استمرار الاشتباكات بين الشرطة السودانية ومحتجين بعد وفاة طلاب

تضارب الأنباء بين حكومة جوبا وبعثة الأمم المتحدة حول مقتل مواطنين في ولاية جنوبية

وزير دفاع جنوب السودان جون كونغ نيون (يمين) يصافح وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم محمد حسين بعد مشاورات في الخرطوم أمس (رويترز)
TT

استخدمت قوات الأمن أمس الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق مظاهرات لليوم الثالث في العاصمة السودانية بعد وفاة أربعة طلاب في جامعة إقليمية الأسبوع الماضي. واحتشد نحو 600 طالب في جامعة النيلين في وسط الخرطوم مرددين «مقتل طالب مقتل أمة» و«ثورة ثورة حتى النصر» في أكبر احتجاج منذ العثور على جثث الطلبة في قناة مائية. وحاول المحتجون التحرك إلى محطة للحافلات في وسط الخرطوم، لكن قوات الأمن استخدمت الهراوات لتفريقهم وألقت القبض على عدة أشخاص. ولم تعلق الشرطة على الفور.

وتفادى السودان الاحتجاجات الضخمة التي أفضت إلى إسقاط زعماء مصر وتونس واليمن وليبيا، لكن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وشكاوى أخرى أدى إلى خروج مظاهرات أصغر حجما على مدى العامين الأخيرين.

وطوقت قوات الأمن أيضا جامعة الخرطوم التي شهدت احتجاجات أول من أمس وكانت مركزا لمظاهرات سابقة مناهضة للحكومة. وحمل نشطاء شبان السلطات السبت المسؤولية عن وفاة الطلاب الأربعة الذين عثر على جثثهم في قناة مائية بجامعة الجزيرة في منطقة زراعية جنوبي الخرطوم. وكان طلاب جامعة الجزيرة من منطقة دارفور بغرب السودان.

وقال متحدث باسم رابطة لطلاب دارفور السبت إن الطلاب كانوا يطالبون بإعفائهم من رسوم الدراسة، وفقا لمرسوم رئاسي يقولون إنه يقضي بذلك حين فض مؤيدون لحزب المؤتمر الوطني الحاكم مظاهرتهم. وقالت الرابطة إنه عثر على جثث أربعة من الطلاب في قناة مائية في وقت لاحق.

وأكدت الشرطة في ولاية الجزيرة أنه عثر على جثتي طالبين على الأقل، لكنها قالت إنه لا توجد علامات على حدوث عنف. وقالت وزارة العدل إنها ستشكل لجنة للتحقيق في الأمر.

واندلعت مظاهرات محدودة في أنحاء السودان في يونيو (حزيران) الماضي بعد أن أعلنت الحكومة إجراءات تقشف لاحتواء أزمة اقتصادية نجمت عن انفصال جنوب السودان المنتج للنفط. لكن الاحتجاجات هدأت بعد حملة أمنية.

من جهة أخرى، تضاربت الأنباء حول مقتل عدد من المواطنين في ولاية غرب بحر الغزال؛ حيث قالت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان إن أكثر من (10) أشخاص لقوا مصرعهم في مدينة واو ثالث أكبر مدن جمهورية جنوب السودان في اشتباكات بين متظاهرين وقوات الشرطة بسبب معارضتهم نقل رئاسة المقاطعة إلى موقع آخر، غير أن حكومة الولاية وصفت العدد بالمبالغ فيه، وقالت إن عدد القتلى (6) أشخاص، وأعلنت حظر التجوال في المدينة، ويأتي ذلك بعد أيام من مقتل صحافي في جوبا في ظروف غامضة.

وتنتقد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في حقوق الإنسان أداء حكومة جنوب السودان حول صيانة حقوق الإنسان وتتهمها بانتهاكات واسعة وبشكل متكرر في مناطق مختلفة بما فيها العاصمة جوبا، غير أن مسؤول جنوبي رفض تلك الاتهامات، وقال إنها غير حقيقية، مؤكدا أن حكومته تجري تحقيقاتها في كل جريمة ترتكب ضد المدنيين وأنها جادة في صيانة حقوق الإنسان.

وقال جون بيتر المفوض السابق في مقاطعة واو في ولاية غرب بحر الغزال إن (25) شخصا قتلوا أول من أمس خلال اشتباكات بين متظاهرين مع قوات الجيش. وأضاف أن المظاهرات كانت بسبب قرار نقل مقاطعة واو إلى مكان آخر رفضه المواطنين، بينما قالت بعثة للأمم المتحدة إن عدد القتلى يصل نحو (10) أشخاص.

من جانبه، قال ديرك الفريد وزير الإعلام في ولاية بحر الغزال والمتحدث باسم حكومتها لـ«الشرق الأوسط» إن الرقم الذي أعلنته جهات أخرى منها بعثة الأمم المتحدة مبالغ فيها. وأضاف أن عدد القتلى لم يتجاوز (6) أشخاص وهناك من أصيب بطلق عشوائي، مشيرا إلى أن حكومته شكلت لجنة تحقيق وأنها ستقدم المتسببين إلى المحاكم العادلة. وقال إن عمليات نهب ومحاولة لسرقة فرع المصرف المركزي صاحبت عمليات المظاهرات. وأضاف أن هناك من كان مندسا وسط المتظاهرين وقام بإطلاق النار نحو الشرطة.

وقال الدكتور برنابا مريال بنجامين وزير الإعلام والبث الإذاعي في جنوب السودان المتحدث باسم الحكومة لـ«الشرق الأوسط» إن حكومته وجهت بتشكيل لجنة تحقيق في ملابسات مقتل (25) مواطنا. وأضاف أن المشكلة تعود إلى نقل مقاطعة واو إلى مكان آخر يبعد (20) كلم منها وفقا لقرار من الحكومة الولائية ومجلسها التشريعي. وقال إن المحتجين أغلقوا الطريق وقاموا بحرق قافلة لسيارات خاصة بالتجار، مشيرا إلى أن الاشتباكات وقعت مع الشرطة. وقال «الآن الحكومة ممثلة في وزارة الداخلية تجري التحقيقات»، نافيا ضلوع جيش البلاد في المظاهرات. وقال إن تقرير بعثة الأمم المتحدة غير صحيح وعليها توخي الدقة في نقل مثل هذه الأحداث.

ونفى بنجامين وجود انتهاكات من حكومته لحقوق الإنسان. وقال إن أي شبهة في قتل مواطن في الدولة يجري فيها تحقيق ويتم تقديم الجناة مهما كان موقعهم إلى المحاكمة، مشيرا إلى أن رئيس بلاده سلفا كير ميارديت قد أمر بتشكيل لجنة تحقيق في مقتل الصحافي دينق تشان أوول الذي قتل الأربعاء الماضي.

وكان المتظاهرون قد أغلقوا طريقا رئيسيا في مدينة واو وأقاموا الحواجز على الطرق المؤدية إلى داخل الولاية. وقالت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان إن الجيش الشعبي (جيش جنوب السودان) قام بفتح النار في وقت متأخر من مساء السبت الماضي عندما حاول إزالة حواجز الطرق التي أقامها المحتجين. وأشارت إلى أن أربعة آخرين قتلوا في اليوم التالي (أول من أمس).

إلى ذلك، فشلت دولتا السودان وجنوب السودان للمرة الثانية من التوصل إلى اتفاق في تنفيذ الترتيبات الأمنية بين البلدين في الاجتماعات التي انتهت أمس في الخرطوم، واتفق الجانبان على مواصلة مباحثاتهما في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ويهدد عدم تنفيذ الترتيبات الأمنية وتمسك كل طرف بمواقفه إلى انهيار اتفاقيات التعاون التي وقعها ممثلون منهما بحضور الرئيسين عمر البشير وسلفا كير أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى جانب فشل البلدان في حسم ملف أبيي التي ينتظر أن يرفع إلى مجلس الأمن الدولي في الخامس عشر من الشهر الحالي.

وقال عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع السوداني في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره من جنوب السودان جون كونق إن الطرفين أجريا لقاء مطولا بحضور ممثل الأمم المتحدة في الدولتين هايلي منكريوس وممثل عن الآلية رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي. وأضاف أن الطرفين اتفقا على استئناف حوار اللجنة السياسية الأمنية المشتركة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في الخامس عشر من الشهر الحالي، وبمشاركة رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى ثابو مبيكي، وقال: «اتفقنا على عقد الاجتماع المقبل في أديس أبابا في الخامس عشر من هذا الشهر لمواصلة الحوار حول تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين».

من جانبه، قال جون كونق وزير دفاع جمهورية جنوب السودان رئيس وفد بلاده في اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة إن هذه المباحثات تركزت حول كيفية تنفيذ بند الترتيبات الأمنية التي تم التوقيع عليها في أديس أبابا في سبتمبر (أيلول) الماضي، مؤكدا التزام بلاده في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه. وقال إن هذه المباحثات لا تعني المفاوضات حول القضايا التي تم الاتفاق عليها في أديس أبابا. وأضاف: «نحن نمضي بنجاح في المفاوضات ولا شيء يجعل الاجتماع يتوقف».