محللون يستبعدون أن تتجاوز الأزمة بين بغداد وأربيل الحرب الكلامية

الورقة القومية أصبحت سيد الموقف.. والمواجهة تأتي بمكاسب للمالكي وبارزاني

عنصر في قوات البيشمركة الكردية يتابع من فوق عربة مدرعة الوضع قرب كركوك (رويترز)
TT

على بعد مئات الكيلومترات من بغداد تتواجه الدبابات عبر خط أمامي لا تعرفه حدود دولية، بل خصومة عرقية تذكيها دماء سفكت في الماضي، وثروة نفطية مستقبلية تهدد بتمزيق أوصال العراق.

يرفرف علم كردستان الذي يزينه قرص الشمس فوق أبراج المدرعات التي ترجع إلى الحقبة السوفياتية والتي تم الاستيلاء عليها منذ عشر سنوات من جيش الرئيس الأسبق صدام حسين، وتوجه فوهات مدافعها الآن إلى قوات الحكومة الاتحادية التي لا يمكن رؤيتها وراء الحدود الرسمية لمنطقة كردستان شبه المستقلة، حسب تقرير لوكالة «رويترز».

وعلى مدى ثلاثة أسابيع عزز أفراد قوات البيشمركة الكردية وجنود جيش بغداد مواقعهم في «الأراضي المتنازع عليها»، وهي جزء مستطيل من الأرض لم يتم ترسيمه بوضوح من شمال العراق غني بالنفط ويتسم بالتعقيدات العرقية، حيث تتنافس على السيطرة الحكومة الاتحادية والزعماء الأكراد الذين يتخذون من أربيل مقرا لهم.

ورغم لجوء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني لإظهار المشاعر الوطنية والتحذيرات من الحرب، فإن قلة تعتقد أن أيا منهما سيجازف بنشوب صراع شامل نتيجته غير مضمونة سيعطل اقتصادا مزدهرا في كردستان، إلى جانب صادرات النفط التي تدر على بغداد عائدات كبيرة. بل إن الزعيمين يحققان مكاسب من هذا، فهذه هي ثاني موجة من التراشق منذ انسحاب القوات الأميركية من العراق تعزز قاعدة كل منهما بين العرب والأكراد من أجل الانتخابات القادمة.

وتحدث المالكي الأسبوع الماضي عن «مخاطر لا تحمد عقباها»، فيما دفعت القوات الكردية بمزيد من الدبابات وقطع المدفعية بالقرب من مدينة كركوك الغنية بالنفط. وقال «أنا لا أريد أن يتفجر الصراع لأنه إن تفجر هذه المرة فسيكون صراعا مؤلما مؤسفا.. صراعا قوميا»، محذرا من «أبعاد خطيرة».

ويرصد ساسة ودبلوماسيون ومحللون عزوفا من الجانبين عن تجاوز المناوشات اللفظية أو وقف التحويلات النقدية أو غلق خطوط أنابيب النفط. وقال مدرس العلوم السياسية في جامعة اكستر غاريث ستانسفيلد، مستشار الأمم المتحدة السابق، بشأن هذا النزاع «لا ترغب بغداد وأربيل في ما يبدو في تفاقم هذه المسألة». وفي الوقت نفسه لا يتعجل الجانبان الانسحاب.

وقال دبلوماسي «من المؤكد أن هناك شعورا بأن هذا قد لا يتسبب في اندلاع حرب صريحة، وإنما سيؤدي إلى بؤر ساخنة في كل مكان». وأردف قائلا «ستكون عملية مطولة على الأرجح، لأنه لا توجد رغبة ملحة في تسوية المسألة». وقال ستانسفيلد «كل حلقة من هذا النوع تؤدي إلى تدهور العلاقات بين أربيل وبارزاني والمالكي أكثر، وهو بالطبع ما سيمثل مشكلة في المستقبل».

وبعد مرور عشر سنوات على الغزو الأميركي الذي أطاح بصدام باسم الديمقراطية، تظهر المواجهة فشل العراق في الوصول إلى توافق بين الأغلبية الشيعية التي ينتمي لها المالكي والعرب السنة الذين كانوا مهيمنين في عهد الرئيس العراقي الراحل والأكراد الذين يمثلون نحو 15 في المائة من السكان ويتركزون في الجبال الشمالية.

ودارت معظم أعمال العنف خلال الصراع الطائفي بين العرب، وكان المالكي يتمتع بدعم الأكراد الذين لم يطالبوا بدولة مستقلة لإدراكهم مدى عزلة منطقتهم التي لا تطل على بحار أو أنهار إلى جانب عداء الدول المجاورة القلقة من الأقليات الكردية الموجودة بها.

لكن توسع كردستان العراق خارج الحدود المنصوص عليها في دستور عام 2005 والعقود الكردية الجديدة لبيع النفط لمؤسسات أجنبية دون الرجوع إلى بغداد قد يدفعان العرب المنقسمين بالعراق إلى توحيد صفوفهم، وربما يساعد اتحادهم في جسر هوة الخلافات بين الحركات الكردية المتنافسة.

وقال عضو شيعي بالبرلمان العراقي كان هو نفسه متحالفا مع السنة في وقت سابق عندما وصف توحيدا للقوى بين العرب مستقبلا «الورقة الطائفية لم تعد فعالة بعد الآن، والورقة القومية هي الجوكر الآن». وحسب زعيم عشائري سني في محافظة صلاح الدين التي تضم طوزخورماتو وأيضا تكريت مسقط رأس صدام، فإن ضباطا سابقين بالجيش يعرفهم لم يرفعوا صور الرئيس الراحل الذي أعدم شنقا من على جدرانهم مؤخرا فحسب، بل علقوا صور المالكي. ولم يكن هذا ليخطر ببال العرب السنة الذين اعتبروا رئيس الوزراء لفترة طويلة أداة لإيران. ويوحي هذا بالكثير عن النظرة الجديدة للخطر الكردي.

من جانبه وعلى الرغم من أنه يسعى إلى إلقاء القبض على طارق الهاشمي، النائب السني الهارب للرئيس، في ما يتصل بهجمات طائفية، فإن المالكي يتودد لحلفاء سنة بعد أن قابل بعض النواب الأكراد الذين ساعدوا في استمراره في الحكم عقب انتخابات 2010 بعد أن أيدوا اقتراحا في البرلمان لإقالته. وربما تظهر انتخابات المجالس المحلية التي تجري في العام الجديد بعض المؤشرات على الشركاء المحتملين قبل انتخابات البرلمان التي تجري في مارس (آذار) 2014. وقال أحد حلفاء رئيس الوزراء «المالكي ينتظر حليفا سنيا قويا للحصول على أغلبية برلمانية ليتمكن بعدها من تشكيل حكومة الأغلبية في المرة القادمة».

وبالنسبة للأكراد كانت خطوة المالكي لتشكيل هيكل قيادة جديد لقوات الأمن القومي يعرف باسم قيادة عمليات دجلة مخالفة للدستور، وتكشف حملة من بغداد لإحباط آمالهم في ضم كركوك ومناطق أخرى، حيث يعملون منذ عام 2003 على توسيع وجودهم العسكري والسياسي. واتهم الأكراد رئيس مركز القيادة الجديد بضلوعه في حملات الإبادة التي شنها صدام على الأكراد في الثمانيات، وهو اتهام ينفيه. واصطف زعماء الأكراد معا في مواجهة المالكي بعد نشوب خلاف في ما بينهم في وقت سابق من العام الحالي حول أساليب متبعة في البرلمان وحول الحرب الأهلية في سوريا.

وقال سياسي كردي رفيع طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الوضع الحالي «المالكي يفتح باب جهنم.. كركوك بالنسبة لنا هي كل شيء.. ليست لعبة لتحقيق مكاسب سياسية أو أي شيء من هذا القبيل. إنها تتعلق بالعدالة من أجل قضيتنا وإلغاء ما قام به صدام وغيره من الأنظمة العراقية». وفي بيان مشترك صدر يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني) أعادت أحزاب كردية ذكرى حملة الإبادة باستخدام غاز سام في حلبجة عام 1988 للتحذير من أن بغداد يمكن أن تكرر مثل تلك الهجمات. وقال عمر بادي من الاتحاد الإسلامي الكردستاني «أينما وجد خطر خارجي يتهدد القضية الكردية فنحن متوحدون... من يواجه التهديد الخارجي سيحصل على أصوات الشعب الكردي».

وقال سياسي شيعي في بغداد إن من التغييرات الكبيرة دور طالباني الذي استغل موقعه باعتباره رئيس الدولة للوساطة بين المالكي وبارزاني. وأضافت الشخصية الشيعية السياسية في حديث جانبي «طالباني خسر تحالفه الاستراتيجي مع الشيعة. وموقعه كصديق وأب لكل القوى السياسية. لم يعد ممكنا أن يلعب طالباني دور الوسيط بين الفرقاء».

وبالنسبة للوقت الراهن فإن الحرب الزائفة مستمرة حول طوزخورماتو إلى الجنوب الشرقي في محافظة ديالى في الشمال الغربي حول مدينة الموصل الكبيرة خاصة حول كركوك. ولسنوات عديدة كان صراع يدور في شبه صمت من خلال الترويع وكان العنف المتقطع فقط هو الذي يدفع سكان المنطقة للخروج ويغير الخليط العرقي للمجتمعات المحلية التي من المفترض أن تدلي بأصواتها يوما ما في استفتاء حول ما إذا كانت أجزاء من الأراضي المتنازع عليها تنضم لمنطقة كردستان أم لا.

ويرغب أكراد في إنهاء السياسة التي وضعها صدام والتي كانت تقوم على إعادة توطين العرب في المنطقة ومنهم الكثير من الشيعة من الجنوب. ويتهم العرب الأكراد بإعادة كتابة التاريخ. وهناك فئات أخرى خاصة التركمان الذين يتحدثون التركية ولهم مطالب أيضا. وجعلت ورطة الاستفتاء، الذي كان من المقرر أن يجرى عام 2007 بموجب الدستور، الجدل بين بغداد واربيل يدور بشكل متزايد عبر العوارض الفاصلة بين دباباتهما.