أطباء ولاجئون سوريون يحلمون بمستقبل جديد لمدينتهم عند الحدود التركية

يخططون لإقامة مجالس بلدية ومحاكم وقوات شرطة ومستشفيات تستقبل حتى مقاتلي الأسد

عائلة سورية تعبر الحدود إلى تركيا (أ.ب)
TT

يجري تجهيز غرف العمليات ووحدات العناية المركزة في مبنى مهجور للجمارك، على بعد أمتار قليلة من الحدود السورية، في معبر باب الهوا الذي يسيطر عليه الثوار.

يتوافد على المدينة مقاتلون من الثوار ومدنيون يعانون من إصابات بالغة بصورة يومية، في حاجة ماسة إلى العلاج. وعلى الرغم من قصف الطائرات الحربية التابعة للجيش السوري المنطقة القريبة، وتحذير مسؤولي استخبارات أجنبية من إمكانية احتواء هذه القنابل على رؤوس حربية كيماوية، قال منصور يازجي، طبيب الأمراض الباطنية السوري والأطباء الذين يعملون معه إنهم عازمون على افتتاح مشفاهم الذي يسع 60 مصابا في القريب العاجل.

وقال يازجي، الذي قضى قرابة 20 عاما في الولايات المتحدة ويرأس جمعية الإغاثة الطبية السورية ومقرها تركيا: «نحن في المرحلة النهائية من انهيار النظام وينبغي أن نكون مستعدين منذ اليوم الأول».

وأضاف أن المستشفى ستتبرأ من كل ما يمثله بشار الأسد، وهو ما يعني أنها ستعالج كل أسرى القوات الأمنية الذين حاربوا الثوار لدعم حكومة الأسد، ذات الحكومة التي اعتقلت وعذبت وقتلت الأطباء الذين قدموا المساعدة الطبية للمتظاهرين وقوات الثوار على مدار 20 شهرا من القتال.

وأضاف يازجي، متحدثا من مكتبه الواقع في بناية في ريهانلي على الجانب التركي من الحدود: «نحن لسنا مثلهم».

المدينة معلقة بين الحرب والسلام، فهي مليئة بالحالمين الذين يضعون الخطط لمستشفيات جديدة ومجالس بلدية ومحاكم أهلية وقوات للشرطة وحتى جمع القمامة، في أنحاء شمال غربي سوريا التي يسيطر عليها الثوار، لكنها في الوقت ذاته مكان يفيض بالألم، فمئات المصابين السوريين جاءوا عبر الحدود طلبا لرعاية متخصصة غير متوافرة، حتى الوقت الراهن.

يسكن المدينة 60,000 من العرب السنة وتربطهم روابط عائلية وثيقة بالسوريين الذين يعيشون على الجانب الآخر من الجبل، خلف الأسلاك الشائكة التي تفصل بين البلدين. وقد استقبلت المدينة 15,000 سوري يطلبون الحماية - في تناقض صارح مع المدن التركية ذات الأغلبية العلوية التي خرجت فيها المظاهرات المؤيدة للرئيس السوري.

غض المسؤولون المحليون الطرف عن السوريين الذين يبيعون السيارات المستعملة المشكوك في مصادرها والتي تحمل لوحات بلغارية، في قطعة أرض فضاء قريبة من مركز لإعادة التأهيل. واستقبلت المدينة أيضا أكثر من 20 منظمة إنسانية دولية تبحث عن وسائل آمنة للتبرع بالأدوية والغذاء للسوريين دون محاولة لجذب الانتباه لأن هذه المنظمات ليست جميعها مسجلة لدى الحكومة التركية.

ويقول أحد العاملين في منظمة غير حكومية طلب عدم ذكر اسم المنظمة: «قدمنا بتأشيرات سياحية، وأجرينا بعض الاتصالات هنا.. ثم كان علينا أن نتعرف على بعض الأشخاص الذي يعملون عبر الحدود، وإذا ما قبلوا، فسوف يسمحون لك بالقيام بعملك، فالأمر كله مسألة شخصية».

في الوقت ذاته يجني السكان المال من اللاجئين، حيث رفع الكثير من مالكي المنازل الإيجارات إلى خمسة أضعاف ووضع التجار لافتات في واجهات المحلات باللغة العربية لجذب اللاجئين الذي لا يملكون سوى حفنات قليلة من المال.

ويصل إلى هذه المدينة الحدودية ما بين 10 إلى 20 شخصا ما بين أطفال مصابين برصاص في الجمجمة ورجال مسنين تورمت أقدامهم بسبب الجروح العميقة، وشباب مصابين بشلل نصفي بسبب الشظايا أو الرصاص.

تكتظ مراكز إعادة التأهيل الثلاثة في ريهانلي بالأطباء السوريين، الكثير منهم تركوا وطنهم خشية الاعتقال لعلاجهم الثوار والمتظاهرين المدنيين. غالبية هؤلاء الأطباء لا يحملون تراخيص لتقديم أكثر من رعاية بدائية، ويخشون التعذيب والموت إذا ما عادوا إلى سوريا.

وقال الدكتور يازجي، الذي يرأس الاتحاد السوري لمنظمات الإغاثة الطبية الذي يقوم بزيارات دورية إلى المدن السورية المحاصرة: «هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها حكومة أطباء». وأشار إلى أن ما يقرب من 50 طبيبا سوريا اعتقلوا وقتلوا منذ بداية الانتفاضة. وكانت علامات التعذيب واضحة على أجسادهم عندما أعيدوا إلى عائلاتهم. الكثير من المساعدات الإنسانية في ريهانلي مدعومة بالتبرعات الأثرياء السوريين في الخارج. فأحد المستشفيات الصغيرة، على سبيل المثال، تتلقى تمويلا من مالك قناة «أورينت تي في» - الشخصية السورية المعارضة الذي تبث شبكته من دبي.

ينتاب اللاجئون بعض الغصة بسبب تأخر المساعدات الدولية، ويقول ياسر سعيد، المحامي السوري الذي يدير مركزا لإعادة التأهيل يسع 80 سريرا في المدينة: «نحن نتفهم السبب وراء عدم إرسال الأسلحة، لكن ما ذنب المستلزمات الطبية؟».

وقد أعد حسين المصطفى، الجراح الذي فر من محافظة حلب شمال غربي سوريا خشية الاعتقال لمساعدته المتظاهرين، لائحة باحتياجات المستشفى، التي حصلت على جهاز للأشعة، لكنه كان عتيقا حتى إن الأطباء لم يتمكنوا من العثور على فيلم له. ولا يمكن للمركز الحصول على دواء كليكسان الذي يمنع تكوين جلطات الدم، وهناك عدد محدود للغاية من الكراسي المتحركة وما يكفي لأسبوع واحد من مسكن الآلام غابابنتين لخمسة وعشرون مريضا بحاجة إليه.

وفي الغرفة التي طليت باللون الأخضر الفاتح، رقد صلاح حسين غياري في السرير وقد ثبتت شريحتان من المعدن في عموده الفقري وأخرى في عينه اليمنى التي فقدت البصر، ويعاني من شلل الأطراف السفلى.

وقال صلاح الذي يحب كرة القدم ويتمنى أن يصبح طبيبا، إنه كان في طريقه إلى السوق في قريته أبو ذور القريبة من إدلب عندما سقطت قذيفة مدفعية بالقرب من منه. وقد حمله الجيران إلى تركيا لعلاجه هناك.

كان اثنان من إخوته الذين انضموا إلى قوات الثوار قد عادا لرعايته، وقال لهم الأطباء إن صلاح بحاجة إلى رعاية متخصصة لإزالة الشظايا المتبقية من جسده. وسأل الأخ أحد الزائرين «هل يمكنك اصطحابه إلى خارج البلاد؟».

أكد يازجي أنه سينقل مقر منظمته إلى مستشفى معبر باب الهوا الحدودي حالما يفتح. ويعتقد أن نظام الأسد سينهار خلال أسابيع، لا شهور. وقال لزوجته إنه سيلقاها لكن المرة المقبلة ستكون في سوريا.

ويعتقد وسيم طه، رئيس المنظمة السورية للاجئين، أن ذلك سيتطلب وقتا أطول. لكنه يخطط أيضا للمستقبل وحول تركيزه من تنسيق المساعدات إلى بناء المؤسسات. وأشار طه الذي تحدث من مكتبه المزود بجهازي حاسب محمول ومكتب إلى وجود أكثر من ثلاثين مجلسا محليا في الشمال السوري تقوم على توزيع التمويلات وتقديم الخدمات الأخرى. ويحاول الحصول على محامين لإقامة محاكم مدنية والحصول على الأموال لدفع رواتب المحامين والقضاة وقوات الشرطة. وأكد طه أن الكثير من الحكومات الأوروبية دعما ماليا لبناء مؤسسات مدنية، لكن الولايات المتحدة لم تقدم أي نوع من الدعم.

وقال طه، مصمم الأزياء السابق المنخرط في المعارضة منذ عدة سنوات: «إذا استغرق ذلك وقتا طويلا فسوف يقبض المتطرفون على مقاليد الأمور، وهو ما قد يدمر سوريا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»