كوريا الشمالية تطلق صاروخها بنجاح بعد «تضليل» العالم حول التوقيت

مجلس الأمن يدين.. وأميركا وحلفاؤها يرفضون «الاستفزاز».. وطهران تهنئ بيونغ يانغ

كوريون شماليون يرقصون احتفالا بإطلاق الصاروخ في بيونغ يانغ، أمس (رويترز)
TT

أدان أعضاء مجلس الأمن الدولي بمن فيهم الولايات المتحدة والصين، قيام كوريا الشمالية أمس بإطلاق صاروخ طويل المدى رغم الحظر المفروض عليها، وحذروا من اتخاذ المزيد من الخطوات. وجاء في البيان الذي تلاه سفير المغرب في الأمم المتحدة رئيس المجلس لشهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي محمد لوليشكي أن «أعضاء مجلس الأمن الدولي دانوا هذا الإطلاق الذي يعتبر انتهاكا واضحا لقرارات مجلس الأمن الدولي 1718 و1874».

وكانت كوريا الشمالية قد أطلقت الصاروخ إلى الفضاء محققة بذلك «اختراقا» تكنولوجيا وتمكنت من «تضليل» المجتمع الدولي حول توقيت العملية. وأعلنت مذيعة على التلفزيون الرسمي أن «إطلاق النسخة الثانية من قمرنا الاصطناعي كوانغ ميونغ سون 3 من مركز سوهاي الفضائي قد تم بنجاح، ووضع القمر الاصطناعي في المدار كما كان مقررا». وأشادت وكالة الأنباء الكورية الشمالية بـ«الاختراق» التكنولوجي والاقتصادي للبلاد والذي تم لأهداف «سلمية». وأكدت قيادة الدفاع الجوي لشمال أميركا أن كوريا الشمالية نجحت على ما يبدو في وضع «جسم» في المدار إثر إطلاق «صاروخ». وهذا النجاح يعد سابقة لكوريا الشمالية التي تزعم أنها تملك صواريخ باليستية عابرة للقارات قادرة على بلوغ القارة الأميركية، إلا أن محاولات الإطلاق الثلاث الأولى انتهت بالفشل.

وبعد إطلاق الصاروخ، أكدت كوريا الشمالية «حقها الشرعي» في إطلاق صواريخ لأغراض مدنية وقالت: إنها ستواصل برنامجها الفضائي رغم عقوبات مجلس الأمن الدولي. وقال ناطق باسم وزارة الخارجية بعيد إطلاق الصاروخ: «لا يهم ما يقوله الآخرون، سنواصل حقنا الشرعي في إطلاق أقمار صناعية».

وفي رد فعل أول، نددت الولايات المتحدة التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع كوريا الشمالية بعملية الإطلاق معتبرا أنها «استفزاز شديد». وصرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي تومي فيتور في بيان «إنه استفزاز شديد يهدد الأمن الإقليمي وينتهك بشكل مباشر قراري مجلس الأمن الدولي 1718 و1874 ويقوض نظام منع انتشار الأسلحة النووية». من جهته، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن «قلقه للسلام والاستقرار في المنطقة» بعد العملية التي اعتبرها «انتهاكا فاضحا» لقرارات الأمم المتحدة.

وبعد أن نددت الصين ضمنا أمس بإطلاق الصاروخ، أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، هونغ لي، «عن الأسف لإطلاق كوريا الشمالية الصاروخ، وذلك رغم المخاوف الكبيرة للأسرة الدولية».

ودعت الصين حليفتها كوريا الشمالية إلى «احترام قرارات» الأمم المتحدة، إلا أن وكالة أنباء الصين الجديدة استنكرت بشدة «الخطوات والتصريحات الحربية» الصادرة من جهات عدة، ودافعت عن حق بيونغ يانغ في اكتشاف الفضاء. وفي المقابل، نددت اليابان بالعمل «الذي لا يمكن السكوت عنه»، بينما استنكرت كوريا الجنوبية «بشدة» عملية الإطلاق، منددة بـ«استفزازات» الشمال. كما استنكرت بريطانيا الإطلاق «بشدة»، وأعرب وزير الخارجية ويليام هيغ عن «الأسف لأن كوريا الشمالية فضلت إعطاء الأولوية لعملية الإطلاق وليس لتحسين ظروف حياة المواطنين».

وأعربت روسيا عن «أسفها الشديد» لعملية الإطلاق التي «لن تساهم في تعزيز الاستقرار وسيكون لها تأثير سلبي» على الوضع في المنطقة. كما ندد الحلف الأطلسي «بشدة» بإطلاق الصاروخ، الذي اعتبره الأمين العام للحلف، آندريه فوغ راسموسن، في بيان، «انتهاكا مباشرا للقرارين 1718 و1874... ومن شأنه تصعيد التوتر في المنطقة وزعزعة الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية».

ولوح الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات جديدة على بيونغ يانغ. وصرحت وزيرة خارجية الاتحاد، كاثرين أشتون، في بيان، بأن «الاتحاد الأوروبي سينظر في رد مناسب، بالتشاور مع شركائه الأساسيين مع الالتزام بمشاورات مجلس الأمن الدولي، خصوصا لجهة فرض عقوبات جديدة إضافية». أما الهند، فأعربت عن «قلقها» من إطلاق الصاروخ «الذي يؤثر على السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية».

ومن جهتها، هنأت طهران كوريا الشمالية بعد نجاح عملية إطلاق الصاروخ. وقال مساعد رئيس أركان القوات المسلحة، الجنرال مسعود جزائري، لـ«وكالة أنباء فارس»، إن إيران «تهنئ شعب وحكومة» كوريا الشمالية على «عملية إطلاق ناجحة لصاروخ ينقل قمرا اصطناعيا»، مضيفا أن «الخبرة تظهر أنه من خلال المقاومة يمكن للدول المستقلة أن تتجه بسرعة إلى الاستقلال التكنولوجي. والدول المهيمنة مثل الولايات المتحدة عاجزة عن وقف تقدم هذه البلدان».

وتواجه كوريا الشمالية إمكان تشديد العقوبات الدولية المفروضة عليها، إلا أن الصين هددت بشكل واضح بأنها ستلجأ إلى حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي للحد من نطاق تلك العقوبات.

وأطلق الصاروخ عند الساعة 9.49 دقيقة صباحا من مركز سوهاي (شمال غربي كوريا الشمالية)، بحسب وكالة الأنباء الكورية الشمالية. وأشارت اليابان وكوريا الجنوبية إلى أن الطبقتين الأوليين من صاروخ الإطلاق (أونها – 3) سقطتا في البحر قبالة شواطئ شبه الجزيرة الكورية، بينما سقطت الثالثة قبالة سواحل الفلبين. وأضاف البلدان أن صاروخ الإطلاق هو من طراز (تايبودونغ 2) الذي يتراوح مداه بين 6 و9 آلاف كلم.

وكان لافتا أن توقيت إطلاق الصاروخ أمس حمل الكثير من عناصر المفاجأة، فقد كانت وسائل الإعلام الكورية الجنوبية أوردت الثلاثاء أن بيونغ يانغ تواجه صعوبات مثل إشعال فتيل الإطلاق، وذلك بالاستناد إلى صور بالأقمار الاصطناعية عرضت على محللين عسكريين ودبلوماسيين. والأسوأ من ذلك أن وكالة الأنباء الكورية الجنوبية (يونهاب) ذكرت أن صاروخ الإطلاق من طراز (أونها 3)، المؤلف من ثلاث طبقات، تم إنزاله وأعيد إلى مركز التجميع. ولم تورد شبكات التلفزة والإذاعة التي نقلت عنها كل وسائل الإعلام في العالم أي معلومات أخرى، حتى إن بعضها لمح إلى إمكان تفكيك الصاروخ.

وقال يانغ مو جي، الأستاذ في جامعة الدراسات الكورية الشمالية في سيول: «من الصعب طبعا التكهن بما يحصل على منصة الإطلاق من خلال الاطلاع فقط على صور بالأقمار الاصطناعية. لكن، ما الخيار الثاني للعالم؟». لكن يبدو أن النظام الشيوعي قام بالتضليل عمدا، فقد قرر الاثنين تمديد المهلة لأسبوع حتى 29 ديسمبر (كانون الأول) بعد أن كانت بين 10 و22 منه، لإجراء تصليحات.

وقبل بضع ساعات على إشعال فتيل الإطلاق، اعتبر المعهد الأميركي الكوري في جامعة جونز هوبكنز، استنادا إلى صور بالأقمار الاصطناعية، أن الإطلاق لن يتم على الأرجح قبل عشرة أيام. وأقر المعهد، في بيان نشر على موقعه «38 نورث»، أمس، بـ«أننا افترضنا أن الطبقة الأولى من الصاروخ ستنقل إلى مركز التجميع لإجراء أعمال تصليح. من الواضح أن الأمر لم يكن كذلك، لكن لا يمكننا أن نفسر ذلك بعد».

ومع أن الولايات المتحدة هي القوة العسكرية الأولى في العالم، لكنها لا تملك على ما يبدو وسيلة لاختراق الستار الحديدي في كوريا الشمالية. وقال يانغ مو جين: «إنها الدولة الأكثر انغلاقا في العالم، وسيظل بإمكانها أن تفاجئنا على هذا النحو ما دام الشمال معزولا عن الأسرة الدولية، والعلاقات الحدودية (بين الكوريتين) لا تزال باردة».

وأطلقت كوريا الشمالية صاروخها أمس بعد ثلاث محاولات فاشلة، في يوليو (تموز) 2006، ثم في أبريل (نيسان) 2009، وفي أبريل 2012. واعتبر ماساو أوكونجي، الأستاذ الفخري في جامعة كيو باليابان، أن بيونغ يانغ باتت تملك «التكنولوجيا اللازمة لتوجيه رأس نووي إلى هدف محدد». وصرح أوكونجي بأن «كوريا الشمالية تمثل الآن تهديدا لجيرانها وأيضا تهديدا فعليا للولايات المتحدة».

ويتهم الغرب وحلفاؤه بيونغ يانغ بحيازة عدة قنابل ذرية وبإجراء تجارب نووية من أجل التوصل إلى تصغير حجمها بهدف تثبيتها على الصواريخ. وتدعي كوريا الشمالية في الدستور الجديد الذي نشر في مايو (أيار) الماضي أنها قوة نووية، إلا أن الخبراء يستبعدون أن تملك قوة باليستية يمكن الوثوق بها، وأن امتلاكها لقوة نووية يمكن تثبيتها على صواريخ عابرة للقارات لا يزال يتطلب وقتا طويلا.