«سوق عكاظ» مصر.. يترنح بين «الغلاء» و«الإرجاء»

قرار رفع الأسعار والتراجع عنه يثير غضبهم وسخريتهم

TT

«ما بين غمضة عين وانتباهتها.. يغير الله من حال إلى حال».. بيت من الشعر يصف في براعة حالة المصريين أمس، الذين باتوا ليلة الاثنين وهم يضربون أخماسا في أسداس، ويحسبونها بالورقة والقلم، بعد قرار مفاجئ بزيادة أسعار حزمة من السلع الأساسية تحت مظلة ضرائب جديدة فرضت على كثير من البضائع والخدمات. لكن مع صبيحة أمس فوجئ المصريون للمرة الثانية - وفي أقل من ست ساعات - بقرار من الرئيس محمد مرسي بوقف تطبيق هذه الضرائب، بهدف التخفيف على المواطن المصري، وعدم تكليفه بأي أعباء إضافية.

وبين القرارين، «الغلاء» و«الإرجاء»، عاش الشارع المصري بين مشاعر الحيرة بسبب اتخاذ القرارات بعشوائية ثم التراجع عنها، وكذلك مشاعر الخوف، بعد أن ذكرهم ذلك المشهد بألاعيب النظام السابق وتصريحاته الوردية. وهو ما يجعل أغلب المصريين يتحسسون همومهم بقلق غير منقطع، حيث يرى كثيرون أن قرارات الوقف مؤقتة، وبمثابة تغطية على تمرير الاستفتاء على مشروع الدستور.

وهو ما يعبر عنه بمشاعر متضاربة، الستيني الحاج علي قائلا: «لم نعد نعرف رأسنا من أقدامنا، القرارات عشوائية، من يصدر هو نفسه من يلغي، أشعر أننا نتعرض للمكر والخداع، ففي الأمس قرار واليوم عكسه، لا أعلم إلى أين نسير، والمسألة كلها تبدو مجرد ألاعيب سياسية». ويكمل: «الغلاء سيأكل الأخضر واليابس، هناك قصد في استعمال وسائل تجويع الشعب علشان كله يتذل ويمشى جنب الحيط»، قبل أن يختم حديثه بالدعاء: «ربنا يسترها ويصلح الأحوال».

وكان مجلس الوزراء المصري قد أكد أن التعديلات على قوانين الضرائب، تأتي ضمن برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادي، وأنها تستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية، ولا تؤثر على محدودي الدخل، وتوفر موارد للتنمية الاجتماعية ودعم الفقراء. وهي التصريحات التي لاقت غضبا من جانب المواطن البسيط، بسبب ما ستؤدي إليه من زيادة أسعار بعض السلع والخدمات كالزيوت، والمياه الغازية، والسجائر، ومواد البناء، والأسمدة، والاتصالات، والكهرباء والغاز، وخدمات النقل السياحي والمكيف، والتصاريح الإدارية، وتراخيص البناء والملاهي والسينما والمسارح. وأمام ذلك، بات المصريون ليلتهم بشعار يملؤه أمل «دع المقادير تجري في أعنتها»، وهو ما جرى بوقف العمل بالقرار في الثالثة فجر أمس، بعد أن استشعر الرئيس «نبض الشارع» الغاضب بحسب بيان رئاسة الجمهورية. لكن ذلك لم يكن ليمر مرور الكرام على الشارع، الذي رأى أن «الرئيس أصدر قانون الضريبة بسلطته التشريعية وأرجأه بسلطته الرئاسية».

ورغم أن الشطر الثاني للبيت يوصي بـ«لا تنامن إلا خالي البال»؛ إلا أن لسان حال كثير من المواطنين جاء: «الواحد بقى خايف ينام ليفوته قرار وميلحقهوش؛ وعلى ما يصحى يكون اتلغى»، تعليقا على صدور قرار الرئيس في ساعة مبكرة لم يعتادوا فيها على صدور القرارات. وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت بالأمس إلى ما يشبه «سوق عكاظ»، علقت فيه قصائد السخرية والانتقاد للقرارات السياسية المتناقضة على حوائط «فيس بوك»، و«تويتر».

ففي استعادة لمشهد عام 1977 عندما خرج المصريون في سنوات حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات احتجاجا على زيادة الأسعار، مرددين نداء شهيرا هو «سيد بيه يا سيد بيه.. كيلو اللحمة بقى بجنيه»، في إشارة إلى رئيس البرلمان آنذاك سيد مرعي، سخر أعضاء الموقعين قائلين: «مرسي بيه يا مرسي بيه.. شوفتوا النهضة بتعمل إيه؟»، و«غلِّي الميه، وغلِّي البيبسي.. لسه المولتو، ولسه الشيبسي».

ومع انقسام مصر بين فريقين، مؤيدين ومعارضين للرئيس، كتب أحد الأعضاء ساخرا: «مؤيدو الرئيس لما عرفوا قرار الضرائب كثير منهم قال: (أيوه الاقتصاد في حالة سيئة ولازم يعمل كده.. كلنا معاك يا ريس)، وبعد الإلغاء قالوا: (أيوه يا ريس يا من تشعر بالشعب)».

وكان أكثر التعليقات انتشارا ما جاء فيه: «قرار رقم 1 عودة مجلس الشعب، قرار رقم 2 إلغاء مجلس الشعب، قرار رقم 3 عزل النائب العام، قرار رقم 4 إرجاع النائب العام، قرار رقم 5 عزل النائب العام، قرار رقم 6 إصدار إعلان دستوري، قرار رقم 7 إلغاء الإعلان الدستوري، قرار رقم 8 زيادة الأسعار وزيادة الضرائب، قرار رقم 9 إلغاء زيادة الأسعار وإلغاء قانون الضرائب.. السؤال هنا: هل قرارات رفع أسعار الضرائب ألغيت فعلا؛ أم تأجلت لبعد الاستفتاء على الدستور فقط حتى يقول الشعب نعم؟».