مصير الرهائن اللبنانيين في سوريا ما زال معلقا بانتظار الاستجابة لمطالب خاطفيهم

الخاطفون طالبوا النظام ولبنان بالإفراج عن معتقلين سوريين

عمار الداديخي قائد الكتيبة التي تعتقل الرهائن اللبنانيين.. والمعتقلان علي عباس وعلي ترمس خلال لقائهما مع مراسل («نيويورك تايمز»)
TT

عندما أوقف ثوار سوريون حافلتين تحملان لبنانيين خلال فصل الربيع، واختطفوا أحد عشر راكبا كرهائن، فتحوا بابا من أبواب جهنم، حيث اندلعت أعمال شغب في مطار بيروت، وحدثت عمليات اختطاف انتقامية لسوريين في لبنان، وتعزز وجود شبح الحرب الأهلية الطائفية. منذ ذلك اليوم من شهر مايو (أيار)، ومع اشتعال الحرب الأهلية وازدياد الزخم الذي حظيت به محاولات المقاتلين المعارضين خلع الرئيس السوري بشار الأسد، لم يطلق الثوار سراح أكثر معتقليهم باستثناء اثنين دليلا على حسن النوايا. أما بالنسبة للآخرين، وهم تسعة رجال، فيصر محتجزوهم على أنهم عناصر في تنظيم حزب الله، وهو ما ينفونه تماما، فسيتم إطلاق سراحهم في إطار صفقة لتبادل الأسرى، على حد قول قائد الثوار الذين يعتقلون المجموعة.

قال عمار الداديخي من لواء عاصفة الشمال، الذي كان يحتجز المجموعة في مكان سري في الريف بشمال البلاد، في مقابلات إنه سيطلق سراح الرهائن إذا أطلق النظام السوري سراح اثنين من رموز المعارضة، وإذا أطلق لبنان سراح كافة النشطاء السوريين المحتجزين في لبنان. وأوضح أن إطلاق سراح الرجال هو أمر في أيدي النظام السوري والحكومة اللبنانية. بدأ احتجاز هؤلاء الرجال بعد أن أنزلوهم تحت تهديد السلاح من الحافلة التي كانت تمر بسوريا في طريق العودة بعد زيارتهم أماكن شيعية مقدسة في إيران. ولم يتم التوصل إلى تسوية لهذه القضية رغم أنها أثارت تساؤلات حول هوية بعض الثوار الذين يتردد الغرب في دعمهم وحقيقة ميولهم الإجرامية. لقد شوه اختطاف هؤلاء الركاب كرهائن سمعة الجيش السوري الحر المكون من مجموعات مقاتلة معارضة للنظام تفتقر إلى التنظيم. من دون الإعلان عن أي دليل يدعم زعمهم بأن هؤلاء الرهائن ينتمون إلى حزب الله، تكشف هذه العملية حدود سيطرة الجيش السوري الحر على الثوار الذين يرفعون لواءه.

يبدو أن قيادة الجيش السوري الحر غير قادرة على إقناع الداديخي بالإفراج عن الرجال رغم سعيه إلى الحصول على اعتراف دولي ومساعدات عسكرية ملموسة، وهو ما قوضت قضية الرهائن احتمالات تحققه. ويزعم الداديخي، وهو رجل تمتع بنفوذ كبير ويحظى بثناء الكثير من النشطاء المعارضين بسبب شجاعته في ميدان القتال، ويقال عنه إنه مهرب كبير كانت تربطه علاقات قوية بالنظام في الماضي، أن عدد رجاله يصل إلى 1.300 مسلح، وأنه يسيطر على شبكة من الاتصالات تتجاوز الحدود. وتمكنه سيطرته على المعابر الحدودية المؤدية إلى حلب، وهي أكبر المدن السورية، من أن يكون وسيطا يتمتع بنفوذ كبير.

واكتفى العقيد عبد الجبار العكيدي، الضابط السابق في الجيش السوري، وأحد قادة الجيش السوري الحر في حلب، بقوله إنه كان على علم بمطالب الداديخي، الذي يدعوه أبو إبراهيم. وقال: «لإبراهيم طلباته. إذا تم النظر فيها بجدية، سيطلق سراح اللبنانيين». وعبر أقارب الرهائن، الذين تم التواصل معهم هاتفيا في بيروت، عن غضبهم بعد سماع مطالب الداديخي. وقالت زوجة أحد الرهائن: «فليحتجزوا شخصا من النظام. لماذا يختطفون لبنانيين؟ ما علاقتنا بثورتهم؟ إنهم كاذبون ولن يطلقوا سراحهم. ما هذا إلا ابتزاز».

وسمح الداديخي لصحافيين من صحيفة «نيويورك تايمز» بمقابلة اثنين من الرهائن، هما علي عباس (30 عاما) وعلي ترمس (54 عاما) لمدة 30 دقيقة خلال فترة ما بعد الظهيرة يوم الخميس. بدا الرجلان في صحة جيدة، وقالا إنهما والرهائن الآخرين لم يتعرضوا إلى أي أذى. وعبرا عن قلقهما وطلبا من الحكومة اللبنانية والحكومة السورية تنفيذ طلبات الخاطفين. وقال عباس: «لقد مر وقت طويل علينا ونريد العودة إلى منازلنا». وتم إجراء هذه المقابلة في مكتب كان تابعا للحكومة السورية في الماضي على المعبر الحدودي بين سوريا وكيليس بتركيا. ووافق الداديخي على مغادرة الغرفة حتى يتحدث الرهائن بحرية. ولم يتم تسجيل اللقاء.

دعا ترمس إلى إسقاط نظام الأسد. وأثنى هو وعباس على الداديخي، ووصف الظروف التي يعيشون فيها بكلمات مبهجة كدأب الرهائن الذين يسعون إلى إقامة علاقات جيدة مع مختطفيهم. وقال ترمس مشيرا إلى عباس: «لقد ازداد وزنه. لاحظت ذلك». وأضاف: «أحلف بالله أننا لم نتعرض لأي أذى أو إزعاج من أي شخص. ولم يسبنا أي منهم». وأوضح عباس أنه يقدم إليهم ما يكفي من الطعام والأدوية والتدفئة، ويسمح لهم بمشاهدة التلفزيون؛ وهي ظروف لا يتمتع بها الكثيرون في سوريا مع دخول الحرب فصل الشتاء الثاني. وكانت مطالب الداديخي مرتبطة برسالة الثورة، حيث أكد على عدم رغبته في الحصول على المال. وتبقى احتمالات قبول الحكومتين السورية واللبنانية شروط الداديخي غير مؤكدة. ولم يسمع أي أخبار عن الاثنين اللذين اشترط الثوار الإفراج عنهما لإطلاق سراح الرهائن، وهما طل الملوحي، والمقدم حسين حرموش، منذ اختطاف الرهائن. ويخشى الكثير من النشطاء أن يكونا قد ماتا. لم تكن الملوحي، وهي مدونة كانت في سن المراهقة وقت القبض عليها، مشاركة بشكل مباشر في الثورة، لكنها عبرت من خلال مدونتها التي كانت تدون بها أشعارها، عن دعمها للفلسطينيين وكانت تدعو من خلالها إلى حياة أفضل في سوريا. وألقى ضباط أمن القبض عليها في نهاية عام 2009. ويذكر أن الثورة السورية اندلعت عام 2011، وأطلقت عليها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في ذلك الوقت «أصغر سجينة رأي في العالم العربي». ومع بداية الاحتجاجات ضد نظام الأسد، اعتبرتها المعارضة رمزا للثورة ومثالا يدل على قمع النظام السوري.

هرب حرموش، أول منشق بارز من الجيش السوري، من سوريا في يونيو (حزيران) عام 2011، وقال إن النظام السوري أصدر أوامر للجيش بإطلاق النيران على المدنيين. واختفى من تركيا في أغسطس (آب) عام 2011، لكنه ظهر بعد فترة قصيرة على التلفزيون السوري ليتراجع عن موقفه، وهو ما رأته المعارضة ظهورا قهريا إجباريا.

وأقر الداديخي باحتمال وفاة الملوحي وحرموش، وقال إنه إذا كانا قد قتلا على أيدي النظام، فهو لن ينتقم. وأوضح قائلا: «نحن لن نفعل مثلما يفعل النظام ونقتل معتقلينا». كذلك طلب الداديخي من الحكومة اللبنانية إطلاق سراح النشطاء المعارضين لنظام الأسد الذين تم اعتقالهم منذ بداية الثورة. وقال إنه لم يحص عدد النشطاء الموجودين في قبضة الحكومة اللبنانية، لكنه يعتقد أن عددهم قد يصل إلى مائة. وأضاف أنه حاول الاتصال بالسفارة الأميركية لدى تركيا للعب دور الوسيط من أجل الإفراج عن الرهائن، لكنه لم يتلق أي رد.

* خدمة «نيويورك تايمز»