المعارضة تبتكر طريقة جديدة لمحاربة الفساد في روسيا

موقع إنترنت ينشر شكاوى ضعف خدمات صيانة المباني يلقى رواجا بين الروس

نافالني مؤسس موقع Roszkh خلال مشاركته في مظاهرة احتجاجية سابقة في موسكو (أ.ف.ب)
TT

في مدينة يستحيل فيها العثور على سباك أو أي عامل إصلاحات آخر، اكتشف شخص ما كيفية إصلاح المواسير وتغيير مصابيح الإضاءة وإزالة رسوم الغرافيتي وترميم الأسقف المرتشحة التي تتسرب منها المياه. عبر أنحاء موسكو وغيرها من المدن الروسية الأخرى، أصبحت هذه الأنواع من إصلاحات المباني الأولية في حالة رواج شديد، مع تنقل عمال الإصلاحات والأخصائيين الفنيين في المدينة، الذين لم تختف السمعة الشائعة عنهم بأنهم يتسمون بالتجهم والفظاظة والكسل ومعاقرة الخمور، بسرعة هائلة من موعد لآخر.

يثني سكان موسكو في سعادة على موقع إلكتروني جديد لأخلاقيات العمل الصارمة غير المعتادة. ييسر الموقع الإلكتروني، الذي يحمل اسم Roszkh عملية إرسال الشكاوى المتعلقة بصيانة المرافق العامة بالمنشآت السكنية، مثل بهو المباني ومداخلها، التي ظلت ملكية عامة بعد عمليات الخصخصة التي جرت ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

مدفوعين بإحباطهم من فقدانهم الزخم بعد مظاهرات الشوارع، استمر قادة المعارضة الروس في البحث عن أساليب أخرى للبقاء على اتصال بالأحداث خلال مدة رئاسة فلاديمير بوتين التي ينتظر أن تمتد لفترة طويلة. طرح أليكسي نافالني، المدون والناشط السياسي، فكرة الموقع الإلكتروني، الذي يدار تحت إشراف مؤسسة مكافحة الفساد التي يديرها.

«يصعب تحديد التوقيت الذي ستندلع فيه موجة الاحتجاجات الجديدة»، هذا ما قاله نافالني في مقابلة أجريت معه حول موقعه الإلكتروني الجديد، والذي تمت تسميته بهذا الاسم نسبة إلى اختصار يستخدمه الروس في إشارة إلى مجموعة مرافقهم العامة وفواتيرهم الخاصة بصيانة المباني، وهو ZhKKh.

أثار موقع Roszkh مشاعر مبهجة على الفور. فبمجرد إطلاقه يوم 8 نوفمبر (تشرين الثاني)، أرسل 28,354 مستخدما 45,835 شكوى، معظمهم في موسكو ومدن كبرى أخرى. حتى الآن، تمكن عمال الإصلاحات من حل نحو 2600 مشكلة تم الإعلان عنها. ربما لا يبدو هذا الرقم كبيرا، لكن في روسيا، يعتبر استثنائيا.

كتب بوريس فرانتسكفيتش، في رسالة على الإنترنت: «أعيش في مبنى قديم مكون من خمسة طوابق، يفتقر بهوه إلى الإضاءة والنوافذ. لكنني اليوم فقط أخرج من شقتي ويقوم فني كهرباء بتثبيت الأسلاك. يا للروعة، لقد تمكن من إصلاح الإضاءة».

يعزو نافالني نجاح الموقع إلى حساسية المسؤولين تجاه الغضب الشعبي الشديد من وضع الإسكان الذي يرثى له في روسيا، وعلى وجه الخصوص في موسكو. في خطاب تم تسريبه، أصدر كبير مفتشي الإسكان أمرا بمخاطبة الشكاوى المنشورة على موقع الإنترنت الخاص بنافالني على الفور. وأوضح المفتش، نيكولاي فاسيوتين، رد فعل الحكومة في خطاب إلى مرؤوسيه: المتقدمون بشكاوى يحتاجون لمن يمد يد العون لهم على الفور، ليس على الرغم من الطابع السياسي للموقع، وإنما بسببه. وقال في الخطاب: «لقد اتضح جليا أن هذه سياسة تتبناها المعارضة للحط من شأن جميع مستويات الحكومة. لكن هذا يجب ألا يربك الأجهزة الحكومية الخاصة بمراقبة الإسكان». ووجه تعليمات لمسؤولي المدن بمجابهة هذا الاتجاه عن طريق حل المشكلات بسرعة.

تشير استطلاعات الرأي العامة إلى أن الزيادة المطردة في رسوم المرافق العامة وفواتير صيانة المباني هي أكثر المشكلات التي تقلق الروس؛ لقد تم تأجيل زيادة مخطط لها أثناء الانتخابات الرئاسية في الشتاء الماضي، لتبدأ في الدخول في حيز التنفيذ هذا العام.

لقد أخذت الرسوم في الارتفاع بسرعة تفوق التضخم. إن كثيرا من الروس في حالة من الغضب من زيادة حجم ما يدفعونه - ما يقدر الآن بنحو 130 دولارا شهريا في موسكو، وأقل من ذلك في مدن أخرى - بينما عادة ما يكون في بهو المباني، حتى الراقية منها، سراديب سوداء تتناثر عليها رسوم غرافيتي وتنبعث منها روائح عفنة.

أصبحت هذه المشكلات تمثل نقطة ضعف بالنسبة لبوتين، ولكنها نقطة ضعف من صنعه. لقد بذل حزب «روسيا الموحدة» الحاكم قصارى جهده من أجل ضمان سيطرته ليس فقط على السياسات القومية، بل أيضا الإقليمية والمحلية، وعادة ما يقوم بقمع المعارضة في سبيل تحقيق ذلك. علاوة على ذلك، فإن الحزب يفرض سيطرته أيضا على مجالس المدينة.

مثلما يشير نافالني، وهو محامي عقارات سابق، في سعادة غامرة، فإن هذا يعني أن كل مصباح إضاءة ينكسر وكل ماسورة تنفجر أصبحت الآن هي الشغل الشاغل للحزب. ويقول نافالني: «نحن نحاول اجتذاب الأفراد الذين يمكنهم محاربة الفساد معنا». ويضيف: «من الواضح جليا أن الشخص العادي يواجه مشقة في مساعدتنا في مكافحة الفساد في غازبروم (شركة الطاقة الحكومية الضخمة)». ويستكمل قائلا: «لكن لسوء الحظ في روسيا، يحدق الفساد بالناس أينما يذهبون. نحن نحاول إرساء آلية يتسنى للناس من خلالها محاربة الفساد بأنفسهم».

يطلب الموقع من المستخدمين إدخال عناوينهم والاختيار من قائمة تضم مشكلات الإصلاحات الشائعة في روسيا: تدفق كمية كبيرة من المياه ذات لون برتقالي زاه من مواسير صدئة، أو تعطل سخان الماء الفوري في منتصف فصل الشتاء.

بعدها، يقوم البرنامج بشكل تلقائي بنشر نص قانوني مفصل صاغه نافالني وفريقه التطوعي من المحامين بما يفيد الموظف الحكومي المتلقي، مستشهدا ببلاغات تقتضي اتخاذ رد فعل سريع أو القيام بإصلاح فوري، غالبا في غضون 45 يوما.

يقوم الموقع بتوجيه الشكاوى إلى السلطة البلدية المناسبة في آلاف المدن في المناطق الثلاث والثمانين الموجودة في روسيا. وعلى الرغم من ذلك، فإنه حتى الآن، يعتبر سكان موسكو وقليل من المدن الكبرى الأخرى التي يرتفع فيها معدل استخدام الإنترنت هم معظم من أرسلوا الشكاوى.

ويعتبر الموقع سهل الاستخدام. فهو يقوم بحفظ الملفات الشخصية، مما يسمح للروس الغاضبين بالعودة إلى الموقع إذا واجهوا مشكلة أخرى تتعلق بتسرب مياه من ماسورة أو تكوم قاذورات في بهو إحدى البنايات.

وفي سان بيطرسبورغ، رفض مفتشو المباني في البداية الرد على آلاف الشكاوى التي ترسل إلى الموقع. ولم يتضح بعد ما إذا كان ذلك لدوافع سياسية أو لتكاسل من جانبهم.

لكن في مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول)، كان المكتب يعمل ساعات إضافية من أجل إصلاح المرافق العامة، وتم إلقاء القبض على مسؤول في مجال صيانة المساكن بسبب سوء إدارته للازمة، في واحدة من الخطوات التي اتخذتها الحكومة في إطار جهود واضحة ترمي إلى احتواء الموقف.

وحتى مع زيادة كم الشكاوى، يحث مراقبو الموقع المستخدمين على الاستمرار في إرسال الشكاوى.

وكتب رجل يدعى سيرغي سادكو أن وفدا كاملا من مسؤولي المدينة قام على الفور بزيارة شقته بعد تقدمه بشكوى بشأن تسرب المياه من أحد الأسقف. وكتب: «قالوا إنهم ربما يقومون بإصلاح الخلل في الربيع. هل يجب أن أقوم بتحديث حالتي إلى (تم حل المشكلة)»؟ جاءه الرد: «أرسل شكوى أخرى. فهم ملزمون بإصلاح جميع الأعطال وحل جميع المشكلات بشكل فوري».

* خدمة «نيويورك تايمز»