ليبرمان يستقيل من الحكومة الإسرائيلية بعد اتهامه بخيانة الأمانة

نتنياهو يدعمه.. والمعارضة تقول إن مكانه قفص الاتهام

ليبرمان في صورة تعود إلى مايو (ايار) الماضي (أ.ب)
TT

لم يصمد وزير الخارجية الإسرائيلية، أفيغدور ليبرمان، أكثر من 24 ساعة بعد صدور لائحة اتهام ضده في المحكمة بتهمة خيانة الأمانة. فأعلن مساء أمس استقالته من الوزارة والحكومة برمتها. وقال ليبرمان، في بيان له، أنه قرر الاستقالة رغم علمه بأنه لم يرتكب أية مخالفة، على حد قوله، ورغم الرأي القانوني لمحاميه الذي يقول إنه غير ملزم بالاستقالة من الحكومة في مثل هذه الظروف. وقال إنه أبلغ الكنيست بأنه يتنازل عن حصانته البرلمانية أيضا، وذلك على أمل أن تنتهي الإجراءات القضائية قبل الانتخابات وتجرى له محاكمة سريعة. وأردف ليبرمان يقول إنه أقدم على هذه الخطوة المفاجئة، «لتمكين مواطني إسرائيل من التوجه إلى صناديق الاقتراع بعد الحسم القضائي في هذه القضية ليتمكن من مواصلة خدمة دولة إسرائيل ومواطنيها في إطار قيادة قوية وموحدة».

وكان ليبرمان قد أعلن فقط مساء الأول من أمس أنه لا ينوي الاستقالة حاليا «لأن القانون لا يلزمني بالاستقالة إزاء قضية اتهام بسيطة كهذه». ولكنه اضطر إلى تغيير رأيه، بعد أن ثارت ضده موجة احتجاجات واسعة. فقد أجمعت الأحزاب الإسرائيلية المعارضة ولجنة شفافية الحكم والصحافة الإسرائيلية على مطلب استقالة وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، من منصبه بعد أن تقرر توجيه لائحة اتهام ضده في المحكمة تتعلق بخيانة الأمانة للجمهور. وانتقدت الغالبية قرار النيابة تبرئته من تهمة الفساد والحصول على أموال مشبوهة من الخارج. لكنه ألقى خطابا قال فيه إنه لا يفكر في الاستقالة الآن، وإنه مستعد للتخلي عن حصانته البرلمانية لكي يحاكم بالتهمة الخفيفة الموجهة ضده. وحظي ليبرمان في معركته هذه بدعم مطلق من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي أعلن رفضه للمطالبة بإقالة نائبه ووزير خارجيته.

وأوضح خبراء القانون والمحللون السياسيون أن تهمة ليبرمان بخيانة الأمانة ليست خفيفة، كما يحاول هو وبقية الوزراء في الحكومة تصويرها، فهو «سيحاكم لأنه حصل على معلومات كان عليه أن يرفض الحصول عليها حول ملف التحقيق معه وقام بترقية السفير زئيف بن أريه، الذي حصل على المعلومات بطرق غير قانونية»، كما يقول المستشار القانوني، عيدو باوم. ويضيف: «لقد سبق وأن شاهدنا رئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، يدان بتهمة خيانة الأمانة. وغضبنا عليه بحق لأن هذه التهمة خطيرة، وتدل على فساد خطير في السلطة. لكن الفرق بين أولمرت وليبرمان أن الأول لم يخن الأمانة لمصلحة شخصية له، بينما ليبرمان حصل على المواد غير القانونية واستخدمها في معركته القضائية لكي يشوش على التحقيق وقدم عمليا رشوة أو على الأقل يشتبه في تقديمه رشوة إلى السفير بن أريعه عندما منحه الترقية. لذلك فإن تهمة ليبرمان أخطر بما لا يقاس».

ووافق رجل قانون آخر، أمير أورن، مع هذا التحليل وأضاف إن «قرار النيابة إغلاق ملف الفساد الكبير ضد ليبرمان هو في حد ذاته مشكلة وينطوي على أخطاء فاحشة تستدعي وقفة. فالرجل حصل على أموال تقدر بملايين الدولارات بطرق غير قانونية وأدار شركة وهمية باسم ابنته من قبرص، لكي يواصل الحصول على الأموال من الخارج حتى وهو نائب لرئيس الحكومة ووزير للخارجية. وهناك إفادات من ثلاثة شهود عليه، أحدهم توفي والثاني اختفى والثالثة محامية قبرصية أدلت بأقوال تفصيلية، ولكنها ترفض الحضور إلى إسرائيل وأصبحت فجأة تقول إنها لا تذكر شيئا عن القضية. وهذه كلها أمور مثيرة للشبهات. لكن النيابة واثقة من أنه متورط وكان عليها أن تحيل القضية للقضاء حتى يبت فيها».

وأعلنت عدة جهات، أمس، أنها ستتوجه إلى المحكمة العليا لإلزام النيابة والمستشار القضائي للحكومة بتقديم تفسيرات حول قرارهم الاكتفاء بمحاكمة ليبرمان على خيانة الأمانة وإصدار أمر يلزم النيابة بإعادة فتح الملف وتقديم لائحة اتهام. وقال رئيس لجنة شفافية الحكم، دان بتير، إن مكان ليبرمان هو في قفص الاتهام. وطالب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإقالته في سبيل الحفاظ على شفافية الحكم. لكن نتنياهو رد برفض هذا الطلب، بل توجه بالتهنئة إلى وزير خارجيته على إغلاق ملف الفساد ضده.

أما ليبرمان فكان أكثر حذرا، وقال إنه لن يستقيل الآن. وسيدرس الموضوع من جميع جوانبه، بما فيه الجانب القانوني المتعلق باستقالته. وراح يدافع عن نفسه قائلا إنه يتعرض لملاحقات بوليسية طيلة 16 عاما على أمور تافهة وغير جدية. وإنه في موضوع التهمة العينية تصرف ببراءة وعندما أعطاه السفير بن أريه الظرف الذي يحتوي على تفاصيل القضية مزقه وألقى به في المرحاض. وأعلن ليبرمان أنه قرر التخلي عن حصانته البرلمانية في سبيل التسريع في إجراء محاكمته بالتهمة المخففة.

وخرج جميع قادة المعارضة بالدعوة إلى استقالة ليبرمان ووضع حد للفساد في الحكم في إسرائيل. وقالت تسيبي ليفني، رئيسة حزب «حركة» إن «هناك سياسيين يصرون على (شرعنة) الفساد في الحكم والتخفيف من خطورته، وهذا يفسد أخلاقيات المجتمع بأسره». واعتبر يائير لبيد رئيس حزب «يوجد مستقبل»، إن بقاء ليبرمان في الحلبة السياسية يشوه سمعة إسرائيل برمتها، «فكيف يكون حالنا عندما يرى العالم إن (فاترينة) إسرائيل في الخارج، وزير الخارجية، يحاكم بتهمة فساد».

وقالت حركة «البيئة والحكم»، في بيان صحافي، أمس، إن إسرائيل باتت تعاني من آفة انعدام الأخلاق السياسية، إذ إن الجهاز القضائي يتهاون مع المفسدين في المجتمع وكثير من القوى السياسية تعتبر الفساد شرعيا.

يذكر أن ليبرمان، باستقالته هذه لم ينه حياته السياسية. فهو يتوقع أن يتوصل محاموه إلى صفقة مع النيابة يتفقان فيها على حكم خفيف لا يؤثر على مكانته السياسية، حتى يعود بعد الانتخابات أقوى وأشد تأثيرا من ذي قبل. فجمهوره اليميني لا يتأثر بقضايا الفساد وبإمكانه تجاوز المشكلة في الانتخابات. كما كان ليبرمان قد استعد جيدا لهذه الحالة، إذ إنه عندما تحالف في قائمة انتخابية مع حزب الليكود، ضمن لنفسه ولحزبه معركة انتخابية سهلة ومضمونة. ففي أول 38 موقعا في القائمة، يوجد 15 مرشحا من حزب أفيغدور ليبرمان.