أوباما يعترف بائتلاف المعارضة السورية رغم «عدم ارتياحه» لوجود تيارات إسلامية متشددة فيه

محللون يتساءلون: هل تسير إدارة أوباما في نفس مسار الأزمة الليبية نحو حل عسكري في سوريا

TT

سجل الائتلاف الوطني السوري انتصارا كبيرا عندما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما مساء الثلاثاء دعم الولايات المتحدة رسميا للائتلاف باعتباره الممثل الشرعي للمعارضة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد. وجاء الاعتراف الأميركي بالائتلاف، بعد ساعات من إعلان إدارته إدراج جبهة النصرة السورية على لائحة المنظمات الإرهابية. وفسر المحللون ذلك أنه خطوة للتفريق بين الجماعات المتطرفة التي تتبنى أفكارا راديكالية متشددة تتعارض مع مبادئ الديمقراطية، وبين ائتلاف المعارضة السورية الذي يرأسه معاذ الخطيب. لكنه في الوقت نفسه طرح عدة تساؤلات حول رؤية الولايات المتحدة للمعارضة السورية خلال الفترة المقبلة، وهل ستقدم على تسليحها على الرغم من إدراكها لوجود تيارات إسلامية متشددة داخل قوى المعارضة، وهل تصبح الخطوة مقدمة لتدخل عسكري مثلما حدث في التعامل الأميركي مع الملف الليبي. ووجهت واشنطن أمس دعوة للخطيب لزيارتها في اقرب وقت ممكن لتوثيق العلاقات.

وقد وصف أوباما الاعتراف الأميركي بائتلاف المعارضة السورية بأنه خطوة كبيرة، وقال في مقابلة أذاعتها شبكة «آيه بي سي» الأميركية لقد اتخذت قرارا بأن ائتلاف المعارضة السورية أصبح شاملا بما يكفي، ويعكس ويمثل بدرجة كافية الشعب السوري، ولذا نحن نعتبره الممثل الشرعي للشعب السوري في مواجهة نظام الأسد. وأكد الرئيس الأميركي أن الاعتراف بالائتلاف يأتي معه مسؤوليات مؤكدا أنه «يتوجب على الائتلاف التأكد من أنه ينظم نفسه بشكل فعال ويمثل كل الأطراف ويلزم نفسه بعملية انتقال سياسي تحترم حقوق المرأة والأقليات».

وأبدى أوباما «عدم راحة» من التيارات الإسلامية المتشددة داخل قوى المعارضة السورية، وقال - دون أن يشير إلى جبهة النصرة ليس الجميع المشارك على الأرض في القتال ضد الأسد، من الناس الذين نحن مرتاحون للتعامل معهم. وأضاف، هناك البعض لديهم أجندة أعمال متطرفة ومعادية للولايات المتحدة ونحن ذاهبون للتمييز بين تلك العناصر.

وتعتبر الخارجية الأميركية جبهة النصرة - التي تدعو لإقامة دولة إسلامية في سوريا - منظمة تابعة لتنظيم القاعدة في العراق. وأوضحت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند «أن جبهة النصرة حاولت تصوير نفسها على أنها جزء من المعارضة السورية المشروعة، لكنها في الواقع محاولة من جانب تنظيم القاعدة في العراق لخطف نضال الشعب السوري لتحقيق أغراضها الخبيثة» لكن الرئيس أوباما لم يبد أي إشارة لإمكانية الاعتراف السياسي والقانوني بالائتلاف المعارضة السورية، أو إمكانية التفكير في تسليحها، أو اتخاذ نفس الطريق الذي اتخذه مع المجلس الوطني الليبي بعد الاعتراف به، وهو مسار الحشد الدولي لحملة عسكرية. وهو ما طالب به المتحدث باسم الائتلاف الوطني السوري وليد البني وقال، الاعتراف الأميركي لطيف، لكننا بحاجة إلي دعم حقيقي، مشيرا إلى الدعم العسكري وتوفير السلاح.

وقد رفضت الولايات المتحدة بحزم تسليح المعارضة السورية خوفا من سقوط الأسلحة في أيدي الجماعات الجهادية المناهضة للولايات المتحدة وتعتقد واشنطن ولندن، إضافة إلى عدد من الدول الأوروبية أن هناك الكثير من العناصر التابعة للمنظمات الإرهابية تقاتل جنبا إلى جنب مع المتمردين السوريين ومن بينها جبهة النصرة. وقال مسؤول أميركي كبير «إن إدراج جبهة النصرة على قائمة المنظمات الإرهابية تعطي إشارة للدول الأخرى المعنية بمساعدة المعارضة السورية أن تحمل على مأخذ الجد مخاوفنا بشأن جبهة النصرة ونفوذها المتزايد في سوريا. وأوضح أن إدراجها على القائمة السوداء لن يؤدي إلي تقليص نشاطها في سوريا بشكل سريع، لكنه يعطي إشارة مهمة للمعارضة السورية والدول الخليجية المساندة للمعارضة بأن جبهة النصرة ينبغي ألا تلعب دورا في الانتقال السياسي في سوريا. بعض المحللين قارن بين الاعتراف الأميركي بالمجلس الوطني الليبي أثناء الأزمة الليبية وما تبعه من خطوات أميركية، وبين تلك الخطوة للاعتراف بائتلاف المعارضة السورية. وقد أشارت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند إلى تلك المقارنة بين اللازمة السورية والأزمة الليبية، وقالت: أود أن أذكر لكم كيف كان الوضع في ليبيا، حيث كنا قادرين على اتخاذ خطوات تدريجية واتخذنا خطوات مع المعارضة الليبية وعملنا معهم وسرنا قدما في الطريق الذي تعاملنا معهم سياسيا. وتشير تلك التصريحات إلى انتقال اعتراف أميركا بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي من كونه «ممثلا شرعيا» إلى الممثل الشرعي للشعب الليبي، ثم قام بفتح مكتب له في واشنطن، وفي المقابل أرسلت واشنطن سفيرها كريس ستيفنز مبعوثا إلى بنغازي. كما فتحت تلك الخطوة الأميركية الباب أمام قادة ليبيا الجديدة للوصول إلى مليارات الدولارات من الأصول المجمدة في المصارف الأميركية التي تنتمي لنظام القذافي.

ويبقي السؤال إذا ما يمكن للمعارضة السورية إقامة مكتب اتصال في واشنطن كما فعل الليبيون، كما أنه ليس من المرجح – بالنظر إلى مستوى العنف في سوريا وتهديدات الأسلحة الكيماوية – أن تقوم الولايات المتحدة بإرسال ممثل أميركي إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

ويشير محللون إلى أن الاعتراف بالائتلاف السوري لا يقدم فقط دعما معنويا للمعارضة السورية بل يرسل أيضا رسالة قوية إلى الرئيس بشار الأسد أن الولايات المتحدة مستعدة لتصبح «عدوا» صريحا ومباشرا له.

ويقول مسؤولون بالإدارة الأميركية إن هذه الخطوة تمهد الطريق لمزيد من الدعم الأميركي للمعارضة السورية التي تسعى للإطاحة بالأسد، وأوضح مسؤول أميركي في مؤتمر صحافي عبر الهاتف الأربعاء، أن المقصود هو فضح جبهة النصرة وتوضيح أن فكرهم ليس له دور في مرحلة ما بعد الأسد في سوريا.

الى ذلك انتقدت موسكو قرار واشنطن حول الاعتراف بالائتلاف الوطني السوري واعتبرته «رهانا على الانتصار العسكري لقوى المعارضة». وقال سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية أمس في ختام مباحثاته مع نظيره السلوفاكي ميروسلاف لايتشيك أمس: «إن اعتراف واشنطن بالائتلاف السوري المعارض يخالف اتفاقات جنيف». وكشف وزير الخارجية الروسية عن أنه فوجئ بالأنباء التي تقول إن الولايات المتحدة اعترفت على لسان رئيسها بالائتلاف الوطني ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري.