الجزائر وباريس تستعدان لطي صفحة الماضي

خلال أول زيارة للرئيس الفرنسي لبلد عربي.. والتوقيع على 15 اتفاقا وإعلان سياسي مشترك

TT

في أول زيارة دولة إلى بلد عربي منذ انتخابه رئيسا للجمهورية في شهر مايو (أيار) الماضي، اختار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الجزائر ليحط فيها رحاله مصحوبا بوفد كبير من الوزراء: الخارجية والداخلية والاقتصاد والصناعة والزراعة والتجارة الخارجية والفرانكفونية، وبعدد مهم من النواب ورجال الأعمال وشخصيات من المجتمع المدني ما يضفي على الزيارة طابعا استثنائيا فضلا عن أنها تأتي بمناسبة الذكرى الخمسين لإعلان استقلال الجزائر عن فرنسا.

ويمضي الرئيس الفرنسي يومي 19 و20 الجاري في الجزائر ما بين العاصمة ومدينة تلمسان. ولقد أعد له برنامج حافل يتضمن لقاء مغلقا وآخر موسعا مع نظيره الجزائري وخطابا أمام المجلسين التشريعيين وكلمة أمام رجال أعمال فرنسيين وجزائريين فضلا عن خطاب في جامعة تلمسان التي ستمنحه رتبة دكتوراه فخرية ولقاء مع ممثلي المجتمع المدني الجزائري.

وقالت مصادر الإليزيه أمس في معرض تقديمها للزيارة الثالثة من نوعها منذ استقلال الجزائر، إن هناك «توقعات كبيرة» منتظرة منها وأن الطرفين راغبان في إعادة إطلاق تعاونهما الثنائي رغم المرحلة المتقدمة التي وصل إليها. ومن أسباب الاختلاف التقليدية بين باريس والجزائر موقف فرنسا التقليدي الداعم للمغرب في موضوع الصحراء الغربية ولخطة الإدارة الذاتية التي عرضتها الرباط على الأمم المتحدة. وقالت مصادر الإليزيه إن الطرفين الفرنسي والجزائري اللذين تربطهما علاقات صداقة وثيقة «ليسا مضطرين لأن يكونا متفقين على كل شيء» ما يعني أن كل طرف يمكن أن يبقى على موقفه وأن موضوع الصحراء لن يحول دون قيام علاقات جيدة بينهما.

وذكرت مصادر دبلوماسية غربية بالعاصمة الجزائرية، لـ«الشرق الأوسط» أن اتفاقا تم بين الجزائر وفرنسا على أن الجزائريين «اقتنعوا بأن مطلب الاعتذار عن جرائم الاستعمار لا يمكن أن يتحقق وأن الأفضل لبلدهم أن يقيموا شراكة اقتصادية مع فرنسا تقوم على اقتسام الفوائد». ومع ذلك يترقب الجزائريون خطوة جريئة من جانب هولاند كأن يدين الاستعمار الفرنسي صراحة. ويطمحون في أن يتم ذلك في أحد الخطابين اللذين سيلقيهما، أحدهما يوم 19 من الشهر أمام البرلمان الجزائري، والثاني في اليوم التالي في جامعة تلمسان وهي المنطقة التي يتحدر منها بوتفليقة ولم يقع الاختيار على تلمسان لإلقاء كلمة اعتباطا. ولا تقلل المصادر الفرنسية من أهمية «نزاع الذاكرة» بين الجزائر وفرنسا. غير أنها تشير إلى أن الرئيس هولاند «واع تماما» لهذا الجانب وأنه سبق له أن قام قبل انتخابه وبعده ببادرات تدلل على ذلك وأهمها كلامه حول «اعتراف الجمهورية الفرنسية بالمأساة» التي كان الجزائريون ضحاياها في 17 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1961 عندما قل منهم العشرات بسبب نزولهم إلى الشارع للمطالبة باستقلال الجزائر. وقالت المصادر الفرنسية إنها «أول مرة» يخطو فيها رئيس فرنسي مثل هذه الخطوة. وبحسب باريس، فإن هولاند «لا يسعى لتحاشي المسائل» الصعبة ومنها مسؤولية فرنسا وموضوع الذاكرة بل إنه يسعى لتكون العلاقات الفرنسية - الجزائرية «متجهة صوب المستقبل وليس حبيسة مناقشات لا نهاية لها حول الماضي». وباختصار، فإن هولاند يريد إبراز «وعيه للماضي وثقته بالمستقبل». ونفت مصادر الإليزيه أن يكون الطرف الجزائري يطالب بأن تقدم باريس اعتذارا أو أنها تطلب الغفران على ما حصل في الماضي. ويريد هولاند أن يقترح على الرئيس الجزائري «شراكة من الند إلى الند». وقبل توجهه إلى الجزائر، تشاور الرئيس الفرنسي مع الكثير من الباحثين والجامعيين والمثقفين طالبا المشورة والنصح.

وحول العلاقات الثنائية، ذكر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في حوار مع وكالة الصحافة الفرنسية نشر أول من أمس: «إننا نتقاسم مع فرنسا الكثير من المكتسبات والأوراق الرابحة ونرغب في رفع تحدي بناء شراكة تصمد أمام العوارض وتتجاوز العلاقات التجارية التي يختصر فيها كل طرف الطرف الآخر إلى مجرد سوق لتسويق منتوجاته». وأضاف: «إن ما تنتظره الجزائر من فرنسا، هو المرافقة في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، وهي ورشة واسعة يجري التكفل بها حاليا وتحتاج إلى تحسين تكوين العنصر البشري وإلى النقل الحقيقي للتكنولوجيا وإلى شراكة مربحة للطرفين في المنظومة الإنتاجية».

وسيتم خلال الزيارة التوقيع على نحو 15 اتفاقا ثنائيا في القطاعات الصناعية والثقافية والعلمية والتكنولوجية والمعلوماتية والإدارية والدفاعية والغاز والطاقة. وتمثل الجزائر شريكا مهما لفرنسا اقتصاديا وتجاريا. وتوفر الجزائر 12% من حاجات فرنسا من الغاز الطبيعي. وتأمل باريس، وفق ما قالت مصادرها، أن تعود شريكا للجزائر في هذا القطاع (بيع المعدات والأنظمة العسكرية) بعد فترة من الانقطاع بدأت واستمرت مع الحرب الأهلية التي عرفتها الجزائر. وتعتبر فرنسا أن ثمة فرصا للتعاون في القطاعين البحري والطوافات العسكرية.