فياض يبدأ حربا على الاقتصاد الإسرائيلي.. وحكومته تدرس بيع ممتلكاتها أو رهنها

استنجد بالعرب وطلب 240 مليون دولار شهريا.. أو عقد قمة طارئة

سلام فياض (رويترز)
TT

بدا رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، على غير عادته، هذه المرة، تخلص من دبلوماسيته وحذره المعهودين، وراح يدعو إلى إلحاق الأذى بأكبر قدر ممكن بالاقتصاد الإسرائيلي، عبر الدعوة إلى مقاطعة شاملة للبضائع الإسرائيلية، مخالفا بذلك كل الاتفاقيات التي وقعت بين الطرفين. وقال فياض في اجتماع مع الصحافيين والكتاب في مكتبه في رام الله، وحضرته «الشرق الأوسط»، إنه يحمل روح المحارب، ولا ينوي الاستسلام أبدا أو رفع الراية البيضاء في مواجهة ما وصفه العدوان الإسرائيلي على حق الفلسطينيين في الحياة.

وكان فياض يرد على قرار إسرائيل هذا الشهر، بحجب أموال الضرائب الخاصة بالفلسطينيين لأربعة أشهر أخرى، على الأقل، وتحويلها، في خطوة غير مسبوقة، إلى شركة «كهرباء إسرائيل»، بدلا من ديون مستحقة على السلطة للشركة الإسرائيلية.

وتحول إسرائيل شهريا للسلطة أكثر من 100 مليون دولار بدلا من عائدات الضرائب والرسوم الجمركية التي تجبيها على بضائع فلسطينية، وفق اتفاق اقتصادي بين الطرفين.

وقال فياض: «أنا اليوم أدعو المواطنين إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ردا على العدوان الذي تشنه علينا إسرائيل، ودفاعا عن حقنا في الحياة». وأعتبر مقاطعة المنتجات خيارا حرا لكل فلسطيني، غير أنه أعلن كذلك أن حكومته تدرس الإجراءات التي من شأنها «تحويل هذه الدعوة إلى سياسة ملزمة».

ونجحت السلطة سابقا في منع استيراد بضائع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، غير أن ذلك لم يشمل أبدا البضائع الإسرائيلية الأخرى.

ويستهلك السوق الفلسطيني من إسرائيل بضائع تبلغ قيمتها السنوية ما يقارب 3 مليارات دولار، ويعتبر أحد أكبر الأسواق المستهلكة للبضائع الإسرائيلية.

وتعتبر هذه الدعوة، الأولى من نوعها التي تصدر عن جهة رسمية فلسطينية، وهي مخالفة لاتفاقات اقتصادية بين الطرفين، وقد تقود إلى مواجهة أصعب في حال تطبيقها.

ومن غير المعروف إلى أي حد يمكن أن تذهب السلطة بعيدا في ذلك، لكن فياض بدا جادا وحادا في دعوته للحرب على الاقتصاد الإسرائيلي في محاولة لإجبار إسرائيل عن التراجع عن حجز الأموال الفلسطينية، والتي ضاعفت من أزمة السلطة المالية الخانقة إلى الحد الذي لم تدفع معه رواتب موظفيها حتى الأمس، ولم تعلن موعدا لذلك. وحتى فياض لم يعط موعدا أو آلية لدفع الرواتب.

وأغلق المعلمون أمس، جميع المدارس في الضفة الغربية، بينما ينوي الموظفون إغلاق الوزارات على طريق شل المؤسسات تماما، إذا ما استمر الوضع المالي كما هو.

وعلى الرغم من أن فياض دعا إلى حوار إداري لجهة تجاوز إغلاق المؤسسات لكنه قال إنه يتفهم حاجة الناس تماما. ولم يقدم فياض أجوبة شافية حول خطوات عملية مرتقبة للخروج من الأزمة المالية، وقال إنه لا يملك عصا سحرية. غير أنه استنجد بالعرب، معتبرا أن التمويل البديل هو الحل المنظور على المدى القصير والمتوسط. وقال فياض «ليس أمامنا إلا الاستنجاد بالأشقاء العرب».

وانتقد فياض عدم تفعيل الدول العربية، شبكة الأمان التي أقرت في الاجتماع الأخير للجنة المتابعة العربية، تنفيذا لقرار قمة بغداد رقم 551 بتاريخ 29 مارس (آذار) 2012، والقاضي بتوفير شبكة أمان مالية بمبلغ 100 مليون دولار شهريا للسلطة.

وقال فياض إنه لم يجر لغاية الآن أي تحويل للأموال المنتظرة، معتبرا أن الوضع لا يتحمل تشكيل لجان وبحث. وطالب بقمة عربية طارئة لبحث الوضع المالي الخطير، إذا لم يحول العرب الأموال بسرعة كبيرة. وأكد فياض أن المبلغ المراد تحويله غير كاف. وقال «نريد 240 مليون دولار شهريا، هذا ما نحتاجه، بدلا من دعوات الصمود».

وتجبي السلطة من الضرائب نحو 50 مليون شهريا، بينما تحتاج إلى 300 مليون للرواتب والالتزامات والنفقات الأخرى.

وذكر فياض بالقمة العربية التي عقدت في عام 2000، ودعا إليها خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، عندما كان وليا للعهد آنذاك، وكيف استطاع توفير مليار دولار للسلطة.

واستغرب فياض امتناع دول عربية عن دعم السلطة. وقال: «في ذروة الانتفاضة، كانت الأموال تصل في وقتها مثل الساعة السويسرية، أما الآن فإننا نعاني».

وامتنع فياض عن الإجابة عن سؤال حول سبب تراجع الدعم العربي، نافيا أن يكون ذلك مرتبطا بقرارات أميركية وأوروبية كما يحاول البعض الترويج. وطالب فياض بتوطيد العلاقات الاقتصادية الفلسطينية العربية، كما طالب القطاع المصرفي بإبداء مرونة أكبر تجاه الموظفين.

ولم يخف رئيس الوزراء الفلسطيني، أن الأزمة المالية وصلت إلى حد، تفكر معه السلطة في بيع أو رهن ممتلكاتها، في محاولة للتخفيف من الأزمة وقال إن ذلك إلى جانب أخذ فائض الشيكل (العملة الإسرائيلية) من البنوك الفلسطينية، قد تكون حلولا مؤقتة لدفع رواتب الموظفين. وقال فياض إن حكومته تدرس كل هذه الاحتمالات.

غير أن الوقت يضغط على فياض وزملائه في الحكومة، إذ تبدو قدرة الناس على الصمود لمدى أطول، من دون رواتب، محدودة للغاية، وتزداد صعوبة شهرا بعد آخر، حتى مع دولة مراقب في الأمم المتحدة.