المغرب: رحيل مرشد جماعة «العدل والإحسان» شبه المحظورة

العبادي وأرسلان مرشحان لخلافة عبد السلام ياسين.. والقرار بيد «مكتب الإرشاد»

عبد السلام ياسين (أ.ف.ب)
TT

غيب الموت أمس عبد السلام ياسين، المرشد العام لجماعة العدل والإحسان الإسلامية شبه المحظورة، الذي توفي عن سن تناهز الـ87. ونعت الجماعة في بيان صادر عن مكتب الإرشاد (المكتب السياسي) مؤسسها واعتبرته «رجلا من رجالها العظام وعالما من علمائها الأفذاذ»، وسيوارى جثمانه الثرى اليوم (الجمعة) في الرباط.

وفي غضون ذلك، تباينت المعطيات حول الشخصية التي ستخلف ياسين على رأس الجماعة من بين أعضاء مكتب الإرشاد، وعددهم 15 عضوا، بيد أن أبرز المرشحين هما القياديان عبد الله العبادي وفتح الله أرسلان. ويرجح أن يكون ياسين قد حسم في اسم الشخصية التي ستخلفه قبل وفاته، تفاديا لحدوث رجة داخل الجماعة التي ظلت تتعامل مع مرشدها بنوع من «التقدير الكبير».

لكن وطبقا للقوانين الداخلية للجماعة فإن مجلس الإرشاد يختار المرشد العام من بين أعضائه، وفي حالة استقالة المرشد أو موته، يتولى مكانه أكبر أعضاء مجلس الإرشاد سنا إلى أن يتم ملء فراغه واختيار خلفه. وفي هذه الحالة فإنه من المرجح أن يخلف العبادي ياسين باعتباره الأكبر سنا من بين أعضاء مكتب الإرشاد، إلى حين انتخاب مرشد عام جديد.

وفي هذا السياق، قال حسن بناجح، المتحدث باسم الجماعة لـ«الشرق الأوسط» إن الحديث عن الترتيبات المتعلقة بخلافة ياسين أمر سابق لأوانه.

وردا على سؤال حول مستقبل الجماعة بعد غياب مؤسسها، قال بناجح لـ«الشرق الأوسط»: «نحن مطمئنون للجماعة ومستقبلها، لأن ما بناه هذا الرجل جماعة قوية، جماعة مؤسسات وقوانين»، مشيرا إلى أن الجماعة طيلة مسيرتها كانت تتجدد من الناحية التنظيمية كل خمس سنوات، تبعا لتوسعها الجغرافي، مشيرا إلى أن الجماعة لديها تجربة كبيرة جدا، ومشروع ثري وضخم أنجزه المرشد سيجعلها أكثر اطمئنانا وقوة.

وحول ما إذا كانت هناك تخوفات بشأن حدوث صراع على منصب المرشد العام للجماعة بعد وفاة ياسين، قال بناجح إن أعضاء الجماعة لا يعرفون الصراع على المناصب بسبب التربية التي تلقوها، مشيرا إلى أن «القوانين الداخلية للجماعة لا تقبل من يرشح نفسه، بل من ترشحه المؤسسات ومن أجمعت عليه الشورى».

وردا على سؤال حول ما يقال إن المرشد حسم في أمر من يخلفه قبل وفاته من خلال وصية، أجاب بناجح أن الجماعة لها مؤسساتها والحديث عن هذا الأمر سابق لأوانه.

وظلت علاقة الجماعة مع السلطة علاقة صدامية منذ تأسيسها، إذ على الرغم من أن تعرف نفسها على أنها جماعة دينية ودعوية أقرب إلى الصوفية، إلا أن السياسة جزء أساسي من اهتمامها، حتى وإن بقيت ترفض التحول إلى حزب سياسي يعمل من داخل المؤسسات.

ولد عبد السلام ياسين في سبتمبر (أيلول) 1928، في مراكش، وتلقى دروسه التعليمية الأولى في مدرسة «محمد المختار السوسي». كما درس بمعهد ابن يوسف بالمدينة ذاتها وهو في الخامسة عشرة من عمره، وفي 1947 التحق بمدرسة تكوين المعلمين بالرباط. وحصل سنة 1956 ببيروت على دبلوم التخطيط التربوي بامتياز ضمن أول فوج من المغاربة. والتحق موظفا في وزارة التربية بالمغرب، ثم أستاذا فمفتشا في قطاع التعليم قبل أن يتفرغ للعمل الدعوي. ثم التحق بـ«الزاوية البودشيشية»، وهي إحدى أكبر الطرق الصوفية في المغرب، لمدة ست سنوات حيث كان ذلك بداية لتغير مسار حياته كليا، لكنه سرعان ما انفصل عن الزاوية بسبب خلاف مع النهج الذي كان يسير عليه مريدوها.

وفي سبتمبر 1987 تم الإعلان عن تأسيس جمعية «الجماعة الخيرية» تحمل اسم جماعة العدل والإحسان مرشدها ياسين والتي تعتبرها السلطات المغربية غير قانونية.

وكان أول صدام لمؤسس الجماعة مع القصر الملكي في البلاد عام 1974 عندما كتب ياسين رسالة مفتوحة بعنوان «الإسلام أو الطوفان» وجهها إلى الملك الراحل الحسن الثاني، إبان سنوات الاحتقان السياسي في البلاد، اعتقل بعدها مدة ثلاث سنوات وستة أشهر ثم فرضت الإقامة الجبرية عليه في 30 ديسمبر (كانون الأول) 1989، حيث منع من الخروج من بيته، كما منع أقرباؤه من زيارته. ليخرج بعدها المرشد لصلاة الجمعة بمسجد بنسعيد في سلا، يوم 3 أغسطس (آب) 1990، حيث ألقى كلمة في جموع المصلين من عموم الناس وأعضاء الجماعة معلنا فتح جبهة جديدة «لا قبل للعدو بمواجهتها»، وهي القنوت والدعاء على الظالمين.

وبعد تولي الملك محمد السادس الحكم عام 1999 وجه ياسين في 28 يناير (كانون الثاني) 2000 رسالة مفتوحة إلى الملك الجديد عنوانها «مذكرة إلى من يهمه الأمر»، يحثه فيها على رد المظالم والحقوق التي انتهكت في فترة حكم والده.

وفي منتصف مايو (أيار) من العام نفسه، رفعت عنه الإقامة الجبرية، لكن علاقة الجماعة مع الدولة ظلت متوترة إلى اليوم. وابتعد ياسين في السنوات الأخيرة عن الظهور في وسائل الإعلام، وكانت ابنته ندية ياسين، هي التي تتصدر الواجهة، حتى إن هناك من اعتقد أنها هي من ستخلفه، وهو أمر يبقى مستبعدا داخل جماعة دينية محافظة ومنغلقة على ذاتها.

ساندت الجماعة بشكل كبير حركة «20 فبراير» الشبابية إبان الحراك الاجتماعي التي عرفته البلاد عام 2010، وشاركت بكثافة في المظاهرات التي كانت تنظمها في مختلف المدن المغربية، إلى أن أعلنت انسحابها من الحركة في ديسمبر 2011. وذلك بسبب أن الحركة «حفلت بمن جعل كل همه كبح جماح الشباب، أو بث الإشاعات وتسميم الأجواء، أو الإصرار على فرض سقف معين لهذا الحراك وتسييجه بالاشتراطات التي تخرجه من دور الضغط في اتجاه التغيير الحقيقي إلى عامل تنفيس عن الغضب الشعبي، أو تحويله إلى وسيلة لتصفية حسابات ضيقة مع خصوم وهميين، أو محاولة صبغ هذا الحراك بلون أيديولوجي أو سياسي ضدا على هوية الشعب المغربي المسلم في تناقض واضح مع ما يميز حركة الشارع في كل الدول العربية».

وقاطعت الجماعة الاستفتاء على الدستور الجديد، واعتبرته دستورا «ممنوحا» كما قاطعت الانتخابات التشريعية ليوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، لأنه «لا شيء تغير»، برأيها ف-«عملية الاستفتاء على الدستور»، أكدت أنه لا توجد أي إرادة سياسية للتغيير، وأن الانتخابات في المغرب شكلية، ولا تفرز مؤسسات حقيقية، بل مؤسسات لا تحكم ولا تشرع، لأن التشريع في يد جهات أخرى.

ووصفت الجماعة الانتخابات بأنها «معيبة» لأنها ما زالت تخضع للتحكم القبلي من طرف وزارة الداخلية، حيث يتجلى ذلك في تقسيم الدوائر، الذي يفرز خريطة سياسية موزعة بالشكل الذي ترغب فيه الدولة، بالإضافة إلى تحكم المال واللوبيات في هذه الانتخابات.

وقبل ذلك، وفي مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي، اندلعت ما أطلق عليه «حرب الشواطئ» بين الجماعة والدولة، حيث كانت الجماعة تنظم مخيمات صيفية مغلقة لمنتسبيها في عدد من المدن، بيد أن السلطات المغربية كانت تمنعها. كما دأبت هذه السلطات على منع حلقات الذكر الليلية التي ينظمها أعضاء الجماعة في البيوت، لأنها تعتبرها تجمعات غير مرخص لها.

أما آخر مواجهة جرت بين الجماعة والدولة فكانت عندما اعتقل سبعة من أعضائها اتهموا بتعذيب محام كان قد انفصل عن الجماعة، بعد أن اتهم بالتخابر ضدها، وهي القضية التي كانت قد أثارت ضجة إعلامية واسعة محليا ودوليا، قبل أن يتم الإفراج عن الأعضاء وتبرئتهم من التهم التي وجهت إليهم.

أما بخصوص علاقة الجماعة بحزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي تصدر نتائج الانتخابات التشريعية، وقاد أول حكومة نصف ملتحية في البلاد، فظلت بدورها علاقة حذرة، وهناك من اعتبر انسحاب شباب الجماعة من حركة «20 فبراير» مساندة ضمنية لحكومة ابن كيران، كما كان لافتا زيارة أعضاء من مكتب الإرشاد وهم: فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم الجماعة وأبو بكر بن الصديق، ومحمد حمداوي لتهنئته بمناسبة إعادة انتخابه أمينا عاما للحزب في يوليو (تموز) الماضي.

ووجه ابن كيران دعوة إلى الجماعة للانخراط في الحياة السياسية من داخل المؤسسات. لكن رسالة مفتوحة وجهها أحد قياديي الجماعة إلى ابن كيران في مطلع نوفمبر الماضي، أثارت عدة تساؤلات، حيث طالب عبد الله الشباني، صهر الشيخ ياسين، وعضو الأمانة العامة لدائرتها السياسية، من ابن كيران بتقديم استقالته لأنه «لن يسمح له يتجاوز الخطوط الحمراء». ووجه الشباني لابن كيران انتقادات لاذعة حتى وإن كانت الرسالة قد وجهها بصفته الشخصية وليس باسم الجماعة.

والمعروف أن حزب العدالة والتنمية يرفض بعض مواقف الجماعة، ودعاها مرارا إلى عدم المساس بالملكية كشرط أساسي للمشاركة السياسية، بيد أن جماعة العدل والإحسان التي لا تعترف بها السلطات قانونيا وفاوضتها لسنوات، ترفض جميع محاولات إشراكها في اللعبة السياسية.

ولا يعرف العدد الحقيقي لأتباع جماعة العدل والإحسان، التي تعرف بتكتم أعضائها، بيد أنهم يقدرون بمئات الآلاف، وأغلبهم كما تقول ندية ياسين هم «في سن نشطاء حركة 20 فبراير»، أي شباب.