تفاقم الأزمة في مالي بعد إجبار رئيس الحكومة على الاستقالة

انقلابيون سابقون يطيحون بديارا غداة قرار أوروبي بنشر 400 عسكري مطلع العام المقبل

ماليون يشاهدون آثار الخراب الذي حل بمقر حزب الرئيس تراوري في باماكو أمس غداة مهاجمته من قبل مسلحين ملثمين (رويترز)
TT

دخلت مالي في أزمة جديدة مفتوحة بعد إجبار رئيس حكومتها الشيخ موبيدو ديارا على الاستقالة تحت ضغط ضباط انقلابيين سابقين معارضين لأي تدخل عسكري أجنبي لطرد المتشددين المسلحين الذين يحتلون شمال البلاد، منذ 8 أشهر؛ فقد أعلن ديارا صباح أمس استقالته واستقالة حكومته بعد ساعات على توقيفه في باماكو بأمر من الكابتن أمادو هايا سانوغو القائد السابق للانقلابيين الذين أطاحوا بالرئيس أمادو توماني توريه في مارس (آذار) الماضي.

وجاءت هذه الاستقالة غداة قرار الاتحاد الأوروبي بنشر 400 عسكري في مالي مطلع 2013، لإنشاء وتدريب الجيش المالي من أجل المساعدة على استعادة الشمال الذي يسيطر عيه المسلحون، وبينما يتوقع أن يعطي مجلس الأمن الدولي ضوءا أخضر قبل عيد الميلاد.

ونفى المتحدث باسم الانقلابيين السابقين في مالي باكاري ماريكو أمس أن يكون حصل «انقلاب»، مؤكدا أن الرئيس ديونكوندا تراوري سيعين رئيس وزراء جديدا «في الساعات المقبلة». وقال ماريكو متحدثا لشبكة «فرانس 24» التلفزيونية: «هذا ليس انقلابا جديدا»، متهما ديارا الذي اعتقله عسكريون خلال الليل بعدم التصرف كـ«رجل ملتزم بواجبه» إزاء الأزمة في مالي، بل بموجب «أجندة شخصية»، مؤكدا أن «رئيس الجمهورية سيستبدل رئيس الوزراء في الساعات المقبلة».

ومع هذه الاستقالة، تتفاقم الأزمة في مالي ويزداد الغموض حول مصير هذا البلد الذي يسيطر مسلحون مرتبطون بتنظيم القاعدة على قسمه الشمالي، في وقت يجري فيه البحث في تدخل عسكري أجنبي طالب به ديارا ورفضه سانوغو من أجل طردهم منه.

وقال ديارا في كلمة مقتضبة ألقاها من هيئة الإذاعة والتلفزيون في مالي: «أنا شيخ موديبو ديارا، أستقيل مع حكومتي» من دون أن يشرح أسباب استقالته.

واكتفى ديارا الذي ظهر مرتديا بدلة وربطة عنق قاتمتين بشكر معاونيه، متمنيا أن ينجح «الفريق الجديد» الذي سيخلفه في مهمته.

وألقى ديارا كلمته بعد ساعات على قيام عسكريين باعتقاله في منزله في باماكو بأمر من الكابتن أمادو هايا سانوغو، القائد السابق للانقلاب، الذي أطاح بالرئيس أمادو توماني توريه في 22 مارس، مما أدى إلى سقوط الشمال بأيدي المسلحين.

وكان مقررا أن يغادر الشيخ موديبو ديارا مساء أول من أمس إلى باريس للخضوع لفحوص طبية، بحسب ما أوردت أوساط مقربة منه. وكان على وشك التوجه إلى المطار حين علم أنه تم إنزال حقائبه من الطائرة التي كانت ستقله إلى فرنسا، فبقي في منزله حيث تم توقيفه. وقبل بضع ساعات من ظهوره على التلفزيون، أعلن أحد المقربين منه أنه تم توقيف ديارا في منزله في باماكو من قبل «عشرين عسكريا قدموا من كاتي» الحامية القريبة من باماكو وقاعدة الانقلابيين السابقين، مشيرا إلى أنهم «قالوا له إن الكابتن سانوغو هو الذي طلب منهم توقيفه».

وأعلن ديارا مرارا عن تأييده تدخلا سريعا لقوة عسكرية دولية في شمال مالي، بينما عارض الكابتن سانوغو مثل هذا التدخل بشدة.

وكان الكابتن سانوغو أرغم بعد أسبوعين من الانقلاب على إعادة السلطة إلى المدنيين، لكنه احتفظ مع رجاله بنفوذ قوي في باماكو، حيث اتهموا بارتكاب كثير من التجاوزات بحق أنصار الرئيس المخلوع.

ونجح الكابتن سانوغو في نهاية أبريل (نيسان) الماضي في التصدي لمحاولة انقلاب دبرها عسكريون موالون للرئيس المخلوع بعد معارك عنيفة ودامية جرت في باماكو. وكان الرئيس المالي بالوكالة ديونكودا تراوري عين هذا العسكري على رأس هيئة مكلفة إصلاح الجيش المالي، الذي يعاني من سوء التجهيز ومن تدني معنوياته.

كما تأتي استقالة ديارا بعد تأجيل «المشاورات الوطنية» التي دعت إليها حكومته الانتقالية، والتي كان من المفترض أن تجري اعتبارا من يوم أمس ولمدة 3 أيام. وكانت هذه المشاورات تهدف إلى وضع «خريطة طريق» للأشهر المقبلة بين جميع الأطراف السياسية والعسكرية الاجتماعية ومنظمات المجتمع الأهلي، المنقسمة حيال الأزمة وطريقة حلها.

وعبرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون عن أملها في تعيين رئيس وزراء جديد «توافقي» بسرعة، ودعت الجيش إلى «الكف عن التدخل في الحياة السياسية». ومن جهتها، أدانت فرنسا «ملابسات» استقالة ديارا، ودعت إلى تشكيل «حكومة تمثيلية بسرعة».

وفي باماكو، ساد الهدوء بعد استقالة رئيس الوزراء، وقد بدت حركة السير طبيعية والمحلات التجارية والمصارف ومحطات الوقود مفتوحة، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. ولم يسجل أي انتشار عسكري في العاصمة، لكن مباني رسمية مثل المدينة الإدارية حيث تقع معظم الوزارات ومقر قيادة الشرطة، تخضع لمراقبة قوات الشرطة والدرك.

وتسيطر 3 مجموعات مسلحة إسلامية على شمال مالي منذ نهاية يونيو (حزيران)، هي جماعة أنصار الدين، التي تتألف بشكل أساسي من الطوارق الماليين، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي يضم خصوصا جهاديين أجانب، وجماعة التوحيد والجهاد.

وقدمت باماكو والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) للأمم المتحدة خططا لإرسال قوة دولية من 3300 عنصر إلى شمال مالي، وهما تطالبان مجلس الأمن الدولي بإعطاء الضوء الأخضر لنشرها على وجه السرعة. ومن جهته، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه بات مستعدا لإرسال بعثته إلى مالي بهدف تدريب الجيش الوطني وإعادة تنظيمه خلال 2013، لمساعدته على استعادة الشمال الذي تحتله جماعات إسلامية مسلحة.

وهذه المرحلة تتضمن إطلاق المخطط العملاني لهذه البعثة الذي يفترض أن يؤدي إلى نشر 400 جندي أوروبي، بينهم 250 مدربا، اعتبارا من الفصل الأول من 2013.

ويصطدم سعي الأفارقة المدعومين من فرنسا للحصول بأسرع وقت ممكن على موافقة الأمم المتحدة على تدخل عسكري، بتحفظات واشنطن التي تشكك في قدرة مالي والدول المجاورة لها على تنفيذ العملية.