واشنطن تعتبر الاستفتاء اختبارا لمرسي ولا ترى أن الدستور يرسخ حكما دينيا

مسؤول في البيت الأبيض: باعتباره الرئيس المنتخب فإنه تقع عليه مسؤولية مداواة الانقسام

دبابات مصرية متخذة مواقع لها أمام القصر الرئاسي في القاهرة أمس (رويترز)
TT

كانت الدبابات والأسلاك الشائكة تحيط بقصر الرئاسة في مصر، كما كانت هناك جموع من المحتجين أمام القصر الأسبوع الماضي، عندما أجرى الرئيس الأميركي باراك أوباما اتصالا بالرئيس المصري محمد مرسي.

يواجه مرسي وحلفاؤه من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين تهمة التحول المفاجئ نحو النظام الاستبدادي، إذ إنهم اتخذوا ادعاء حياكة مؤامرات ضدهم كذريعة وأرسلوا أنصارهم لمواجهة المحتجين في الليلة التي سبقت ذلك الاتصال، مما أدى لحدوث اشتباكات أسفرت عن سقوط 7 قتلى. غير أن أوباما لم يوبخ مرسي، بحسب مستشارين للرئيسين.

لكن مسؤول رفيع المستوى بإدارة أوباما قال إن الرئيس الأميركي سعى للركون إلى زيادة التقارب مع نظيره المصري، موضحا لمرسي أنه في صالحه أن يطرح على المعارضة حلولا توافقية، بهدف توطيد الثقة في حكومته.

«لقد كان هذان الأسبوعان الأخيران مقلقين بالطبع، لكننا ما زلنا في انتظار معرفة ما سيحدث»، هكذا تحدث مسؤول إدارة آخر رفيع المستوى، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته لتفادي تأزم العلاقات مع مصر. وأضاف: «أحد الأمور التي يمكننا أن نشير إليها والتي تصب في صالح مرسي، هو أنه قد تم انتخابه، ومن ثم، فهو يتمتع بقدر من الشرعية»، مشيرا إلى أن مرسي انتخب بنسبة 51 في المائة من الأصوات.

مع توجه المصريين يوم أمس للتصويت على مسودة الدستور، فإن النتائج ربما تقدم حكما على قدرة مرسي على تحقيق الاستقرار في بلده ومراهنة أوباما على أن بإمكانه بناء علاقة شراكة مع الإخوان المسلمين، تلك الجماعة التي طالما تحاشتها الولايات المتحدة على مدى عقود بوصفها تهديدا للقيم والمصالح الغربية.

يقول مسؤولو البيت الأبيض إنه بوصفه أول رئيس منتخب من خلال عملية ديمقراطية في مصر، يتمتع مرسي بفرصة مميزة لبناء عملية ديمقراطية جديرة بالثقة بمشاركة واسعة النطاق، وهو ما يوفر ضمانا مؤكدا للاستقرار.

غير أن خصوم جماعة الإخوان المسلمين أشاروا إلى الأساليب الغليظة التي وظفها مرسي في تمرير الدستور بوصفها تبريرا لمنطقهم القائل إن سياسات الإسلاميين تتعارض مع التسامح والتعددية والحوار المفتوح اللازم لإرساء الديمقراطية. ويقولون إن تحوله إلى الاستبداد قد أثبت فشل السياسة التي انتهجتها إدارة أوباما على مدى عامين، المتمثلة في مغازلة قادة مصر الإسلاميين الجدد.

يقول البعض إن البيت الأبيض ربما كان يفكر في إعادة النظر في المساومة التي عقدها مع الرئيس المخلوع حسني مبارك، بغض الطرف عن الأساليب القمعية التي ينتهجها طالما استمر في الحفاظ على استقرار النظام الإقليمي المدعوم من الولايات المتحدة.

وبتخفيف حدة انتقادها، يلقى قدر من اللوم على إدارة أوباما، بحسب مايكل حنا، الباحث بمؤسسة القرن في نيويورك، وهو المصري الأميركي الذي توجه إلى القاهرة للتصويت. «السكوت علامة الرضا»، هكذا تحدث، مضيفا عن مرسي: «في مرحلة ما، إذا كنت غافلا عن الصالح العام إلى حد أنك على استعداد لجر البلاد إلى حافة الهاوية والتغاضي عن الجثث المتناثرة في الشوارع، فهذا جرم فادح».

وعلى الرغم من ذلك، يقول مستشارو أوباما، فإن هدفي تحقيق الاستقرار وإرساء الديمقراطية متوازيان، نظرا لأنه في أعقاب الثورة المصرية، لن يقبل المصريون بالاستبداد بعد اليوم.

أما بالنسبة لموقفهم من مرسي، فيشير مسؤولو الإدارة ومحللون خارجيون آخرون إلى أنه حتى الآن يبدو أن أخطاءه تتعلق بالتكتيكات لا الآيديولوجية، مع وجود صلة غير مباشرة بسياساته الإسلامية.. «المشكلة بالنسبة لمرسي ليست فيما إذا كان منتميا للتيار الإسلامي أم لا، وإنما ما إذا كان متسلطا ومستبدا أم لا»، هذا ما قاله دبلوماسي غربي في القاهرة، الذي تحدث مشترطا عدم الكشف عن هويته بسبب البروتوكول الدبلوماسي.

الأهم من ذلك هو أن أبرز بدائل المرشحين التي تقدمها المعارضة ليست أقل تسلطا؛ كان أحمد شفيق، الذي خسر سباق الانتخابات الرئاسية، هو رئيس وزراء مبارك الذي كان يروج لنفسه في حملته الانتخابية بوصفه وريث نظام استبدادي، وحمدين صباحي، الذي جاء في المرتبة الثالثة في سباق الانتخابات الرئاسية بفارق ضئيل، هو ناصري تحدث عن تدخل الجيش لعزل مرسي، على الرغم من كونه رئيسا منتخبا.

«المشكلة مع عبارة (ألم نقل لكم؟) هي افتراض أنه إذا ما سارت الأمور على نحو مختلف، لكانت النتيجة أفضل، وأنا لا أرى هذا»، هذا ما قاله الدبلوماسي، مشيرا إلى أن احترام المعارضة لمسودة الدستور لا يزيد عن احترام مرسي لها فيما يتعلق بمبادئ الديمقراطية أو سيادة القانون. وأضاف: «لا توجد قبعات بيضاء وقبعات سوداء هنا، ليس هناك أبطال وأشرار. الجانبان يوظفان أساليب مضللة ويستخدمان العنف».

يقول معارضو مسودة الدستور إنها لا تكفل حرية التعبير أو مساواة المرأة في الحقوق مع الرجل على النحو الكافي. في ظل حكم نظام أكثر تحفظا ينتمي للتيار الإسلامي، من شأن بنود معينة أن تمنح سلطة جديدة للمرجعيات الدينية الإسلامية تفرضها على القانون والمجتمع. أبقت مسودة الدستور على مادة معمول بها منذ فترة طويلة تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. هناك فقرة جديدة تعرف تلك المبادئ على نطاق واسع بما يتوافق وتقاليد المسلمين السنة. ويقول نقاد إنها يمكن أن تستغل في يوم ما على نحو يضر بالمشرعين ورجال القانون غير المسلمين.

غير أن مسؤولين في البيت الأبيض يقولون إنه على الرغم من أن مسودة الدستور ربما تكون مبهمة، فإنها لا ترسخ حكما دينيا لاهوتيا.. «وسيتمثل السؤال في: كيف سينفذ البرلمان الجديد ما جاء في الدستور؟ وما رؤيتهم لمصر؟»، هذا ما جاء على لسان تومي فيتور، وهو متحدث باسم مجلس الأمن القومي.

انتقد معارضون بعض الحلفاء الإسلاميين لمرسي لحشدهم مؤيديهم في دعوات للدفاع عن الشريعة الإسلامية. ويقول الخصوم إن التذرع بالدين يصور معارضي الإسلاميين بصورة شيطانية على نحو مجحف، إذ إن معظمهم مسلمون متفتحون، فضلا عن أنه يعمق الاستقطاب الذي عطل مسار الحياة السياسة المصرية. غير أن مرسي لم ينضم إلى مثل هذه الدعوات.

ويقول باحثون آخرون في شؤون جماعة الإخوان المسلمين إن أساليب مرسي الاستبدادية الأخيرة ربما ترتبط بدرجة أكبر بتاريخ الحركة السياسية الإسلامية. فقد نشأ في جماعة الإخوان المسلمين حينما كانت جماعة سرية محظورة في ظل دولة مبارك البوليسية، التي كانت معنية في المقام الأول ببقائها، وترى ما يتربص بها في كل ركن.

ويدافع مسؤولون في البيت الأبيض عن مرسي، قائلين إنه يتعلم من أخطائه. وخوفا من احتمال أن تحل المحاكم الجمعية التأسيسية أو تنزع سلطاتها، تخطى مرسي الحدود بإصدار إعلان دستوري يحصن قراراته ضد الطعون القضائية حتى إقرار دستور جديد.

غير أنه تراجع بثبات تحت ضغط الشارع. وبعد الخطأ الفادح الذي ارتكبه «الإخوان» بحشد أنصارهم الإسلاميين لتأمين قصر الرئاسة، أبقت جماعة الإخوان المسلمين جميع حشود أنصارها بمنأى عن معارضيها تجنبا لوقوع المزيد من أعمال العنف.

بالنظر إلى ما بعد الاستفتاء، يقول مستشارو البيت الأبيض إنهم يحثون مرسي على استثمار أي مكسب سياسي حققه في التواصل مع معارضيه لبناء شرعية حكومته والعملية السياسية. ويقول مستشارو مرسي إن لجنة «الحوار الوطني» التي شكلها ما زالت تدرس تلك المقترحات.

بموجب القانون المصري الحالي، يسمح للرئيس بتعيين نحو ثلث أعضاء مجلس الشورى، وتتمثل إحدى الأفكار في أنه يمكن أن يعين معارضين سياسيين، لتحقيق التوازن. ويعتبر مجلس الشورى هو الهيئة التشريعية الوحيدة الفاعلة حتى إجراء الانتخابات البرلمانية، التي تبت في قضايا حساسة مثل قوانين الانتخابات.

ويقول مسؤول البيت الأبيض: «بوصفه رئيس مصر المنتخب ديمقراطيا الذي مرر دستورا للتو، تقع على عاتقه مهمة العمل من أجل مداواة هذا الانقسام. ونحن نتطلع إلى إجراءات ملموسة في سبيل تحقيق الهدف، مثل الاستعداد لتعيين أعضاء في مجلس الشورى».

وأضاف: «ونحن نقول الشيء نفسه للمعارضة، ألا وهو أن عليهم أن يكونوا مستعدين للمشاركة».

* خدمة «نيويورك تايمز»