رئيس البرلمان الأوروبي السابق لـ «الشرق الأوسط»: نريد أن نمنح الحركات الإسلامية فرصة

ميغايل آنجيل مارتينيز: قلق من أن يكون داخل الأحزاب الإسلامية متطرفون.. لكن يجب أن نثق في المنفتحين منهم

TT

قال ميغايل آنجيل مارتينيز رئيس البرلمان الأوروبي السابق إنه يؤمن بأن لكل بلد تجربته الخاصة، ولا أحد يحتاج لدروس من الخارج، وعلى كل واحد أن يتعلم من تجربته، وبالنظر إلى الآخرين والاتعاظ بهم، وليس بأخذ النصح.

وأضاف: «ما علينا فعله عمليا هو أن نفتح أبواب أوروبا للمصريين وللتونسيين ليتعلموا منا الأشياء الجيدة التي نجحنا فيها، ومن جهة أخرى ليتعلموا من أخطائنا. القاعدة الديمقراطية هي أنه لا يمكن أن تعلم أحدا، فالناس يتعلمون من دروسهم».

واعتبر مارتينيز أن أجهزة الاستخبارات الغربية فشلت في ليبيا حيث تمكن «آلاف الإرهابيين المدربين الذين يعلمون جيدا كيف يستعملون الأسلحة من الهروب نحو الخارج بأسلحة متطورة جدا، وقد احتلوا الآن ما يقارب ثلثي مالي، وهم يشكلون الآن خطرا على النيجر وبقية الجيران.. أجهزة المخابرات هذه ألم تتنبه إلى أن قرابة 20 ألف مسلح سيهربون مباشرة من ليبيا لدول الجوار، ويخلقون أجواء غير مستقرة لمدة لا يمكن لأحد أن يقدرها».

وأضاف رئيس البرلمان الأوروبي الأسبق في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «نريد أن نمنح الحركات الإسلامية فرصة، وأن نثق بهم، لأنهم موجودون، ولأننا لا يمكن أن نقول لا لمن انتخبهم الشعب. وأنا بالطبع قلق من أن يكون داخل هذه الأحزاب الإسلامية متطرفون، لكن يجب أن نثق في المنفتحين منهم».

«الشرق الأوسط» التقت ميغايل آنجيل مارتينيز رئيس البرلمان الأوروبي السابق على هامش مؤتمر لشبونة، الأسبوع الماضي، وكان لها معه حوار هذا نصه:

* كيف يقيم الاتحاد الأوروبي ما آلت إليه الدول العربية التي شهدت الثورات، بعد سنتين من التغيير؟

- نحن نتابع بأهمية كبيرة ما يحدث في دول الربيع، خاصة من ناحية علاقات الجوار التي تربطنا، وهي مهمة جدا لبعض الدول الأوروبية، ونتفهم أن الناس من إستونيا أو بولندا يجدون أن دول الربيع بعيدة جدا، لكن بالنسبة لدول مثل إسبانيا، نرى أن دول الثورات قريبة جدا منا. وبالنسبة لبعضنا يمكننا رؤية المغرب من جهتنا. تطور هذه الدول يهمنا، ونتابعه بشكل مستمر. وخاصة الشؤون في المغرب ومصر.

* لكن المغرب لم يشهد ثورة حقيقية ولا يعتبر من دول الربيع.

- لا، على العكس، المغرب يشهد ثورة، لكنها مختلفة عما يحدث في مصر أو تونس، وهي بدورها مختلفة عن ليبيا، ولكل حالة خاصة بها، لأن طبيعة الأنظمة كانت مختلفة.

وقد كنت أزور مصر كل سنة لأكثر من 20 عاما، وكنا نعلم أن في مصر قوتين أساسيتين هما الجيش و«الإخوان».. وما يحدث في مصر هو أن «الإخوان» كانوا موجودين فعليا، لكنهم الآن فقط وبعد الثورة تمكنوا من الخروج، بعد أن كانوا يملأون السجون، وحسب تجربتي الخاصة، فهي منظمة لها جذور عميقة في المجتمع المصري ولدى المصريين. وسيكون من الصعب جدا خلق أحزاب جديدة أو تنظيمات يمكنها تحدي «الإخوان».

* لكن ما رأيكم اليوم في الناس الذين يملأون الشوارع احتجاجا على مرسي وقراراته، هل سيتمكن من الصمود أمامهم؟

- أنا متأكد أن «الإخوان» سينجحون في ترتيب الأمور. هم يتمتعون بالذكاء الكافي، ولديهم الخبرة اللازمة.

* ألا تعتقد أن الدعم الغربي لحركة الإخوان له دوره في تقويتهم؟

- المشكلة هي لماذا يجب على الغرب أن يدعم الناس في الشوارع ولا يدعم من هم في منازلهم؟ فأمام كل واحد محتج في الشارع هناك أكثر من 10 في بيوتهم، وهم يقبلون بالوضع. ولا أجد تفسيرا لأن الناس الذين صوتوا ما كان لهم ليصوتوا! أو أنهم أخطأوا في استغلال الحرية التي منحت لهم. والواقع أنه منذ عهد السادات كان الناس يُجبرون على التصويت. ونزول بعض الآلاف إلى الشوارع لا يعني أن هؤلاء لديهم بديل أحسن، وربما هم اتفقوا على الخروج للشوارع للاحتجاج، لكن إذا سألتهم، فالأمر لا يتعلق بالاتفاق على الخروج للاحتجاج في الشوارع، وإنما للاتفاق على برنامج واضح يقدمونه بديلا لبناء دولة ومؤسسات.. وستجد أنك تواجه كثيرا من الاقتراحات المختلفة. بالنسبة لي أنا أعلم كثيرا عن مصر، فقد عشت فيها؛ المجتمع المصري له تعطش للتعدد والديمقراطية. كما تمكّنا من التعايش في أوروبا مع أحزاب مسيحية دينية وديمقراطية. ونطمح لأحزاب إسلامية ديمقراطية.

ونريد أن نمنح الحركات الإسلامية فرصة، وأن نثق بهم لأنهم موجودون، ولأننا لا يمكن أن نقول: لا، لمن انتخبهم الشعب. وأنا بالطبع قلق من أن يكون داخل هذه الأحزاب الإسلامية متطرفون، لكن يجب أن نثق في المنفتحين منهم، وما أقوله عن مصر أراه في تونس.

* ذكرتم أنكم على اطلاع جيد على الشأن المصري وتتابعونه باهتمام، كيف تتصورون سيناريو المستقبل السياسي في مصر؟ وهل لديكم نصائح توجهونها للساسة هناك؟

- ليس لديّ أي دروس أقدمها للمصريين، وأنا شخصيا تعبت من بعض القادة والساسة الأوروبيين الذين كانوا يعطونني دروسا لتسيير الأمور في إسبانيا في الماضي. أنا أومن بأن لكل بلدا تجربته الخاصة، ولا أحد يحتاج لدروس من الخارج، وعلى كل واحد أن يتعلم من تجربته، وبالنظر إلى الآخرين والاتعاظ بهم، وليس بأخذ النصح.

وما علينا فعله عمليا أن نفتح أبواب أوروبا للمصريين وللتونسيين ليتعلموا منا الأشياء الجيدة التي نجحنا فيها، ومن جهة أخرى أن يتعلموا من أخطائنا. القاعدة الديمقراطية هي أنه لا يمكن أن تعلم أحدا، فالناس يتعلمون من دروسهم، وعندما ألتقي بنظرائي البريطانيين أرى أن نصفهم يأتي من مجلس اللوردات غير المنتخب؛ فهل يعني هذا أن النظام البريطاني غير ديمقراطي.. وأنه علينا أن نذهب ونعطيهم دروسا؟!

* لماذا لم يقم الاتحاد الأوروبي بأي خطوات عملية تجاه الثورة في سوريا؟

- هذا ليس صحيحا.. والوضع في سوريا معقد جدا، وقد ناقش البرلمان الأوروبي منذ بداية الثورة في عدة مناسبات الوضع في سوريا، وقمنا بتحليله، وقد وصلنا لمرحلة ناقدة ضد الحكومة السورية والنظام، الذي ليس مختلفا عن نظام أبيه الذي لم يكن ملاكا أيضا، وأذكر القمع الذي كان يمارسه.

وقد نقدنا ما يقوم به النظام، لكن إذا تساءلت عما يمكن للاتحاد الأوروبي أن يفعل أكثر.. وهل يجب أن نبعث بقوات عسكرية مثلا؟ أجيبك بأننا على قناعة أن شعوبنا ليست مستعدة لدعم مثل هذه الخطوة في الوقت الحالي.

* هل هذا الموقف يعود للتجربة التي مررتم بها في العراق؟

- نعم، هي التجربة والدرس الذي تلقيناه في أفغانستان والعراق، والوضع في العراق كان سيئا تحت حكم نظام ديكتاتوري، لكن الآن هناك من يعتقد أن الوضع الآن ربما أسوأ، لأنه وفي وقت صدام الكل كان يعلم أنه نظام ديكتاتوري وفاشل، لكن الآن يتساءل الناس: هل هذه هي الديمقراطية؟ ويقولون: إذا كان هذا ما سنصل إليه إذا حققناها، فهذا سيئ للغاية، فليس هذا هو التطور الذي نتحدث عن تحقيقه. اذهبي الآن وتحدثي إلى الأقليات المسيحية أو بقية الأقليات في العراق وسترين إجابتهم؛ سيقولون: كنا مع كل القمع نعيش بـ«سلام»، والآن لا نعلم إن كنا سنصحو على قنبلة فوق بيوتنا. هل من الأفضل أن نرى تخيلا للديكتاتورية أحسن من الديمقراطية؟!

* أردت أن أسألكم، وقد تحدثتم عن الدروس التي تعلمتموها، عن السيناريوهات السياسية التي تعدونها قبل التدخل العسكري في دول مثل أفغانستان أو العراق، وهل فشلت توقعاتكم؟ أو ما هي المشكلة الحقيقية؟

- التدخل العسكري أسهل عمليا من تحقيق برنامج سياسي، لا يمكنك القول إننا سنتدخل في العراق عسكريا وسنحقق الديمقراطية هناك، لا يمكن أن تتوجه نحو دولة، وتقول: الآن سأقوم بانتخابات هنا. فكيف يمكن تحقيق ذلك والبنية التحتية والنسيج الحزبي غير موجود، فهذا لا يمكن تحقيقه، مع عدم وجود تقاليد لأحزاب سياسية.

* إذن ما وقع بالنسبة للعراق هو أنكم دخلتم منطقة ظلام ولا تعرفون ما الذي كان سيحدث فيها.

- نعم، هذا صحيح، والمشكلة أن البعض يعتقد أنه بالإطاحة بنظام ديكتاتوري تُحَلّ المسائل وتنتقل الأوضاع نحو الأحسن، لكن لا يمكن الحكم بأن العراق كان أحسن وضعا في وقت صدام حسين، لأن وقتها كان الناس أيضا يُقتلون، لكن لم يكن أحد يعلم عنهم شيئا.

المشكلة أنه إذا لم تنتقل الأمور نحو وضع أحسن، فهذا فشل مأساوي. لا يمكن القول إن الأمور أسوأ، لكنها بالتأكيد ليست أحسن، وهنا يأتي السؤال: لماذا فعلنا كل ما قمنا به؟ لقد خسرنا الملايين، وهناك تساؤل أيضا حول أرواح الناس الذين قتلوا.

وإذا طرحت مشكلة أفغانستان، حيث كان نظام طالبان سيئا جدا وبشعا، فقد كانت حياة الناس عبارة عن «جهنم»، كانوا يدمرون آثارهم، يقتلون البنات فقط لأنهم أرادوا التعلم، يفرضون البرقع، ولا شيء يمكن أن يكون أسوأ، ونرى الآن أن الفتيات الصغيرات يمكنهن التوجه للمدارس؛ فهناك أمل. وإذا قارنت ترى أن الأمور أحسن، على الرغم من أنها ما زالت معقدة. لكن في العراق الوضع مختلف.

* هل سيلعب الربيع العربي دورا في تغيير سير الأوضاع في أوروبا؟

- لا، لن يؤثر علينا أو يحدث تقسيما بيننا، والمشكلات التي تمر بها دول الربيع العربي لا تعتبر مشكلات أساسية بالنسبة للدول الأوروبية، وبالنسبة للولايات المتحدة أيضا فإن مسألة الربيع العربي ليست مهمة، وليست أساسية.

* لكن هذا لا يمنع أنكم لا تريدون خسارة مصالحكم في المنطقة.

- بالنسبة لتونس، لا أرى فرنسا مهتمة بشكل كبير بالمسألة الثقافية، هي مهتمة بتونس والمغرب باعتبارهما مستعمرتين قديمتين، لكن ذلك ليس مسألة أولية.. وللمتابع أن يتساءل كم صفحة في الإعلام الفرنسي تتحدث عن الوضع العربي مثلا؟ ولكم أن تقيموا.

* إذا أخذتم الدول العربي، ما الأهم بالنسبة لكم؟

- مصر بالطبع، لأنها قوة عظمى إقليميا، ثم المغرب الذي يهم فرنسا وإسبانيا، وليبيا مهمة من حيث البترول، لكن ما لم يضعه الناس في حسابهم في ليبيا هو أن آلاف الإرهابيين المدربين الذين يعلمون جيدا كيف يستعملون الأسلحة قد هربوا من ليبيا ليتوجهوا نحو الخارج بأسلحة متطورة جدا، وقد احتلوا الآن ما يقارب ثلثي مالي، وهم يشكلون الآن خطرا على النيجر وبقية الجيران، هذه مسألة لم يفكر فيها بعمق الذين كانوا يدفعون نحو الإطاحة بالقذافي، ثم يتساءلون: ماذا تفعل المخابرات الأميركية (سي آي إيه)، وما الذي تقوم به المخابرات الفرنسية هناك؟ أجهزة المخابرات هذه ألم تتنبه إلى أن قرابة 20 ألف مسلح سيهربون مباشرة من ليبيا لدول الجوار، مع خلق أجواء غير مستقرة لمدة لا يمكن لأحد أن يقدرها.

* هل هذا يعتبر فشلا لأجهزة الاستخبارات الغربية في ليبيا وقت الثورة؟

- بالتأكيد، فعلى الأقل كان عليهم التنبه لهذه المسائل ووضعها في حساباتهم والاحتراس منها. إن هؤلاء الإرهابيين موجودون هناك، وكانوا يعملون لحساب القذافي الذي كان يدفع لهم جيدا، وكانوا سيهربون، وليس ليذهبوا للمنتجعات السياحية للسباحة! وكان عليهم أن يعلموا أنهم لن يهر بوا لمصر، لأنه لن يتم تقبلهم، أو لتونس، والمسألة الحقيقية أن لليبيا آلاف الكيلومترات الحدودية، التي لا يوجد حتى عنصر حراسة واحد عليها.