاية والدعاية المضادة لكل فصيل سياسي.

وعلى الرغم مما يقدمه المقهى من خدمات فإنه يعيد وبقوة ثنائية «الصفوة» و«الحرافيش».. فبينما جلس الصحافيون والناشطون على مقاعدهم الوثيرة أول من أمس ووسط أجواء مكيفة تخللتها مقاطع الموسيقى الهادئة كان عدد آخر من المتظاهرين يجلسون على رصيف الترام القريب من محيط المظاهرات المواجهة لمبنى المقهى الفاخر وفضلوا احتساء الشاي والمشروبات الأقل سعرا من «نصبات» الباعة الجائلين ليعيدوا ربما هذه الثنائية التي ذكرها أديب نوبل الذي اعتاد الجلوس على مقهى «ريش» قديما.

ويسير «كوستا» بخطى حثيثة على درب «ريش» الذي احتضن الكتاب والمفكرين والأدباء والفنانين، وأصبح مقرا يجتمع فيه دعاة الثورة والمهمومون بشؤون الوطن، ومقرا لانطلاق ثورة الأدباء في 1972، احتجاجا على اغتيال الروائي الفلسطيني غسان كنفاني. اليوم يبدو «كوستا» حاضرا في مظاهرات القاهرة جميعا لكنه ربما اكتفى هذه المرة باستضافة الأغنياء القادرين على الدفع تحت وطأة التدخلات الرأسمالية والتي أجبرته على إبعاد البسطاء من الثوار والمتظاهرين عن ساحته الفخمة.