أمير الكويت: لنتعلم كيف نختلف دون تحول الاختلاف إلى خصام

وجه 3 رسائل للحكومة والبرلمان والإعلام خلال افتتاحه البرلمان.. وأكد أن ربيع الكويت «دائم»

النائبة الكويتية معصومة المبارك تتعطر بالبخور عند وصولها إلى مقر البرلمان في الكويت أمس (رويترز)
TT

وجه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، أمس، انتقادات شديدة اللهجة للاحتجاجات التي تقودها المعارضة، في كلمة ألقاها خلال افتتاحه مجلس الأمة (البرلمان). وعقد مجلس الأمة أمس جلسة في دور انعقاده العادي الأول، وسط تدابير أمنية مشددة، وأحاطت قوات الشرطة والقوات الخاصة والحرس الوطني مبنى المجلس بالمدرعات، في حين تظاهر ناشطون خارج البرلمان للمطالبة بإسقاط المجلس الجديد.

ووجه أمير الكويت 3 رسائل للحكومة والبرلمان وأجهزة الإعلام، وقال إن على الحكومة العمل من أجل الإصلاح وفق برنامج «يبدأ بالاعتراف بالخلل وحسن تشخيصه»، وطالب البرلمان بتصويب ممارسة عمله وتنقيته من الشوائب، في حين دعا أجهزة الإعلام إلى العمل على تعزيز «اللحمة الوطنية ونبذ كل ما من شأنه بث الفتنة والفرقة» بين أبناء الوطن. وتحدث الأمير في خطابه عن الشباب وطالبهم بالوعي مع الحماسة، مشيرا إلى الواقع الذي تمر به المنطقة، مؤكدا في ذات الوقت أن «ربيع الكويت دائم».

وقال أمير الكويت: «من الجدير أن نتفهم قلق أهل الكويت ومخاوفهم إزاء ما شهدته الساحة المحلية مؤخرا من مظاهر الفوضى وتجاوز القانون والانحراف في الخطاب السياسي التي لم نألفها من قبل وهي غريبة وطارئة على مبادئ مجتمعنا الكويتي وأعرافه الراسخة وما عرف به من قيم الاحترام المتبادل والاعتدال والتسامح وقبول الرأي والرأي الآخر». وأكد الإيمان الراسخ بحرية التعبير، وقال: «جميعنا نستنكر تلك الممارسات وما شابها من أعمال تجاوزت القانون والأعراف والقيم المعهودة أقلقت راحة المواطنين الآمنين في مساكنهم وأدت إلى إشاعة الفوضى واستخدام لغة الإقصاء والتخوين بين أبناء الوطن الواحد».

ووقعت مواجهات غير مسبوقة بين المتظاهرين وقوات الأمن خلال بعض من هذه المظاهرات، كما سقط عدد من الجرحى وتم توقيف ناشطين وأطلقت ملاحقات قضائية بحق نواب سابقين معارضين. وبعد أن قاطعت المعارضة الانتخابات بشكل واسع، تطالب حاليا بإسقاط مجلس الأمة، فضلا عن مطالبتها بإصلاحات سياسية بما في ذلك تشكيل حكومة منتخبة.

وتساءل أمير الكويت في كلمته أمام مجلس الأمة: «إزاء هذه الممارسات السلبية الغريبة فإن ثمة تساؤلا يفرض نفسه ماذا تركنا لأبنائنا وأحفادنا من قيم ومبادئ وأعراف غرسها الآباء والأجداد في وجدان هذا الوطن الكريم؟!». وتابع: «لماذا نفتح الباب واسعا ونترك المجال متاحا لكل يد خبيثة تضمر سوءا وشرا بأمن وطننا ومقدراته؟».

ورأى أن «هذه الممارسات لا تصون وطنا ولا تعزز أمنا واستقرارا ولا تجعل من الباطل حقا، بل هي بالتأكيد دعوة لهدر مكتسباتنا الوطنية وانتكاسة حضارية لا تعكس إيمانا حقيقيا بالديمقراطية ولا بدولة القانون والمؤسسات». ومنذ منتصف 2006 استقالت تسع حكومات وجرى حل البرلمان ست مرات، مما يعكس الأزمات السياسية العميقة والمتتالية.

وقال أمير الكويت، إن «التطور والتغيير سنة الحياة وإن المجتمع الواعي اختار لنفسه النظام الأمثل الذي يحقق آماله وتطلعاته وينسجم مع ثوابته وإمكاناته ومعطياته على قاعدة راسخة من التوافق والحوار الإيجابي البناء لا تخدش ثوابته ولا تمس بأمنه واستقراره ولا تضعف تماسكه ووحدته». وأضاف: «علينا أن نتوقف لإعادة النظر في أوضاعنا قبل أن تضل الرؤية وتختلط المفاهيم وترتبك أسس الحق والباطل ومعايير الخير والشر». وتابع القول: «علينا أن نتعلم كيف نختلف دون أن يتحول الخلاف إلى خصام وعداء وصراع.. فالاختلاف في الرأي نعمة ودلالة صحة وحيوية وتفاعل محمود بين أبناء أي مجتمع حر لا ينبغي أن نتوجس منه خيفة أو قلقا».

وهنأ أمير الكويت النواب على ثقة المواطنين فيهم، ودعاهم إلى التفاني وتقدير المسؤولية الملقاة على عاتقهم و«تحقيق الآمال العريضة» المعقودة عليهم في خدمة الوطن. كما وجه التحية لرجال الأمن «بما تحلوا به من صبر وحكمة وسعة صدر في استيعاب هذه الأحداث والحد من آثارها ومضاعفاتها».

وأكد الشيخ صباح الأحمد التزام بلاده «بالنهج الديمقراطي والدستور.. وقد أكدت أنني من يحمي الدستور ولن أسمح بالمساس به أو التعدي عليه إيمانا بأنه يمثل الضمانة الأساسية بعد الله لأمن الوطن واستقراره، كما أوضحت مرارا أن جميع الكويتيين أبنائي مهما تباينت الاجتهادات والآراء ولا أكن لهم سوى الود والمحبة والتقدير وأنني على مسافة واحدة من كل واحد منهم».

ودعا الأمير الكويتيين إلى الحذر قائلا: «كلنا يعلم خطورة أوضاع منطقتنا والواقع المضطرب الذي يشهده الكثير من دول المنطقة وما يستوجبه من اتخاذ الحيطة والحذر وحسن الاستعداد لتجنب آثارها وشررها علينا». وأضاف: «أمامنا مهام صعبة وتحديات مصيرية هي بناء كويت المستقبل، كويت الديمقراطية، كويت الحرية والعدل والمساواة، كويت الرفاه والرخاء، كويت الأمن والاستقرار، كويت الرفعة والعزة والكرامة»، مؤكدا أن ذلك لن يتحقق إلا بتضافر كل الجهود والطاقات الوطنية.

ووجه الأمير 3 رسائل خلال كلمته أمام مجلس الأمن، قائلا إن «رسالتي الأولى هي للحكومة.. إن أولى خطوات الإصلاح تبدأ بالاعتراف بالخلل وحسن تشخيصه وتحديد أسبابه ليتسنى إصلاح الخلل ومعالجته على نحو سليم». وأضاف: «على الحكومة مسؤولية التخطيط الواقعي السليم وإعداد برنامج عمل واضح المعالم قابل للتنفيذ لا يتجاوز الطموحات الإمكانات، ويراعي الأولويات.. يضع الأهم قبل المهم.. ويستهدف بناء الإنسان قبل المكان.. ويتلمس هموم المواطنين ومشكلاتهم ويرتقي بالخدمات العامة.. ويجسد الالتزام الجاد بتطبيق القانون بلا تهاون ويحارب آفات الفساد والواسطة». ودعا إلى الالتزام بجدول زمني محدد المواعيد مشمولا بأدوات متابعة التقويم وآليات الثواب والعقاب الكفيلة بانضباط العمل وتحقيق الإنجاز المطلوب».

ووجه رسالته الثانية لمجلس الأمة، وقال: «عليه تقع مسؤولية إصلاح المؤسسة التشريعية وتعزيز دورها الإيجابي الحيوي في دفع مسيرة الإنجاز الوطني وتصويب ممارسة العمل البرلماني وتنقيته من الشوائب التي تعوق أداء دوره الحيوي في التشريع الإيجابي والرقابة الموضوعية الجادة والنأي به عن النزعات الطائفية والقبلية والفئوية والمصالح الضيقة وضمان الارتقاء بلغة الحوار وتجاوز الجدل العقيم الذي يبدد الجهد والوقت والطاقات والعمل على احترام الحدود الفاصلة بين السلطات وتفعيل التعاون الحتمي البناء مع الحكومة لإزالة كل أسباب الاحتقانات التي تعرقل تكامل الجهود وانسجامها وتدفع عجلة الإنجاز».

وأضاف الأمير: «أما رسالتي الثالثة فهي لمؤسساتنا الإعلامية بكافة وسائلها وأدواتها، فعليها دور وطني مهم في تعزيز اللحمة الوطنية ونبذ كل ما من شأنه بث الفتنة والفرقة بين صفوف المجتمع، وأن تحرص على أن تكون أدوات للبناء والتنمية وداعمة للتقارب والتلاحم ولكل رأي مستنير يخدم المصلحة العامة حريصة على التمسك بثوابتنا الوطنية وقيمنا الأصيلة، ملتزمة بالقانون وبمقتضيات الحرية المسؤولة والمصلحة الوطنية في أداء رسالتها السامية».

كما وجه كلمة للشباب وقال: «عليكم أن تكونوا أشد وعيا ونضجا وبصيرة في تكوين قناعاتكم ومواقفكم واختيار الطريق الذي يحقق مصلحتكم وخير وطنكم وأهلكم وأن تدركوا أن كل مسألة يتسع فيها الأمر لأكثر من رأي واجتهاد وأن حق التعبير وحق الاختلاف أدوات أساسية في أي نظام ديمقراطي وأن القوانين والأنظمة تسمح بمساحة واسعة وأساليب متعددة للتعبير بكل حرية واطمئنان دون مخالفة القانون أو الإساءة للغير أو المساس بثوابتنا وقيمنا التي نحرص جميعا على احترامها». وأضاف: «اعلموا أن الحماسة وقود يعزز الإرادة ولكن إذا غاب عنها الوعي والحكمة وحسن التقدير تحيد عن مبتغاها وتفقد جدواها».

وختم الأمير كلمته بالقول: «إن ربيع الكويت دائم بفضل الله قائم بجهود وحرص وإخلاص أبنائها محمي بظلال قيمها وثوابتها الراسخة متأصل بجذور ارتوت بعرق الأجداد والآباء عبر تاريخ حافل بالتضحيات والبطولات والإنجازات». وتابع: «إننا أمام صفحة جديدة تستوجب أن نتجاوز عثرات الماضي وننطلق للأمام رائدنا مصلحة الكويت».