البيض في أميركا سيصبحون أقلية بعد نصف قرن

تقرير إحصائي: ثلث الأميركيين سيكونون لاتينيين وثمنهم آسيويين بحلول 2060

صورة أرشيفية لحراس جمارك يراقبون الحدود الدولية للولايات المتحدة في ولاية أريزونا وقت الفجر لمنع تسلل المهاجرين غير القانونيين (أ.ب)
TT

سأل مراسل خلال المؤتمر الصحافي اليومي في وزارة الخارجية الأميركية خلال أحد أيام الأسبوع الماضي: «ما هي السياسة الأميركية تجاه الشركات الصينية التي تحضر آلاف الصينيات الحوامل إلى كاليفورنيا لوضع أطفالهن هناك حتى يصبحوا مواطنين أميركيين تلقائيا». فأجاب المتحدث بأن قانون الهجرة الأميركي لا يمنع ذلك. وبدا واضحا أن المراسل أصيب بخيبة أمل، وقال إنه جمع معلومات عن «أفعال غير قانونية»، وأبدى استغرابه لرد المتحدث. وعندما قال المتحدث: «هذا هو قانوننا»، رد الصحافي: «إنكم تدمرون وطننا».

يعكس هذا التبادل في الأسئلة والأجوبة ظاهرة زيادة المهاجرين الآسيويين، وخصوصا الصينيين، إلى الولايات المتحدة، ويقدم نوعا من التفسير للتقرير الذي أصدره مكتب الإحصاء الأميركي في واشنطن أول من أمس، وكان مفاده أن عدد البيض في أميركا سيصبحون أقلية بعد 50 سنة.

أظهر التقرير تصاعدا في أعداد المنحدرين من أصول لاتينية وآسيوية مما سيغير بشكل جذري شكل الولايات المتحدة. وقال التقرير إنه، بحلول عام 2060، سيشكل غير البيض 57 في المائة من سكان الولايات المتحدة (بمضاعفة عددهم في الوقت الحاضر، والذي يبلغ 116 مليون شخص)، وإن العدد في عام 2060 سيصل إلى 241 مليون شخص (الآن تمثل الأقليات العرقية 37 في المائة من السكان).

وقال التقرير إن أغلب هذا التغيير سيكون سببه استمرار زيادة مواليد الأقليات بمعدل أعلى من مواليد البيض، وإن هذه الزيادة ظهرت بصورة واضحة في بيانات تعداد عام 2010. وحسب التقرير، ففي عام 2060، سيكون واحد من كل ثلاثة من سكان الولايات المتحدة من أصل لاتيني (تبلغ النسبة الحالية واحدا من كل ستة). كما سيصبح واحد من كل ثمانية أميركيين من أصل آسيوي، رغم أن عدد الآسيويين يزيد بنسبة أقل عن زيادة عدد اللاتينيين.

وقال توماس مسنبورغ، مدير مكتب التعداد بالإنابة، في بيان: «ستصبح الولايات المتحدة دولة تعددية. سيظل السكان البيض من غير الأصول اللاتينية أكبر جماعة منفردة. لكن لن تكون هناك مجموعة تمثل أغلبية». وقالت مصادر إخبارية أميركية إن هذا التحول سيستغرق عشرات السنين، لكن التغيرات المتوقعة ستعيد تشكيل أوضاع السياسة العامة، والاقتصاد، وإنفاق المستهلكين، والثقافة. وسيحدث التحول بينما تواجه الولايات المتحدة قضايا مثيرة للجدل عن الهجرة، وزواج المثليين، وإصلاح الرعاية الطبية، والتأمينات الاجتماعية، حسب ما اتضح خلال مناقشات الحملة الانتخابية الأخيرة التي فاز فيها الرئيس باراك أوباما على المرشح الجمهوري ميت رومني.

وقال ستيف مردوك، وهو مدير سابق لمكتب الإحصاء، ويعمل الآن أستاذ علم اجتماع في جامعة رايس (ولاية تكساس)، إنه على الرغم من أن عدد السكان البيض تراجع في عدة ولايات مثل كاليفورنيا وتكساس، فإن التقرير يؤكد أن هذا هو الاتجاه المستقبلي في بقية الولايات. وأضاف: «هذا تنوع منتشر على نطاق واسع بشكل متزايد، وهو لا يقتصر على بضع مناطق».

لكن، أندرو تشرلين، أستاذ علم الاجتماع في جامعة جونز هوبكنز (ولاية ماريلاند)، حذر من أن ما جاء في التقرير ليس سوى «مجرد توقعات، تستند إلى عوامل يمكن أن تتغير». وأضاف: «واضح أن أعداد مجموعات الأقليات ترتفع. لكن لا يمكن أن نتأكد بشكل قطعي متى سنصبح بلد (أغلبية الأقلية). هذا (التقرير) يعطينا فكرة عن الشكل الذي ربما سنبدو عليه لكن لا يمكن أن نكون متأكدين. هذا بعد نصف قرن من الآن».

وفي الوقت نفسه، كشف تقرير آخر أن عدد المهاجرين غير القانونيين (وغالبيتهم من المكسيكيين)، والذي كان وصل إلى ما بين 11 و12 قبل ثلاث سنوات، انخفض، وأن من أسباب ذلك الأوامر التي أصدرها الرئيس أوباما، في ذلك الوقت، بملاحقة المهاجرين غير القانونيين، وخاصة الذين ارتكبوا جرائم.

وقال التقرير الذي أصدرته وزارة الأمن الداخلي إن عدد المهاجرين غير القانونيين ربما انخفض بمقدار نصف مليون شخص خلال السنتين الأخيرتين، وإن من أسباب ذلك ارتفاع البطالة، وتحسن الأوضاع الاقتصادية في المكسيك، وتشديد الأمن عبر الحدود بين البلدين. وقال التقرير: «تظل المكسيك أكبر مصدر للهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة. ويمثل المكسيكيون 60 في المائة من هؤلاء المهاجرين». وقدرت الوزارة عددهم بسبعة ملايين شخص، مشيرة إلى أن هناك ملايين قليلة من غير المهاجرين من المكسيك. ويأتي في المركز الثاني المهاجرون بشكل غير شرعي من السلفادور والذين يعتقد أنهم أكثر من نصف مليون شخص، ثم من غواتيمالا، وبيرو. وقال التقرير إن هناك نحو ثلاثة ملايين مهاجر غير قانوني في ولاية كاليفورنيا، ونحو مليونين في تكساس ومليون في فلوريدا.

وكان الرئيس أوباما أثار جدلا، قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، عندما منح فرصا لأبناء المهاجرين غير القانونيين للبقاء في الولايات المتحدة، والاستفادة من فرص التعليم والعمل والرعاية الاجتماعية والرعاية الصحية. وكان موقف أوباما معاكسا تماما لرومني الذي تبنى موقفا صارما من الهجرة غير الشرعية وأدلى بتصريحات مثيرة، منها رفع شعار «الإبعاد الذاتي». وحذر من أنه في حال فوزه بالرئاسة فإنه سيبعد المهاجرين غير القانونيين واحدا واحدا، ولهذا «يجب أن يغادروا بأنفسهم».

وكانت ولاية ألاباما قد أجازت في بداية السنة الحالية قانونا متشددا ضد المهاجرين غير القانونيين، بأغلبية كبيرة في مجلسي النواب والشيوخ في الولاية اللذين يسيطر عليهما الجمهوريون، مما أثار ضجة كبيرة. لكن قطاع الأعمال في الولاية، وخاصة المزارعين، احتجوا على القانون، وقالوا إنه يتسبب في رحيل كبير للعمال المنحدرين من أصول لاتينية من الولاية، ويؤدي في الأخير إلى نقص في العمالة. واشترك في نقد القانون أساتذة جامعات وخبراء، قالوا إن الأجانب في الولايات المتحدة، وربما في كل دولة، يعملون في أعمال لا يريدها سكان الدولة، وخاصة الزراعة اليدوية، وتنظيف الشوارع والمنازل، والعمل في المطاعم.