تونس: الحكومة والاتحاد العمالي يتفقان على إلغاء إضراب عام كان مقررا اليوم

المستشار السياسي للحكومة لـ «الشرق الأوسط»: نجحنا في تجنب كارثة محققة

تونسية تشارك في مسيرة تأييد لأكبر نقابة عمال تونسية في العاصمة مساء أول من أمس (رويترز)
TT

توصلت الحكومة التونسية التي تقودها حركة النهضة الإسلامية والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر المنظمات العمالية وأكثرها تمثيلا في صفوف العمال) إلى اتفاق يلغي الإضراب العام الذي كان مقررا نهار اليوم. فبعد جلسات ماراثونية، تمكن الطرفان من تجاوز التوتر السياسي بينهما وتجنب «كارثة» سياسية واجتماعية كانت خيمت على تونس لمدة فاقت الأسبوع. وبدأ الطرفان سلسلة من المفاوضات دامت أول من أمس ثماني ساعات دون أن تفضي إلى الإعلان النهائي عن إلغاء الإضراب وظهرت مساء أول من أمس الثلاثاء إشارات إيجابية بشأن سير المفاوضات التي وصفت بـ«العسيرة والصعبة» لتمسك كل طرف بوجهة نظره.

ويصر الاتحاد العمالي على تحميل المسؤولية إلى الحكومة ومن ورائها حركة النهضة بخصوص الاعتداء الذي تعرض له النقابيون من قبل رابطات حماية الثورة المحسوبة على حركة النهضة. في حين يرى قادة الحركة أن رابطات حماية الثورة هي «ثمرة من ثمرات الثورة» وهي تعمل بمعزل عن أي طرف سياسي.

وتمسك الطرف النقابي بضرورة تنديد الحكومة بالاعتداء الذي تعرض له مقر الاتحاد العام التونسي للشغل وسط العاصمة التونسية يوم 4 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، ودعا إلى تشكيل لجنة تحقيق في تلك الأحداث يكون الاتحاد العمالي طرف فيها والكشف عن جميع ملابساتها وإعلان نتائجها في مدة لا تزيد على الشهر. كما تمسك بضرورة تثمين دور الاتحاد العمالي في الحوار الاجتماعي ورفع التقرير النهائي حول تلك الأحداث إلى الحكومة ومن بعدها إلى القضاء خاصة ما تعلق منها بحل رابطات حماية الثورة.

وفي رد فعل رسمي حول الاتفاق بين الحكومة والاتحاد العمالي، صرح لطفي زيتون المستشار السياسي للحكومة التونسية لـ«الشرق الأوسط» بأن القوتين الرئيسيتين في تونس ممثلة في حركة النهضة والاتحاد العام التونسي للشغل نجحتا في تجنب كارثة محققة لو تم تنفيذ الإضراب العام في مثل الظروف السياسية والاجتماعية الهشة التي تمر بها البلاد. وقال إن الإضراب العام لا يختلف في استعمالاته عن «الأسلحة النووية» التي تبقى موجهة في كل الحالات إلى الردع بدل الاستعمال الفعلي لأن اللجوء إلى الإضراب كما السلاح النووي يعود بالوبال على كل الأطراف دون استثناء. ولهذه الأسباب، يضيف زيتون، تغلب صوت العقل على المفاوضات بين الحكومة والاتحاد العمالي باعتبار أن النجاح جماعي تماما كما هو حال الفشل. ودعا زيتون جميع الأطراف السياسية بعد وصول العلاقات على شفير الهاوية إلى الإسراع باستكمال المرحلة الانتقالية حتى يتحقق الاستقرار لمؤسسات البلاد.

وبشأن الضمانات التي تقطع الطريق أمام التوتر السياسي من جديد سواء بين الحكومة والاتحاد أو بين الأطراف السياسية المتباينة، اعتبر المستشار السياسي لرئيس الحكومة التونسية، أن الأمر متعلق بدرجة مختلف الأطياف السياسية بحساسية المرحلة ودقتها وخطورتها في الوقت نفسه. وأضاف أن وصول العلاقات إلى مرحلة كتم الأنفاس قد يكون دافعا فعليا إلى فتح شراكة حقيقية بين الحكومة والاتحاد العمالي وسائر الأطراف السياسية من أجل إنجاح الثورة التونسية.

من ناحية أخرى، وفي إطار المساعي الهادفة إلى مزيد انفراج المشهد السياسي، كشف لطفي زيتون عن وجود اتفاق بين أحزاب الائتلاف الثلاثي الحاكم (حركة النهضة وحزبي المؤتمر والتكتل) على التعجيل بإصلاحات داخل الحكومة.

وفي ذات السياق صرح راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة أمس في حوار نشرته جريدة «الصباح» التونسية، أمس، بأن مجموعة من الملفات لا تزال مؤجلة من بينها صياغة الدستور والتحوير الوزاري وقال إن أول جلسة للحكومة بعد الفراغ من مسالة الإضراب العام سيكون على جدول أعمالها موضوع التحوير. وأضاف أن حركة النهضة لم تتخذ بعد قرارا في الوزراء الممكن دعوتهم لمهام أخرى وهي من حيث المبدأ تدعم إمكانية التحوير الوزاري.

وكان الغنوشي قد وعد التونسيين بإجراء تحوير وزاري بمجرد الانتهاء من أشغال المؤتمر التاسع لحركة النهضة الذي احتضنته تونس خلال الفترة المتراوحة بين 12 و16يوليو (تموز) 2012. إلا أن عملية التحوير الوزاري لم تتم بسبب مشاكل سياسية واجتماعية قال إنها تؤجل التحوير وتعطي الأولوية لتناول تلك المشاكل المستعجلة على حد قوله.

وفي مجال ضبط الأمن على الحدود بين تونس والجزائر، لا تزال قوات عسكرية تشمل طائرات ودبابات وكلابا مدربة في تعقب المجموعة المسلحة التي فتحت النار على قوات الأمن الحدودي التونسي وأسفرت عن وفاة وكيل في سلك الحرس الوطني التونسي. وذكرت مصادر عسكرية تونسية لوسائل إعلام محلية أن المجموعة قد تكون اجتازت الحدود نحو الجزائر وعللت هذا التخمين بإعلان قوات الدرك الجزائري عن قتل إرهابي يوم أمس على مستوى المنطقة «بوشبكة» التونسية التي تم عندها اكتشاف المجموعة المسلحة. كما أعلن الجانب الجزائري عن إلقاء القبض على عنصر آخر بحوزته قطعة سلاح دون ذخيرة. وتنسق قوات الأمن التونسية مع نظيرتها الجزائرية للقبض على المجموعة المسلحة والكشف عن مخططاتها وتحديد هويتها وأعدادها التي لا تزال متضاربة.