المعارضة الجزائرية تتهم السلطات بـ«التخاذل أمام فرنسا» في موضوع الاعتذار عن جرائم الاستعمار

أستاذ جامعي لـ«الشرق الأوسط»: «قضايا الذاكرة» لا تهم الجزائري البسيط الباحث عن قوت يومه

TT

اتهمت عشرة أحزاب جزائرية معارضة، السلطات بـ«التخاذل أمام فرنسا» بخصوص مطلب قطاع من الجزائريين يتمثل في اعتذار باريس عن جرائم الفترة الاستعمارية (1830 - 1962). جاء ذلك بمناسبة زيارة مثيرة للجدل، سيقوم بها الرئيس فرنسوا هولاند إلى الجزائر يومي الأربعاء والخميس المقبلين.

وقال قادة الأحزاب العشرة؛ ومن بينهم إسلاميون، في بيان أمس حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إن السلطات الجزائرية «عليها أن تتحمل مسؤولياتها السياسية والأخلاقية في الدفاع عن مطالب الشعب الجزائري، وعلى رأسها موضوع الاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائم فرنسا بالجزائر وإنهاء سياسة النعامة في التعاطي مع هذا الملف». وحذر أصحاب البيان من «التجاوب مع المطلب الفرنسي في قضية تعويض (الأقدام السوداء) والمعمرين، عما يسمونه ممتلكاتهم بالجزائر». ومعروف محليا وفرنسيا، أن المئات ممن كانوا يعيشون في الجزائر وغادروها عشية الاستقلال يطالبون حتى سنوات قليلة، باستعادة أملاكهم أو تلقي تعويض عنها. ورفض القضاء الجزائري التعاطي مع دعاوى بهذا الشأن، بإيعاز من السلطة السياسية.

ودعت أحزاب المعارضة إلى «وقف مسلسل تفضيل الشركات ورجال الأعمال الفرنسيين عن غيرهم، بعيدا عن معايير ومقاييس الشراكة ودفتر الأعباء الخاص بالاستثمار الأجنبي بالجزائر». ويرى قادة هذه الأحزاب أن الشركات الفرنسية تستفيد من امتيازات خاصة يوفرها مسؤولو الجزائر، بحجة أن هؤلاء تربطهم صلات مع هذه الشركات قائمة على المنفعة المادية.

وعبر الموقعون على البيان عن رفضهم وجود «الحركي» في الوفد الرئاسي والوزاري الفرنسي الذي سيتنقل في الجزائر. في إشارة إلى وزير قدامى المحاربين عبد القادر عريف، الذي يتحدر من أصول جزائرية ووالده «حركي»، أي تعاون مع الاستعمار الفرنسي ضد ثورة التحرير (1954 - 1962). وأضاف أصحاب البيان أن زيارة هولاند «تحمل رسائل ودلالات تصب في مجملها في اتجاه المزيد من اختلال موازين العلاقات الثنائية في جميع المجالات».

وشكل موضوع «الاعتذار عن جرائم الاستعمار»، شرطا من جانب الجزائر لتطبيع العلاقة مع فرنسا المتوترة منذ عشرات السنين، بسبب ثقل الماضي المشترك على هذه العلاقة، وكان سببا في مزيد من التشنج في فترة رئاسة نيكولا ساركوزي. أما في عهد الرئيس جاك شيراك، فقامت مساعي للتوقيع على «معاهدة صداقة»، وأعلن عن فشلها في 2006 بسبب «تشبع الطبقة الفرنسية بالثقافة الاستعمارية» على حد تعبير وزير الخارجية آنذاك محمد بجاوي.

لكن الظاهر أن قضية «الاعتذار» لم تعد مطروحة بقوة في المدة الأخيرة، لإدراك الطرف الجزائري استحالة تجاوب الفرنسيين معها. ففي مقابل «الاعتذار» أو ما يعرف بـ«قضايا الذاكرة»، يقترح الفرنسيون شراكة اقتصادية ينتفع منها الطرفان على حد سواء.

وحول هذا الموضوع ذكر محمد خوجة، أستاذ العلاقات الدولية بكلية العلوم السياسية بالعاصمة، لـ«الشرق الأوسط»: «مسألة (الذاكرة) والاعتراف بالجريمة الاستعمارية لا تهم المواطن الجزائري، الذي يبحث عن قوت يومه. هي تهم السياسيين ورجال السلطة الذين يستعملونها ورقة للضغط على فرنسا لجلب مكاسب معينة، ويوظفونها أحيانا للاستهلاك المحلي. بينما الجزائري البسيط، يهمه لو تستثمر السلطة في التقارب الجاري حاليا مع فرنسا لجلب مشاريع تعود عليه بالفائدة في حياته اليومية. هو مهتم مثلا بمشروع بناء مصنع السيارات (رينو) أو (بيجو) الذي سيوفر مئات من مناصب الشغل، ولا يعبأ كثيرا بما إذا كان الفرنسيون مستعدين للاعتذار عن جرائم الاستعمار».

ويرتبط فرنسوا هولاند الذي سيزور الجزائر الأسبوع المقبل بعلاقة قديمة مع هذا البلد تعكس في بعض جوانبها مسيرة جيل ولد في 1954 مع بداية حرب الاستقلال الجزائرية. وفي كتاب «تغيير المصير» الصادر في فبراير (شباط) 2012، يتذكر المرشح الاشتراكي للرئاسة الفرنسية كيف تحددت صحوته السياسية اعتبارا من سنواته الأولى على عكس والده جورج هولاند الذي كان من مؤيدي الجزائر الفرنسية.

ويقول هولاند في هذا الكتاب متحدثا عن والده: «أفكاره، وخلافا لأفكاري، أجبرتني على بناء تفكيري، وشحذ حججي، لقد كان يجاهر بقناعات تصطدم بالقناعات التي تولد في ذهني».

وفي كتاب «واجبات الحقيقة» (2006)، أظهر هولاند عندما كان السكرتير الأول للحزب الاشتراكي، قسوة تجاه «الاس إف أي أو» (سلف حزبه السياسي) الذي «فقد روحه في حرب الجزائر» وسوف يحمل دائما نظرة عدم رضا حول هذا النزاع والاستعمار.

وكان هولاند استكشف الجزائر سنة 1978 عندما كان طالبا في المعهد الوطني للإدارة وأمضى ثمانية أشهر في سفارة فرنسا لدى الجزائر.

وقد أثرت فيه الفترة التي أمضاها في الجزائر بشكل عميق. وفي يوليو (تموز) 2006 عاد هولاند إلى الجزائر عندما كان سكرتيرا أول للحزب الاشتراكي وزعيما للمعارضة، وقد استقبله الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم.

وفي العام الماضي أثار نص قانون فرنسي، تم إلغاؤه في وقت لاحق، يشير إلى «الدور الإيجابي» للاستعمار الفرنسي، جدلا بين الجزائر وحكومة جاك شيراك اليمينية. وبمناسبة زيارته الجديدة، يدعو فرنسوا هولاند إلى توقيع معاهدة صداقة بين الجزائر وفرنسا «على أسس واضحة وبعد دراسة واضحة لتاريخنا المشترك». وأعلن هولاند أن الاستعمار كان «استغلالا وهيمنة واحتلالا»، لكنه ليس بالضرورة ممارسة «إذلال ينكأ الجروح في حين أن الهدف هو بالضبط التئامها».