الخارجية الأميركية تدين استخدام سوريا لصواريخ سكود وتحذر من «قنبلة البرميل الحارقة»

حلف الناتو يشير إلى قرب سقوط النظام ونواب بالكونغرس يحذرون من استعداد الأسد لاستخدام أسلحته الكيماوية

TT

أكد مسؤول أميركي كبير أن الأقمار الصناعية العسكرية الأميركية رصدت قيام القوات السورية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد بإطلاق ستة صواريخ سكود قصيرة المدى يوم الاثنين الماضي، من قاعدة الناصرية الجوية في شمال دمشق. وكان الهدف هو ضرب قاعدة الشيخ سليمان شمال حلب التي احتلتها قوات المعارضة. وأوضح أن صواريخ سكود حملت رؤوسا حربية تقليدية ولم تستخدم غاز السارين المميت في تلك الضربات.

وأشار المسؤول الأميركي - الذي رفض نشر اسمه أو منصبه - في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» - إلى أن حكومة الأسد تملك ما يصل إلى 400 صاروخ سكود قصيرة ومتوسطة المدى (طراز D - 700 يصل مداها إلى 440 ميلا) وأوضح أن اللواء السوري الذي يتحكم ويدير تلك الصواريخ هو فريق من العلويين المقربين للرئيس الأسد، وقال «هناك حساسية عالية حول هذا السلاح لذا يحتفظ به الأسد في يد أعوانه الذين يثق فيهم بشكل كبير».

وشدد المسؤول الأميركي على أن «تحركات الحكومة السورية لاستخدام مثل هذه الصواريخ - التي يمكن تحميل أسلحة كيماوية عليها - تدل على تصعيد جديد في الحرب المستمرة منذ عشرين شهرا، وسيكون لها تأثير واسع النطاق على دول الجوار».

من ناحية أخرى، حذر نواب الكونغرس الأميركي من أن الأسلحة الكيماوية في سوريا في وضع يمكن استخدامها بمجرد إشعار فوري، مطالبين المجتمع الدولي بألا يقبل أي تأكيدات من المسؤولين السوريين بأنه لن يتم استخدام هذه الأسلحة.

وقال النائب الجمهوري مايك روجرز رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي «إن أنشطة الحكومة السورية المتعلقة بالأسلحة الكيماوية شهدت تحولا في وضع هذه الأسلحة وهي مبعث قلق بالغ». وأضاف لوكالة رويترز «أعتقد أنهم وضعوا عناصر برنامجهم للأسلحة الكيماوية في حالة يمكن فيها استخدامها بمجرد إشعار فوري وهو ما يختلف كثيرا عما كان عليه الوضع من قبل». وطالب روجرز المجتمع الدولي بألا يقبل تأكيدات المسؤولين السوريين أنهم لن يستخدموا الأسلحة الكيماوية، وقال «هذا نظام يزداد يأسا كل يوم، ومن المؤكد أنهم وضعوا عناصر برنامجهم للأسلحة الكيماوية في وضع مهيأ للاستخدام، وهذا أمر يبعث على قلقنا جميعا».

وأشار النائب الجمهوري إلى تصريحات مسؤولين أميركيين أن قوات الأسد أطلقت صواريخ ذاتية الدفع من طراز سكود سوفياتية الصنع على مقاتلي المعارضة، وقال «الأنباء عن استخدام أسلحة من طراز سكود، وتغيير وضع الأسلحة الكيماوية، تنبئ بأن حكومة الأسد وصلت إلى حالة من اليأس، ولن يكون غريبا على نظام يائس يمتلك بعض أنظمة السلاح المتطورة، أن يستخدم ما لديه».

وقد عاد روجرز قبل وقت قريب من زيارة للبحرين والسعودية حيث ناقش مسألة سوريا وقضايا أمنية أخرى مع المسؤولين. وقال إن مسؤولي الجامعة العربية يريدون أن يروا دورا أكبر للولايات المتحدة في الأزمة السورية واستدرك بقوله إنه لا يشير إلى عمل عسكري. وقال روجرز «الولايات المتحدة لديها قدرات فريدة للتعامل مع هذه الأسلحة» وذلك في إشارة إلى الأسلحة الكيماوية السورية. ولم يسهب في وصف هذه القدرات.

وقال «إني لمست شعورا بخيبة أمل حقيقية لدى شركائنا في الجامعة العربية وخيبة أمل في الولايات المتحدة. وأعتقد أنه يجب علينا أن نعزز دورنا ولا أقصد دورا عسكريا إنما أتحدث عن النفوذ الأميركي والقيادة الأميركية وطرح القدرات الفريدة التي تملكها الولايات المتحدة فحسب على مائدة البحث في هذه المناقشات».

وأضاف «مرة أخرى لا يعني ذلك إرسال جنود على الأرض. لكنه يعني أن لدينا قدرات فريدة يجب على الأقل أن نعرضها في إطار المناقشات بشأن سبل منع استخدام هذا الأسلحة الكيماوية والأزمة الإنسانية في المنطقة التي ستنشأ في اعتقادي عند استخدامها».

وطالب السيناتور الجمهوري جون ماكين إدارة أوباما بالرد على التهديدات والمخاوف من استخدام الأسلحة الكيماوية لدى نظام الأسد بيد من حديد، وقيادة المجتمع الدولي لإنهاء الأزمة السورية. وقال ماكين «الكثير يريدون من الولايات المتحدة أن تتدخل بشكل أكبر، ولا يحصلون على الدعم الكافي من الولايات المتحدة كما يرغبون». وانتقد ماكين ما سماه عجز الولايات المتحدة عن القيادة في مواجهة وحشية الأسد وقال «كل ما تم التحذير منه - إذا لم تتدخل الولايات المتحدة - حدث بالفعل، يتزايد الصراع الطائفي ويتنامى التشدد الديني وتنهار الدولة، والآن نواجه شبح الأسلحة الكيماوية والبيولوجية».

وفي وقت سابق أمس قال مسؤول أميركي كبير إن قوات الرئيس السوري بشار الأسد أطلقت صواريخ سكود على مقاتلي المعارضة في خطوة ينظر إليها على أنها تصعيد في مساعي الأسد للاحتفاظ بالسلطة. وقال مسؤولون أميركيون إنهم لا يعلمون بأي حالات سابقة استخدمت فيها قوات الأسد صواريخ سكود خلال الانتفاضة المستمرة منذ 20 شهرا وقتل فيها أكثر من 40 ألف شخص.

وأدانت وزارة الخارجية الأميركية التحركات التي يقوم بها الأسد واستخدام صواريخ سكود وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند «النظام( السوري) أصبح أكثر يأسا ونرى أنه يلجأ الآن إلى زيادة الفتك واستخدام أسلحة أكثر شراسة»، وأضافت: «المسؤولون الأميركيون يشعرون بالقلق من سلاح آخر معروف باسم (قنبلة برميل) وهي قنبلة حارقة تحتوي على مواد قابلة الاشتعال، بدأ النظام في استخدامها الأسبوع الماضي». وقالت «إنها تحتوي على نوع من المواد مثل النابالم وهي قنابل لا تميز المدنيين وتشكل قلقا شديدا جدا جدا وتدل على يأس النظام ووحشيته».

وفي بروكسل، قال مسؤول بحلف شمال الأطلسي اشترط عدم نشر اسمه إن عددا من الصواريخ الذاتية الدفع القصيرة المدى (من نوع سكود) أطلق داخل سوريا في الأيام الأخيرة. وقال المسؤول «رصدت أجهزة المخابرات والمراقبة والاستطلاع في الحلف إطلاق عدد من الصواريخ القصيرة المدى غير الموجهة داخل سوريا هذا الأسبوع.. وتشير مسارات المقذوفات والمسافات التي قطعتها إلى أنها صواريخ من نوع سكود».

وأوضح المحلل العسكري توماس هولاهان بمركز الأمن والعلوم أن الأسلحة هي على الأرجح صواريخ هواسونج 6 المصنوعة في كوريا الشمالية وهي نسخة محسنة من الصواريخ سكود السوفياتية الأصل.

وأضاف هولاهان في إشارة إلى كوريا الشمالية «فيما يتعلق بالصواريخ الميدانية قصيرة المدى فإنها تنتج صاروخا جيدا بدرجة مقبولة وبسبب حاجة كوريا الشمالية الدائمة للعملة الصعبة فيمكنها أن تبيعها مقابل سعر رخيص إلى حد ما. لذلك فقد نقلوا الكثير من الصواريخ وانتهى الحال بحصول سوريا على عدد كبير منها».

ومضى يقول إن الصاروخ هواسونج 6 أكثر دقة من سكود الأصلي ويمكنه أن يحمل رأسا حربيا زنة نحو 820 كيلوغراما ومداه نحو 700 كيلومتر. لكنه قال إن استخدام هذا السلاح أثار أسئلة فيما يتعلق بالسبب الذي لا يجعل السوريين يستخدمون قواتهم الجوية بدلا من ذلك وهو خيار أفضل.

وتابع هولاهان «إذا كنت أريد إسقاط 1800 رطل من المتفجرات على شخص ما بدقة مقبولة ولدي قوات جوية ثم لا أفعل.. لماذا لا أستخدم طائرة». وأردف قائلا «إذا رأيت بلدا أو جيشا لديه خيارات أفضل كثيرا لا يستخدمها تبدأ تسأل نفسك عن السبب.. هل هي المشكلة القديمة حيث لا يمكن للمستبدين دائما الثقة في قواتهم الجوية».

من جانب آخر، صرح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرس راسموسن بأنه يعتقد أن حكومة الرئيس بشار الأسد توشك على الانهيار، وقال للصحافيين الخميس بعد اجتماع مع رئيس الوزراء الهولندي مارك روت في بروكسل «أعتقد أن النظام في دمشق يوشك على الانهيار، وأعتقد أنها أصبحت مسألة وقت فحسب».

وأدان راسموسن إقدام القوات السورية على استخدام صواريخ سكود مؤكدا ما صرح به مسؤولون من حلف الأطلسي ومن الولايات المتحدة، وقال «استخدام صواريخ سكود يوضح التجاهل التام لحياة الشعب السوري». وحث أمين عام حلف الأطلسي الحكومة السورية على وقف العنف والبدء في عملية تؤدي إلى تحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري.

ووافق حلف شمال الأطلسي الأسبوع الماضي على إرسال بطاريات من صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ إلى تركيا لتعزيز دفاعاتها الجوية وتهدئة مخاوفها من التعرض لهجوم صاروخي ربما بأسلحة كيماوية من سوريا.

وقال مسؤول حلف الأطلسي إن الصواريخ السورية سقطت في سوريا ولم يصل أي صاروخ إلى الأراضي التركية. وتابع المسؤول قائلا إن الحلف ليس لديه معلومات بشأن الضحايا أو الأضرار التي تسببت فيها تلك الصواريخ.

وردا على سؤال هل يوجد دليل على استخدام سوريا لأسلحة كيماوية؟ قال المسؤول «ليس لدينا معلومات فيما يتعلق بما احتوته رؤوس الصواريخ».

تأتي تلك التطورات في وقت تستعد فيه واشنطن لاستقبال رموز من المعارضة السورية بعد أن أعلن نائب وزيرة الخارجية الأميركية وليام بيرنز - خلال مشاركته بمؤتمر مجموعة أصدقاء سوريا بمراكش - دعوة بلاده لرئيس ائتلاف المعارضة السورية أحمد معاذ الخطيب لزيارة واشنطن. وقالت الخارجية الأميركية إن الزيارة تهدف إلى عقد مشاورات بين المسؤولين الأميركيين وائتلاف المعارضة حول برامج التدريب للشرطة وآليات توفير النظام العام في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية.

كشف منسق الشؤون السياسية والإعلامية في الجيش السوري الحر، لؤي المقداد، لـ«الشرق الأوسط»، عن معلومات، قال إنها «مؤكدة ومن مصادر موثوقة»، أن الرئيس السوري بشار الأسد أعطى «الضوء الأخضر» لاستعمال صواريخ «سكود» متوسطة وبعيدة المدى لقصف المناطق السورية «الخارجة عن السيطرة»، في حين نفى مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية «جملة وتفصيلا الشائعات التي تحدثت عن قيام الجيش السوري باستخدام صواريخ (سكود) في التصدي للمجموعات المسلحة».

وبالتزامن مع تأكيد ضباط منشقين يقاتلون داخل صفوف «الجيش الحر» استخدام القوات النظامية لصواريخ «سكود»، وإشارة «لجان التنسيق المحلية» في سوريا، الاثنين الماضي، إلى أن «قوات النظام أطلقت من منطقة الناصرية صاروخي (سكود) بعيدي المدى، من دون أن يتم تحديد وجهة الصواريخ» - جزم المقداد بأن «النظام السوري أجرى تجارب ناجحة على صواريخ (سكود) متوسطة المدى الأسبوع الماضي».

وأكد المقداد، في معلومات قال إنه استقاها من كبار الضباط في الداخل السوري، أن «وزير الدفاع السوري فهد الفريج عقد مؤخرا اجتماعا مع مدير إدارة المخابرات الجوية جميل الحسن وثلاثين ضابطا من كبار ضباط الدفاع الجوي، أبلغهم خلاله أن القيادة السياسية (الأسد) أعطت الضوء الأخضر لاستعمال صواريخ (سكود) متوسطة وبعيدة المدى». وأكد «صدور أوامر مباشرة بإعادة توجيه منصات الصواريخ في المنطقة الجنوبية (دمشق والسويداء..)، الموجهة في معظمها إلى إسرائيل، باتجاه المناطق الشمالية التي يطلق الأسد عليها تسمية (المناطق الخارجة عن سيطرة النظام)».

وأعلن المقداد، نقلا عن المصادر عينها، أن «إعادة توجيه منصات الصواريخ شملت تلك الموجودة في المناطق الشمالية باتجاه المناطق الجنوبية، انطلاقا من أنها تحتاج لمناطق إطلاق بعيدة، وبالتالي فهو مضطر لاستهداف المناطق الشمالية من الجنوبية واستهداف مناطق الرقة ودير الزور ودرعا من المناطق الشمالية».

وفي موازاة إشارة المقداد إلى أن «وزير الدفاع السوري أكد للمجتمعين حصول الأسد على ضمانات من الدول الحليفة (روسيا وإيران) من أجل إطلاق الصواريخ ولن يكون لذلك أي تبعات» - أشار إلى أن «عددا من الضباط أثاروا خلال الاجتماع نفسه تساؤلات عدة وليس امتعاضا من استخدام الصواريخ نظرا لقدرتها التدميرية، باعتبار أنها قد تبيد مدنا وقرى بأكملها، لكن جميل الحسن (مدير إدارة المخابرات الجوية) كان حازما في إجاباته وإنهاء الحديث بنبرة تهديدية».