العاهل الأردني: الإصلاح لن يتوقف وصولا إلى تعزيز الدولة الحديثة بمشاركة الجميع

التقى عددا من القيادات البريطانية واختتم زيارة عمل إلى لندن

TT

أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أمس أن مسيرة الإصلاح الأردنية تسير بثبات وقوة إلى الأمام في مختلف المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن إجراء الانتخابات النيابية القادمة، في 23 يناير (كانون الثاني) المقبل، هي محطة أساسية في هذه المسيرة وسيتبعها محطات كثيرة تلبي تطلعات الأردنيين في بناء غد أفضل.

وأشار الملك عبد الله الثاني خلال لقائه عددا من القيادات السياسية والفكرية والإعلامية البريطانية أنه «لا تردد في المضي قدما في الإصلاح، الذي لن يتوقف في وقت معين بل سيتسمر، وعلى أعلى درجات التوافق والإجماع الممكن حول مختلف التفاصيل، وصولا إلى تعزيز بناء الدولة الأردنية الحديثة التي يشارك جميع أبنائها وبناتها في صياغة مستقبلها».

وقال الملك عبد الله الثاني الذي عاد إلى الأردن بعد زيارة عمل إلى بريطانيا، إن صوت المواطن في الانتخابات النيابية القادمة سيكون حاسما في بناء مستقبل الأردن وإن «على الجميع تحمل مسؤولياتهم الوطنية في إيصال الأقدر على تمثيلهم في البرلمان القادم، وحمل همومهم وقضاياهم الوطنية في مختلف المجالات»، مؤكدا أن الطريق الأساسي لتحقيق التغيير الإيجابي هو من تحت قبة البرلمان وعبر القنوات الدستورية التي تم بناؤها على مدار تسعين عاما من عمر الدولة. وبين أن الجميع يتحمل المسؤولية التاريخية في هذه المرحلة، من حيث ضمان وصول الأكفأ إلى مجلس النواب ومحاسبته على أساس برامجه وما يقدمه للوطن والمواطن، مؤكدا أن على الناخبين والمرشحين تقديم مصلحة الوطن العليا على جميع المصالح الأخرى.

ولفت الملك، في معرض حديثه عن عملية تطوير الحياة السياسية في الأردن، إلى أهمية أن يقدم المرشحون برامج عملية وواقعية للتعامل مع مختلف القضايا والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الوطن، وأن الحكم على هذه البرامج سيكون «مواطننا الأردني الذي نقدر وعيه وحرصه على استمرار مسيرة الإصلاح الأردنية الشاملة لتكون نموذجا يحتذى في المنطقة»، مؤكدا أنه بحجم المشاركة الإيجابية من الجميع، ناخبين ومرشحين، سيكون حجم التغيير الإيجابي الحقيقي.

وركز الملك عبد الله الثاني في حديثه على ضرورة تشكيل كتل سياسية تتكون من قوائم وطنية، تكون مُمثلة لكل مناطق المملكة، ومرشحين على مستوى المحافظات، أي الدوائر الانتخابية المحلية، وصولا إلى توجهات تعكس اليسار واليمين والوسط، مضيفا أن مرحلة ما بعد الانتخابات ستبدأ من البرلمان الجديد، ويبدأ معها نهج التكتلات النيابية، والتشاور مع مجلس النواب لاختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، موضحا أن مسار الإصلاح التدريجي الذي يضمن أعلى درجات التوافق ويحترم تعددية الأفكار والطروحات لجميع القوى وأطياف المجتمع هو ما سيضمن ديمومة وفاعلية مسيرة الإصلاح في الأردن ويعززها.

ولفت عبد الله الثاني إلى أن آلية التشاور مع مجلس النواب لتشكيل الحكومة تتضمن التشاور على شخص رئيس الوزراء من خلال الكتل البرلمانية التي ستتشكل في البرلمان بعد الانتخابات، حيث يبادر الرئيس المكلف للتشاور مع الكتل النيابية لمجلس النواب ومع القوى السياسية الأخرى لتشكيل حكومة تحظى بأغلبية نيابية ويتقدم للحصول على الثقة بناء على بيان الحكومة الناجم عن عملية التشاور وعلى أساس برامجي لمدة أربع سنوات.

وأوضح خلال اللقاء وفي رد على إحدى المداخلات أنه من المهم الاستمرار في تطوير قانون الانتخاب ليصبح أكثر تمثيلا، وبما يضمن المحافظة على مبدأ التعددية ويعززه، ويشجع على تأسيس أحزاب سياسية ذات قاعدة وطنية تعددية تمكنها من التنافس بعدالة وبقوة في العملية السياسية.

وأكد أنه يدعم كل أشكال التعبير المسؤولة التي تحافظ على منجزات ومقدرات الوطن، مشددا في هذا الصدد أنه مع الحراك البناء، الذي وصفه بالمحرك الأساسي ليتحمل الجميع مسؤولياتهم بكل أمانة وشفافية ونزاهة لما فيه صالح الوطن وخير المواطن.

وقال: إنه يدعم توجهات الحراك البناء الهادفة إلى مأسسة عملهم في قوى سياسية تشارك بالانتخابات النيابية القادمة، وتقدم رؤاها الإصلاحية ومطالبها المشروعة على مختلف المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من تحت قبة البرلمان، ومن خلال ممثليهم المنتخبين. وبين أن العمل منصب الآن على الموازنة بين مطالب الجميع، خصوصا الأغلبية الصامتة، وتلك المطالب التي تقدمها القوى السياسية الفاعلة على الساحة المحلية، التي لا تتوافق مع بعضها البعض في أغلب الأحيان، مشددا على أن هذا التوازن مهم لتحقيق أعلى درجات التوافق والإجماع الوطني حول مختلف القضايا.

وحول مستجدات الأوضاع في المنطقة، شدد الملك عبد الله الثاني على أنه رغم التحديات الكبيرة التي تواجه الشرق الأوسط، تبقى القضية الفلسطينية القضية المركزية والجوهرية، وأن حلها بشكل عادل ودائم سيشكل مدخلا لحل الكثير من القضايا التي تواجه شعوب المنطقة. وقال: إن إيجاد حل شامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يعالج مختلف قضايا الوضع النهائي يعد أولوية على المجتمع الدولي العمل على تحقيقها. وأكد أن على جميع الأطراف الإقليمية والدولية دعم حل الدولتين، الذي يشكل السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، محذرا من نفاذ عامل الوقت، وتداعيات ذلك على مستقبل المنطقة وشعوبها. ونبه إلى الخطورة الكبيرة التي يشكلها استمرار سياسة إسرائيل الاستيطانية على مستقبل عملية السلام والقدرة الحقيقية على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة المتواصلة جغرافيا.

واعتبر أن الانخراط الدولي، خصوصا الأميركي والأوروبي السريع لإحياء عملية السلام وإخراجها من دائرة الجمود، أولوية يجب أن تتصدر الأجندة العالمية، خصوصا مع انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما لفترة رئاسية ثانية. وشدد على أن الوصول إلى السلام لن يتحقق دون تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة والقابلة للحياة التي تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل، داعيا إلى عدم تفويت فرص تحقيق السلام التي سيكون له تداعيات سلبية على مستقبل شعوب المنطقة.

وحول تطورات الأوضاع المتفاقمة على الساحة السورية، أعرب الملك عبد الله عن قلقه من تدهور الأوضاع في سوريا، وانعكاسات ذلك جراء تدفق المزيد من اللاجئين على دول الجوار. واستعرض الجهود التي يقوم بها الأردن لتقديم خدمات الإغاثة الضرورية للاجئين السوريين في المملكة، والذين زاد عددهم عن ربع مليون لاجئ، وما يتطلبه ذلك من مساعدة دولية للتعامل مع هذا الظرف وتطوراته.

وقال: إن الحكم على الربيع العربي سيكون مبنيا على «مدى قدرتنا على حماية التعددية، ومدى نجاحنا في تعزيز مبدأ رقابة الشعوب على مسار التحول الديمقراطي الذي يحمي حقوق الجميع بما فيهم الأقليات، ويحافظ على نهج التسامح والاعتدال، ويقوي مؤسسات العمل الديمقراطي، ويحسن مستوى حياة المواطنين، ويؤدي إلى قيام حكومات مساءلة من قبل الشعوب تنتهج الشفافية والنزاهة والعدالة مبادئ أساسية في عملها».

وكان الملك عبد الله الثاني قد التقى خلال زيارته إلى لندن ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، وأجرى مباحثات مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ووزير الخارجية وليم هيغ تناولت مستجدات الأوضاع في الشرق الأوسط، خصوصا جهود إحياء عملية السلام بعيد القرار الأممي الأخير بمنح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو، إضافة إلى التطورات المتسارعة في الشأن السوري، وعلاقات التعاون الثنائي وسبل تطويرها.

واجتمع في مقر البرلمان البريطاني مع عدد من رؤساء وأعضاء لجان الشؤون الخارجية والدفاع والأمن في مجلسي العموم واللوردات، حيث استعرض الجهود الإصلاحية التي ينفذها الأردن وصولا إلى تجربة الحكومات البرلمانية، ومجمل تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط.