تدهور الوضع الإنساني والأمني في دمشق مع تواصل الاشتباكات في ريفها

انفجار سيارة مفخخة في العاصمة.. والسفير الروماني يغادر لأسباب امنية

طابور أمام مخبز في مدينة حلب التي تعاني مثل العاصمة دمشق وبقية المدن السورية من شح الغذاء وتزايد ساعات القطع اليومي للكهرباء (أ.ف.ب)
TT

استمر الوضع الإنساني والأمني في العاصمة دمشق بالتدهور مع اشتداد القصف على الأحياء الجنوبية والشرقية أمس، وإغلاق معظم مداخل المدينة، مع تواصل القصف العنيف على مدينتي داريا والمعضمية في ريف دمشق.

وقال سكان في العاصمة إن قوات النظام قامت بإغلاق أوتوستراد درعا - دمشق (جنوب)، صباح أمس، وعدة مداخل فرعية أخرى، ثم تم فتح الأوتوستراد عند الظهر ليعاد ويغلق مجددا، لا سيما عند نهر عيشة والحجر الأسود والعسالي ومخيم اليرموك، حيث تدور اشتباكات عنيفة هناك، وقال شاهد عيان لـ«الشرق الأوسط» إن «السيارات تكدست على طول الأوتوستراد من دمشق ولغاية مفرق صحنايا، وفي الطرق الفرعية التي كانت مغلقة أيضا شوهدت الجثث على جانبي الطرق»، مؤكدا أن «منطقة جنوب دمشق ساحة حرب.. جثث ودمار وقصف متواصل».

وقالت الهيئة العامة للثورة السورية إن طفلا والكثير من الجرحى سقطوا جراء القصف العنيف على حي الحجر الأسود والعسالي والمناطق المجاورة منذ صباح أمس، وذلك «بقذائف الهاون والمدفعية الثقيلة بالتزامن مع اشتباكات عنيفة بين الجيشين في حي القدم بدمشق»، ولفتت الهيئة إلى «تجدد القصف العنيف لقوات النظام على الأحياء الجنوبية من دمشق وريفها ويتركز على حي الحجر الأسود». وفي حي كفرسوسة تم العثور على 5 جثث لأشخاص أعدموا ميدانيا في بساتين كفرسوسة من قبل قوات النظام، حيث كانوا عائدين بسيارتهم في البساتين قرب القناية، فأوقفهم حاجز لجيش النظام مع مخبر، وتم قتلهم وإحراق السيارة التي تقلهم، منهم اثنان من حي كفرسوسة واثنان من حي القدم وشخص مجهول الهوية. وفي حي القدم سقط قتيل وعشرات من الجرحى إصاباتهم بالغة، إثر القصف العنيف بقذائف الهاون والمدفعية الثقيلة على الأحياء الجنوبية، بالتزامن مع اشتباكات بين الجيشين الحر والنظامي.

وأضافت الهيئة في بيان لها منتصف نهار أمس أن قوات النظام قصفت مدينة عربين في الغوطة الشرقية بشكل عنيف منذ الصباح، وفي يبرود بمنطقة القلمون أصيب الكثير من المدنيين في قصف مدفعي عنيف لقوات النظام، حيث تركز القصف على حيي القاعة والصالحية. وفي عين ترما في الغوطة الشرقية بريف دمشق قالت الهيئة إنها تعرضت لقصف عنيف على التجمعات السكنية والطرق من قبل آليات جيش النظام بقذائف الهاون والدبابات، بينما استهدف القصف بالمدفعية وراجمات الصواريخ الأحياء السكنية في ببيلا وشبعا، بحسب الهيئة العامة للثورة السورية. وجاء ذلك بينما تواصل القصف العنيف والمركز على مدينتي داريا والمعضمية، حيث تدور اشتباكات عنيفة بين كتائب الجيش الحر وقوات النظام التي تسعى لاقتحام المدينتين وفرض السيطرة عليهما.

وكان لافتا في مدينة دمشق أمس قيام قوات النظام بالإغلاق أوتوستراد المزة نحو نصف ساعة بعد الظهر لدى مرور موكب رسمي يحمل جثمان بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، إغناطيوس الرابع هزيم، قادما من لبنان إلى دمشق، حيث مر في أتوستراد المزة ليصل إلى الكاتدرائية المريمية في دمشق القديم. وضم الموكب من أكثر من 60 سيارة مرسيدس وعشرات السيارات الأمنية، ما أدى لازدحام مروري خانق، ولم يحمل الموكب أي إشارة للجنازة.

ومسألة إغلاق الطرق في دمشق باتت أحد أهم الهواجس اليومية للسوريين ومحور أحاديثهم، بحسب الناشط أحمد الدمشقي الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «إذا التقى شخصان فإن السؤال الأول بعد التحية يكون: أي طريق سلكت؟ وكيف الطريق؟ فثمة مشكلة كبيرة في التنقل بين حي وآخر عدا الانتظار الذي يمتد لأكثر من ساعة أحيانا على بعض الحواجز». وأضاف: «بات اعتياديا أن تكون في أطراف العاصمة ويبدأ اشتباك فيتم قطع الطريق ريثما ينتهي الاشتباك، والناس في السيارات تراقب تبادل النار فوق رؤوسها». ويتابع الناشط: «الوضع الاستثنائي بات مألوفا، حتى التفجيرات تأقلم معها الناس، فبعد التفجير وتفقد الخسائر تعود الحركة»، لافتا إلى أن «منطقة الفحامة وسط العاصمة شهدت صباحا (أمس) انفجارين؛ الأول كان عند حديقة الطلائع، حيث انفجرت سيارة مفخخة استهدفت تجمعا لقوات النظام، وشوهدت سيارات إسعاف تنقل مصابين من الموقع، والثاني عبوة ناسفة في زقاق الجن أمام أحد محلات قطع تبديل السيارات خلفت أضرارا مادية».

من جانب آخر أعلن لواء درع الغوطة التابع للجيش الحر عن قيامه «بعملية نوعية»؛ حيث اقتحم مقاتلو اللواء «مركز تجمع للأمن والشبيحة في منطقة البياض القريبة من طريق المطار، وقاموا بتحرير عدد من المعتقلين المدنيين في المركز، وتمكنوا من تصفية عدد من عناصر الأمن والشبيحة»، بحسب البيان الصادر عن لواء درع الغوطة.

وعلى الصعيد المعيشي زادت معدلات قطع التيار الكهربائي عن مدينة دمشق وريفها، وبعض المناطق في الريف، مثل جرمانة والغوطة الشرقية وصحنايا وقدسيا وضاحية قدسيا ودمر ومشروع دمر، حيث تتراوح فترات قطع الكهرباء من 8 - 12 ساعة، وفي المناطق الساخنة يستمر الانقطاع لعدة أيام متواصلة، مثل داريا والمعضمية. أما في أحياء العاصمة، فتتراوح فترات الانقطاع بين 6 - 8 ساعات بحسب الأحياء، ففي أحياء برزة القابون والعباسيين والأحياء الجنوبية قد تصل فترة الانقطاع إلى 12 ساعة، أما وسط العاصمة والأحياء الشمالية: الصالحية والمهاجرين والمالكي وأبو رمانة، فتقل ساعات التقنين وتتراوح بين 3 - 4 ساعات، وببعض الأحياء لا تنقطع أبدا، لذلك استغرب السكان ليل أول من أمس عندما تم قطع الكهرباء عن عموم أحياء شمال العاصمة عند الساعة الثالثة فجرا، واستمر الانقطاع لمدة ساعتين وسط حالة سكون، وتحركات مريبة لقوات الأمن في تلك المناطق، بحسب ما أكده الناشط أحمد الدمشقي.

بالإضافة لانقطاع الكهرباء تتفاقم أزمة الخبز في دمشق، حيث يحتشد الناس في طوابير بالمئات أمام المخابز للحصول على ربطة خبز تباع بسعر 15 ليرة سورية، فيما تباع في السوق السوداء الناشئة في محيط الأفران بـ100 ليرة (قيمة الدولار تتراوح بين 88 - 92 ليرة)، ويقول أحمد الدمشقي: «الحد الأدنى لمعدل الانتظار في طابور الخبز يتراوح بين ساعتين وثلاث ساعات، وهناك أشخاص يذهبون إلى الفرن بعد صلاة الفجر ويمكثون حتى الضحى للحصول على ربطة خبز». وأزمة الخبز التي تشتد يوما بعد آخر تتلازم مع أزمة الغاز المنزلي، حيث وصل سعر أسطوانة الغاز في بعض المناطق إلى 2000 ليرة، علما بأن سعرها النظامي 500 ليرة، فضلا عن أزمة المازوت المفقود حتى بالسوق السوداء. وبالأخص في المناطق الساخنة.

ودفعت الأوضاع المتوترة في دمشق بوزارة الخارجية الرومانية إلى سحب سفيرها من دمشق، وهو من الدبلوماسيين القلة الذين أبقوا على وجودهم في سوريا طوال الفترة الفائتة. وأعلنت، في بيان صادر عنها، نبأ مغادرة سفيرها أمس دمشق إلى العاصمة اللبنانية بيروت بسبب «التدهور الكبير في الوضع الأمني في العاصمة السورية».

وجددت الخارجية الرومانية دعوة مواطنيها إلى مغادرة الأراضي السورية في أسرع وقت بواسطة وسائل النقل التجارية التي لا تزال تعمل، موضحة أن «الجهاز القنصلي في السفارة الرومانية في دمشق سيبقى طالما سمح الوضع الأمني لضمان حماية ومساعدة المواطنين الرومانيين الذين لا يزالون في سوريا».