المعارضة السورية تتحدث عن «تيارين» في «الخارجية الروسية» بشأن أزمة سوريا

خبير في العلاقات الدولية لـ«الشرق الأوسط»: تضارب المواقف يعكس استعداد روسيا لصفقة التخلي عن الأسد

TT

ليست هذه المرة الأولى التي تسارع فيها وزارة الخارجية الروسية إلى نفي تصريحات لدبلوماسيين روس تتناول الأزمة السورية وتشير بطريقة أو بأخرى إلى تغيير ما في الموقف الروسي من نظام الرئيس السوري بشار الأسد. مرة جديدة، وجدت الخارجية الروسية نفسها أمس مضطرة لنفي تصريحات نقلتها وكالات الأنباء العالمية عن ميخائيل بوغدانوف، مبعوث الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الخاص إلى الشرق الأوسط، ونائب وزير الخارجية سيرغي لافروف، قال فيها إن «النظام والحكومة يفقدان السيطرة على البلاد أكثر فأكثر، وبالتالي لا يمكننا استبعاد انتصار المعارضة».

وإذا كانت مواقف الدبلوماسي الروسي الرفيع قد لاقت ترحيبا من مكونات المعارضة السورية ومن الدوائر الأميركية التي أشادت بـ«صحوة روسية»، فإن نفي الخارجية الروسية لصدور أي تصريح مماثل عن بوغدانوف، يدل وفق معارضين سوريين على وجود «وجهتي نظر» في روسيا بشأن أزمة سوريا، فيما يتلمس خبراء في القانون الدولي تراجعا في الموقف الروسي المساند للنظام السوري في الأشهر الأخيرة.

وفي حين تحدث عضو «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، وعضو المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري، الدكتور سالم المسلط لـ«الشرق الأوسط»، عن وجود «تيارين داخل الخارجية الروسية، الأول يعبر عنه لافروف بتشدده، والثاني تجسده مواقف بوغدانوف»، شدد أستاذ العلاقات الدولية الدكتور اللبناني سامي نادر على أن «التصريحات الروسية المتناقضة تدل على عدم وجود خطاب قاطع بالنسبة لأحداث سوريا».

وكانت متحدثة باسم «الخارجية الروسية»، نفت منتصف شهر أغسطس (آب) الفائت مضمون مقابلة نشرتها جريدة «الوطن» السعودية مع بوغدانوف، أعلن فيها أن «ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري وقائد الفرقة الرابعة، فقد قدميه (خلال تفجير خلية الأزمة) وأن الأسد بات مستعدا للتخلي عن الحكم». وأصرت الخارجية الروسية على نفي إجراء المقابلة، على الرغم من نشر الصحيفة لتسجيل المقابلة.

وفي خطوة مماثلة، نفت «الخارجية الروسية» قبل خمسة أشهر تقريبا (20 يوليو/ تموز الفائت)، تصريحات صحافية أدلى بها سفير روسيا لدى فرنسا ألكسندر أورلوف، اعتبرت أنه «تم تفسيرها بشكل خاطئ من قبل بعض وسائل الإعلام». وقال أورلوف حينها: «صحيح أنه من الصعب تصور أن الأسد سيبقى. سيرحل وأعتقد أنه هو نفسه يدرك ذلك، لكن يجب تنظيم الأمر بطريقة حضارية كما جرى في اليمن مثلا».

وفي موازاة رهان المعارضة السورية على تغيير في الموقف الروسي، يوضح المسلط أن «بوغدانوف قال في الاجتماع الأخير لأعضاء المكتب التنفيذي في إسطنبول (لقد أخطانا التقدير بشأن سوريا، بعدما كان الأسد قد أبلغنا خلال زيارتنا المتكررة إلى سوريا أنه يسير بالبلاد في الاتجاه الأسلم)». وأعرب عن اعتقاده بأن «حرص روسيا الحقيقي هو على مصالحها في سوريا، وليس على النظام أو الشعب، لذا لا بد من تغيير قريب يحافظ على مصالحها، في وقت يوشك فيه النظام على نهايته». وقال: «قد تكون روسيا اليوم بصد البحث عن البديل».

ووفق منطق العلاقات الدولية، فإن الدبلوماسية الروسية «محترفة». ويقول نادر في هذا السياق: «بوغدانوف ملم بالموضوع السوري تحديدا والشرق الأوسط بشكل عام»، معتبرا في الوقت عينه أنه «لا يمكن القول إن الموقف الروسي لم يتراجع منذ بدء أزمة سوريا، لا بل إنه تراجع أشواطا».

وأشار نادر إلى «التدرج في مواقف روسيا من المعارضة السورية، التي لم تكن تعترف بها إطلاقا ولم تستقبل أي من ممثليها، ثم باتت تعتبر أن (المجلس الوطني) لا يتمتع بصفة تمثيلية شاملة، علما أن في ذلك اعترافا ضمنيا بالمعارضة، وصولا اليوم إلى موقفها من الائتلاف المعارض ومطالبتها بتمثيل مرشحيها، أي هيئة التنسيق الوطنية، في صفوفه».

وشدد نادر على أن «تأرجح الموقف الروسي إنما يدل قبل كل شيء على استعداد روسي لفتح بازار سياسي أو الدخول في صفقة للتخلي عن الأسد، مقابل أن تقبض ثمنها في مكان آخر، لكن هذا الاستعداد لا يزال يصطدم بعدم توفر رغبة أميركية لعقد صفقة حول الموضوع السوري»، لافتا إلى تزامن موقف بوغدانوف مع التفجير الذي استهدف وزارة الداخلية السورية من جهة، ومع المفاوضات الجارية لإيجاد تسوية غربية روسية في جورجيا على ضوء الدعم الأميركي الذي تتلقاه الأطراف المناوئة لروسيا.

وبينما تتوقع المعارضة السورية أن تفرض التغييرات الميدانية تحولا في الموقف الدولي برمته من النظام السوري، يكشف المسلط عن «رسائل روسية وصلت إلى المعارضة السورية بشأن الرغبة في استمرار العلاقة بعد سقوط النظام»، مذكرا «إننا سبق وأعلنا أننا نرحب باستمرار العلاقة مع روسيا إذا كانت داعمة للشعب السوري مهما كانت سلبياتها، أما استمرار دعمها للنظام فسيعني سقوط العلاقة بسقوط النظام».