سكان حي إمبابة بالقاهرة ينظرون إلى «مسودة الدستور» على أنها مجرد صراع بين أفراد النخبة

بينما تبدو مصر منقسمة إلى إسلاميين ومعارضين من الليبراليين والعلمانيين والمسيحيين

معارضون للرئيس المصري في مظاهرة ضد مسودة الدستور الجديد وتبدو في الخلف سيارات تحترق (أ.ف.ب)
TT

في الوقت الذي يستعد فيه المصريون للتصويت على مسودة الدستور المثيرة للجدل اليوم، يبدو البلد منقسما إلى قسمين: إسلاميين مؤيدين للرئيس محمد مرسي، ومعارضين من الليبراليين والعلمانيين والمسيحيين، حشدوا لمظاهرات انتهت باشتباكات على مدى الأيام القليلة الماضية. ومع ذلك، في دولة يبلغ عدد من لهم فيها حق التصويت 51 مليونا، هناك فئة أخرى؛ يصعب تصنيفها؛ إنها تلك التي ينتمي إليها مجموعة من أفراد سهل أن تجدهم في الشوارع المزدحمة بحي إمبابة، الذي كان يعج يوما بالإسلاميين المسلحين، لكنه يغص حاليا بغضب لا يعرف وجهته ولم يصرفه أي من الطرفين سياسيا على نحو مناسب.

يقول محمد محمود، البالغ من العمر 56 عاما، وهو يدخن سيجارة، يوم الخميس أمام متجر الإلكترونيات الخاص به، والذي أطفأ أنواره لعدم وجود عملاء: «إن كل هذا الصراع الذي تراه ما هو إلا صراع على المناصب والسلطة. أنا أحمل الطرفين مسؤولية ما يحدث. في الوقت الذي يحتجون فيه، يأكلون ويشربون، يضرون مورد رزقي. لا يوجد أمن ولا توجد فرص عمل. لن تنتهي المشكلات سواء وافقنا على الدستور أم لم نوافق. لا أرى نهاية لما يحدث».

منذ فترة ليست بالقصيرة، ربما كان أشخاص مثل محمود لا يمثلون سوى ما يطلق عليهم في مصر «حزب الكنبة»، وهو وصف أطلقته النخبة من الليبراليين على الذين لم يشاركوا في الثورة التي أطاحت بنظام مبارك الاستبدادي، منذ نحو عامين. مع ذلك يبدو هذا الوصف أقل من أن يصف الغضب المتنامي في أحياء مثل إمبابة الذي تتساقط فيه قطرات الماء من الغسيل على شرفات متداعية وتهجر فيه البضائع أرفف المتاجر.

لم يبد على بعض سكان الحي، خلال مقابلات أجريت معهم، أي حماس تجاه مرسي أو تيار الإسلام السياسي، ولا تجاه رموز المعارضة الذين يعبرون عن غضبهم مما آلت إليه الأحوال في مصر بعد الثورة، على موقع «تويتر» دون أن يقدموا أي حلول.

لا يعرف الكثيرون ما ينبغي عليهم فعله ما إذا كان من الضروري أن يصوتوا على الدستور أم أن الأمر كله سواء، وذلك نتيجة للفوضى التي تسيطر على المشهد أثناء الإعداد للاستفتاء على مسودة الدستور، فضلا عن تصريح مركز كارتر يوم الخميس بعدم مشاركته في مراقبة الاستفتاء بسبب الإعلان المتأخر عن الإجراءات التنظيمية للمراقبة.

يقول أحمد صابر أحمد، وهو سائق شاحنة لا يعمل يبلغ من العمر 60 عاما، يجلس مع رجال آخرين أمام متجر للسيراميك: «سأكون صريحا معك. أنا لا أعرف القراءة والكتابة، لذا لا أعرف ما إذا كان علي التصويت بنعم أم لا».

وقال أحمد سعيد إن كل ما يعرفه هو أن لديه ثلاثة أبناء ليس لهم عمل أو مكان يعيشون فيه. بل يعيشون معه. وعبرت امرأة بجانبنا وشاركتنا الحديث قائلة: «الحياة ليست على ما يرام. إنها مثل الزفت. أنا أعيش بـ500 جنيه شهريا». مما يعني أنها تعيش بدولارين أسبوعيا. وتضيف: «أصحاب العقارات يزيدون إيجارات الشقق». ويضيف أحمد معقبا: «وبعد عام يطردونك من المنزل». بينما يومئ الجميع برؤوسهم تعبيرا عن اتفاقهم معه. ليخلص إلى القول: «نحن وأمثالنا لسنا أحياء، بل مدفونون».

وينتقد أسامة درويش، تاجر السيراميك البالغ من العمر 40 عاما، المظاهرات التي اندلعت مؤخرا، قائلا إنها ليست سوى صراع على المناصب، أي السلطة. وقال: «مع كل هذا التوتر، لم نر حتى هذه اللحظة أي شيء إيجابي من أي من الطرفين». ولا يقل ما يشعر به أسامة من ارتباك عن الارتباك الذي يشعر به صديقه أحمد، ولا يعرف ما ينبغي عليه فعله.

ورغم أن مؤيدي مرسي من «الإخوان المسلمين» ومعارضيه الليبراليين يرون أن الاستفتاء، المزمع إجراؤه اليوم والأسبوع المقبل، لحظة مصيرية تحدد هوية مصر، يرى درويش وأحمد وغيرهم أن هذه لحظة للسير قدما.

ويقول محمد علي، وهو تاجر سيراميك يبلغ من العمر 40 عاما: «سأصوت بـ(نعم) من أجل الاستقرار، فنحن جوعى الآن. نريد للبلد أن يتقدم حتى نرى الاستقرار». ولا يتعاطف علي وغيره مع المتظاهرين المتخاصمين الذين تبادلوا رشق الحجارة في الشوارع الأسبوع الماضي.

ويتساءل علاء عابدي، وهو عاطل عن العمل يبلغ من العمر 36 عاما: «من هؤلاء؟»، موضحا أنه لا يؤيد مرسي، لكنه لا يؤيد بشدة معارضيه، ومن بينهم رموز النظام السابق. وأوضح قائلا: «أعتقد أن هؤلاء لا يتحركون سوى لتحقيق مصالحهم الشخصية، ولا يريدون للبلد أن يتقدم للأمام. إنهم يعترضون على كل قرارات مرسي. هل يمكن أن تكون كل قراراته خاطئة؟ مستحيل. يجب أن نمنحه فرصة».

لقد قال إنه سيصوت بـ«نعم»، بينما قال أصدقاؤه الحيرى إنهم سينتظرون حتى يسمعوا آراء الآخرين وهم في طريقهم إلى الاستفتاء. ويقول أحمد الذي لا يبدو معترضا على هذه الطريقة: «سيظهر أحدهم على بابي ويقول لي ماذا أفعل؟».

ويقول محمود، الذي يقف أمام متجره إنه قرأ مؤخرا مسودة الدستور التي تباع في الشوارع على هيئة كتيب مقابل خمسة جنيهات؛ مشيرا إلى أن الدستور يتضمن مواد جيدة وأخرى سيئة، لذا قرر أن يرفضه ويصوت بـ«لا»، لكن ليس بسبب مخاوف المعارضة بشأن حقوق الإنسان أو حرية التعبير، بل بسبب تراجع حال العمل والقتال الدائر بين المصريين في الشوارع، حيث يرى أن الاستفتاء على الدستور هو بمثابة استفتاء على نظام مرسي. ويوضح محمود قائلا: «إنهم لا يعرفون ماذا يفعلون». ويؤكد على الجانب الآخر عدم وجود أي أمل في أي من رموز المعارضة، حيث يقول: «لا يوجد أمل في أي أحد منهم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»