انتخاب المطران السوري يوحنا يازجي بطريركا للكنيسة الأرثوذكسية في أنطاكيا وسائر المشرق

أوساط كنسية ببيروت لـ «الشرق الأوسط»: وضع مسيحيي سوريا سيكون «أولوية» لديه

يوحنا يازجي البطريرك الجديد على كرسي أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس بعد انتخابه في دير البلمند شمال لبنان، أمس (رويترز)
TT

انتخب مطارنة الكنيسة الأرثوذكسية متروبوليت أوروبا يوحنا يازجي، السوري الجنسية، بطريركا جديدا على كرسي أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، خلفا للبطريرك الراحل إغناتيوس الرابع هزيم، الذي توفي في الخامس من الشهر الجاري في بيروت، إثر جلطة دماغية. وتمت عملية الانتخاب بشكل سري، في المقر الصيفي للبطريركية الأرثوذكسية في دير البلمند، شمال لبنان، حيث ترأس القائمقام البطريركي سابا أسبر دورة المجمع الاستثنائية، بحضور 17 مطرانا، بينما تغيب بداعي المرض مطرانا أميركا الشمالية فيليبوس صليبا وبغداد والخليج قسطنطين بابا أستيفانوس، وفاز يازجي بأكثرية الثلثين.

وفي حين لم يحدد بعد موعد إعلان التدابير الرسمية لحفل تنصيب البطريرك الجديد وتسلمه مهامه الرعائية، وما إذا كان سيبقى في دير البلمند، شمال لبنان، أم سينتقل إلى مقر البطريركية الشتوي والرئيسي في العاصمة السورية دمشق، حيث يوجد في سوريا ما يزيد على مليون أرثوذكسي، تعول الكنيسة آمالا كبيرة على البطريرك الجديد، المعروف بانفتاحه على المسلمين ومتابعته لقضايا الشرق الأوسط.

ومن المتوقع أن يستحوذ الوضع السوري على جزء كبير من عمله في المرحلة الأولى، إلى جانب عمله الديني والرعائي داخل أبرشيات الكنيسة الأرثوذكسية التابعة له. وفي حين أكدت أوساط كنسية في بيروت لـ«الشرق الأوسط» أن وضع مسيحيي سوريا سيكون «أولوية» لدى البطريرك الجديد، طالب رئيس المجلس الوطني السوري جورج صبرا، باسم السوريين والأرثوذكس تحديدا، البطريرك يازجي بأن «يبقى مخلصا لتراث الكنيسة الأرثوذكسية، التي تتميز بخصوصية انتمائها إلى هذا الشرق وإلى المجتمع الذي تحمل همومه ورسالة السيد المسيح المتمثلة بعتق الإنسان وتحريره».

ودعا صبرا يازجي، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، إلى أن «يصب اهتمامه على تحرير الإنسان من كابوس الديكتاتورية والظلم والقمع». وقال: «نطمح أن تبقى الكنيسة مخلصة لتراثها المشرقي وأن تبقى كنيسة سوريا عربية وإنسانية، تنظر إلى مستقبل البلاد وشعبها، لا إلى السلطات والحكومات والعلاقات الدولية».

وفي موازاة تذكير صبرا قائلا «إننا ننظر إلى البطريرك على أنه رأس الكنيسة الأرثوذكسية ولطالما كنا نعتبره زعيما من زعماء الشعب السوري»، شدد مدير مركز الدراسات المسيحية - الإسلامية في دير البلمند الدكتور الأب جورج مسوح لـ«الشرق الأوسط» على أن «الكنيسة الأرثوذكسية تعيش حالة من الربيع الدائم وتلتزم قضايا الإنسان العربي وتبتعد عن كل ما له علاقة بدهاليز السياسة والمؤامرات والمخططات». وأعرب عن اعتقاده بأن «سوريا ستكون الموضوع الطارئ وستأتي على قائمة أولويات البطريرك»، موضحا أن «أهم التحديات التي تواجهه في بداية مسيرته تحدي الرعاية، بمعنى حضن المهجرين وإيوائهم والاعتناء بهم ومساعدتهم على العيش الكريم بالحد الأدنى».

وأكد مسوح أن يازجي «يتميز بروحانية وإيمان عميق، وخيار انتخابه جاء صائبا ودحض كل ما تم تداوله إعلاميا في الفترة الأخيرة»، وقال: «ننتظر منه أن يجدد في الكنيسة ويبث روح الثبات فيها ودعم بقاء شبابنا في هذه الأرض في مرحلة لاحقة». وأشار إلى أن البطريرك «معروف بالتزامه الشهادة والاهتمام بقضايا المسلمين والنهضة والحريات والديمقراطية»، لافتا إلى أن «كنيستنا هي كنيسة العرب والالتزام العربي ونحن والمسلمون معا منذ نشوء الإسلام».

وكان يازجي (57 عاما) قد اكتفى في كلمة مقتضبة ألقاها إثر صلاة شكر بعد انتخابه، بالقول: «أطلب من الآباء والإخوة أدعيتهم وصلواتهم لأن نكون يدا واحدة، ولنجعل من كنيسة أنطاكيا الصورة التي تليق بعروس المسيح والكنيسة». وشدد على أن «الكنيسة هي شبابنا وشاباتنا وأطفالنا وعائلاتنا»، مضيفا: «نحن ندرك أن شعبنا طيب، وخدمته لذيذة وعذبة على قلوبنا، نحن من هذه الأرض، من هذه البلاد، بلادنا ترابنا جزء منا ونحن جزء منهم». تجدر الإشارة إلى أن البطريرك يازجي يتحدر من مدينة اللاذقية، وتابع دراسته الجامعية في كلية الهندسة المدنية في جامعة تشرين. قام بدور ريادي في خدمة الشباب من خلال إقامة برامج روحية متعددة، كما أنشأ مدرسة لتعليم الموسيقى البيزنطية. وهو حاصل على شهادة الليسانس في اللاهوت من معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي - جامعة البلمند، وحائز على درجة الدكتوراه في اللاهوت من جامعة سالونيك - اليونان، بدرجة شرف، وعلى شهادة الدبلوم في الموسيقى الكنسية.

تدرج في مسيرته الكنسية منذ عام 1979، وهو تاريخ تعيينه شماسا ثم كاهنا عام 1983 في أبرشية اللاذقية، ثم بات عميدا لكلية اللاهوت في جامعة البلمند ورئيسا لدير البلمند (2001 – 2005).

وكان المجمع الأنطاكي قد انتخبه عام 1995 أسقفا للحصن (وادي النصارى)، الذي خدمه حتى عام 2008، حين عاد المجمع الأنطاكي وانتخبه متروبوليتا على أوروبا الغربية والوسطى.

وإلى جانب نشاطه الرعوي، للبطريرك حضور خارجي حيث شارك في مؤتمرات عالمية عدة، أرثوذكسية ومسكونية، في اليونان وإيطاليا وسويسرا وقبرص وأميركا وروسيا وبريطانيا، وله مؤلفات عدة، لاهوتية وتربوية وموسيقية وليتورجية، إضافة للعديد من الترجمات والمقالات والمحاضرات في أماكن عدة.