إسرائيل تتهم أبو مازن بإطلاق انتفاضة فلسطينية ثالثة

الجيش يستعد لقمع «مواجهات موسعة» في الضفة الغربية

TT

إثر تصعيد التوتر الأمني في الضفة الغربية ومواصلة الصدامات بين الشباب الفلسطيني والقوات الإسرائيلية في الخليل وغيرها، وجهت مصادر سياسية في إسرائيل اتهاما مباشرا للرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن) بأنه يباشر العمليات لانتفاضة ثالثة وتحمله مسؤولية ما قد ينجم عن هذه العمليات.

وقالت مصادر عسكرية إن الجيش الإسرائيلي أعلن عن حالة تأهب قصوى في الضفة الغربية لمواجهة خطر توسع الأحداث وارتفاع وتيرة المظاهرات والمصادمات مع قواته التي أسفرت أمس عن إصابة نحو 90 فلسطينيا، وإمكانية انفجار الأوضاع نتيجة أي حدث أو أي صدام مع الجيش. وأشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي رصد مؤخرا الارتفاع في الصدامات والمظاهرات مع قواته منذ عملية اغتيال قائد كتائب عز الدين القسام أحمد الجعبري الجناح العسكري لحركة حماس في غزة والهجوم على قطاع غزة، التي شملت معظم أنحاء الضفة وأعطت مؤشرات للجيش بإمكانية توسعها وتصاعدها في أي وقت. وبدأ منذ ذلك الوقت يجري الاستعدادات والمراقبة ودراسة الأوضاع في الضفة الغربية، في ظل تقديرات ثم معلومات تفيد بأن الأوضاع التي اتسمت حتى اليوم بالهدوء النسبي، قد تنفجر في أي لحظة، وفي حال وقوع حادث صعب كما حصل في مدينة الخليل، يمكن أن يتسع ليشمل مناطق مختلفة في الضفة.

ويعزو الجيش هذه التخوفات من تصاعد الأحداث، إلى النتائج التي بدأت تتضح أكثر للفلسطينيين بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية كعضو مراقب في الأمم المتحدة، إذ رافق ذلك احتفالات واسعة في صفوفهم، و«لكن شيئا فشيئا بدأوا يدركون أن الواقع لم يتغير، وبقيت الأوضاع في مناطق الضفة على حالها وهذا ما سيؤدي إلى مزيد من الإحباط لدى الفلسطينيين، الذي قد ينفجر في أحداث (عنف وشغب) ضد الجيش الإسرائيلي».

وأوضحت عناصر في الجيش لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أن قوى اليمين الإسرائيلي تمارس ضغوطا على الحكومة والجيش للتحرك الفوري لمواجهة الأوضاع وعدم الانتظار حتى يتمكن أبو مازن ورجاله من تنظيم انتفاضة، وقتلها وهي في المهد. وتصر هذه العناصر على رؤية أن اندلاع انتفاضة جديدة خطر استراتيجي على إسرائيل ينبغي إزالته قبل أن تصبح واقعا.

وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي يشدد قبضته ويطلق الرصاص على الفلسطينيين المتظاهرين، فإن اليمين يحاول استفزازه وحثه على المزيد من التشدد خصوصا بعد أن كانت الكاميرات قد التقطت جنودا إسرائيليين يهربون من قاذفي الحجارة من الفتية الفلسطينيين في الخليل جنوب الضفة وكفر قدوم قرب نابلس. وقال يسرائيل هرئيل، الرئيس الأسبق لمجلس المستوطنات، «الهرب من رُماة حجارة كابوس يهودي؛ فهو صدمة شعورية مذلة مضطهدة للعيش في الجلاء. يظهر في مؤلفات المبشرين بالصهيونية عنصر الهرب الذي يمس بكرامة الإنسان الأساسية حاثا على النهوض والعودة إلى أرض الآباء وإنشاء دولة لا يضطر فيها اليهود بعدُ إلى الهرب من الأوغاد الذين يرمونهم بالحجارة. وكل من امتنع عن ذلك تحمل تبعته. يوجد لليهود دولة الآن. وجنودها (الظاهرة التي بدأت قبل 25 سنة في أحداث الانتفاضة الأولى)، المسلحون من أخماص أقدامهم إلى أعالي هاماتهم ما يزالون يهربون. وفي وسائل الإعلام العربية التي تبث بلا انقطاع المقاطع المُذلة لا يكفون عن تحقير (اليهود الذين هربوا كالكلاب). إن إصابة رُماة الحجارة ستُسبب تصعيدا كما يوجه كبار قادة الجيش. وماذا عن الردود على صور الهرب؟.. إنها تشجع بالضبط ما يأملون منعه بضعف إنجازهم، أعني التصعيد. ينبغي أن نطلب المغفرة من آبائنا وكانوا قلة مطاردة لا دفع عندها، ممن خجلنا بهم لأنهم لم يصمدوا في مواجهة مثل هذه الأحداث».

ويدعو هرئيل قادة الجيش إلى الكف عن الخوف من رجال القانون وأن يمسكوا زمام القيادة ويقرروا وضع معايير للجنود يكون فيها قدر من الاهتمام بالكرامة وروح القيادة. ويضيف: «في سنة 2012 نحن نتوقع من الجنود ألا يتصرفوا بضبط للنفس أو احتواء الحدث. إن شخصية من أصبح الاحتواء، أي تلقي الضرب من غير رد حاسم، هاديا يهديه من المؤكد ألا اعتبار عندها لقيم مثل (كرامة الجندي إنسانا ويهوديا)، و(كرامة الجيش الذي يعمل المحارب في صفوفه) و(كرامة الدولة وكرامة الشعب اللذين يمثلهما الجنود). إن هذا الاحتواء هو الذي يستطيع المخربون بسببه الاستمرار في إطلاق آلاف الصواريخ على إسرائيل وهو الذي يفضي إلى الانتفاضة التالية».

وحذر الخبير الاستراتيجي، بوعز هندل، من هذه الضغوط وقال إن «للحجارة في الشرق الأوسط قدرة على إشعال حرب». ورأى أن أبو مازن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ليسا معنيين بانتفاضة في الوقت الحاضر، لأنها تضر بحكميهما. لذلك دعا لهدوء وعمل كل شيء في سبيل وقف التوتر. وقال: «أصبح نتنياهو وأبو مازن صورتين متشابهتين. فالتصريحات في جهة والأفعال في جهة أخرى. وهما يعلنان الرغبة في التفاوض لكنهما غير قادرين. وكلاهما يهدد لكنه لا يقصد. وكلاهما لا يريد الانجرار وراء رماة الحجارة. لا ينوي أبو مازن ورجاله إحداث انتفاضة ثالثة، فقد خسروا في الانتفاضة الثانية كل ما كان لديهم. وساعدتهم إسرائيل على اختيار نضال دبلوماسي حينما أبادت بالقوة العسكرية البنى التحتية للإرهاب وبنت جدارا ودمر في الطريق أيضا الاقتصاد الفلسطيني. وبعد وفاة ياسر عرفات بنى الفلسطينيون أنفسهم رويدا رويدا. وساعدهم الأميركيون بالمال وببناء وحدات عسكرية. أما الإسرائيليون فقد أبعدوا من غير ضجيج كبير الجهات المعارضة (لا سيما حماس)، وأجازوا بناء كثيفا وازدهارا اقتصاديا. فتحولت رام الله إلى مدينة إنتاجية وكذلك أجزاء من الخليل أيضا. وتقام الروابي، وهي مدينة جديدة على هيئة موديعين، لأزواج برجوازيين وتُمهد طرقا جديدة للفلسطينيين. سيختفي كل ذلك إذا نشبت انتفاضة ثالثة. وأبو مازن يعلم هذا جيدا ولهذا لو كان الأمر متعلقا به لظل يحلق في العالم لإحراز دعم دولي، وعضوية في مؤسسات مختلفة في الأمم المتحدة، بلا عنف سافر ومن غير تعريض ما بناه للخطر».

ويتابع هندل: «دولة إسرائيل أيضا لا تريد الصراع وعلى الرغم من التهديدات بوقف الميزانيات وإسقاط السلطة. فمن الواضح لمتخذي القرارات في إسرائيل أنه لا يوجد بديل حقيقي عنها. فأبو مازن هو أفضل صفقة تستطيع حكومة نتنياهو أن تطلبها، فهو من جهة زعيم يختلف عن عرفات يدرك جيدا أنه لا يجوز دخول دوامة إرهاب. ومن جهة ثانية فهو زعيم على هيئة مشابهة يخاف اتفاقات السلام التي عرضها أولمرت وباراك من اللحظة التي يُطلب إليه فيها أن يتخلى عن قضية اللاجئين والقدس. يريد الطرفان الهدوء وقد يضر بهما الحجر الاستراتيجي. تقع المسؤولية على الطرف الإسرائيلي، فللجيش الوسائل العسكرية لمنع أحداث الشغب ولوقف الطوفان ويجب عليه أن يستنفدها بأن يعمل بصورة تناقض مبدأ الاحتواء: فصورة الهرب أسوأ من صورة الرد. يُعد هذا دواء تخفيف ألم فقط حينما يكون خطر الدولة الثنائية القومية قائما وحينما تُدوي مسألة حقوق الإنسان في العالم، لكن إذا لم يوجد شريك جدي وقرارات داخلية فإن دواء تخفيف الألم أيضا يساعد على ألم الرأس المزمن».