الرئيس الفرنسي في الجزائر غدا.. وباريس تريد طي صفحة الماضي الاستعماري

ملفات مالي وسوريا والنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ومستقبل الاتحاد من أجل المتوسط على جدول مباحثاته

TT

تنتظر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أربعة ملفات رئيسية في زيارة الدولة، التي يقوم بها للجزائر غدا وتستمر يومين. وتشمل العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية الثنائية، والإرهاب وعلاقته بالوضع في شمال مالي، والتدخل العسكري الدولي في هذا البلد، إلى جانب موضوع الشرق الأوسط وتحديدا سوريا والنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وأخيرا، مستقبل الاتحاد من أجل المتوسط وامتداد العلاقات الأوروبية - المتوسطية.

ويصل هولاند إلى الجزائر بعد ظهر غد، وهو عازم على إغلاق الملف الذي يسمم العلاقات الفرنسية - الجزائرية الخاص بماضي فرنسا الاستعماري، وحرب الاستقلال الجزائرية. وقالت مصادر الرئاسة الفرنسية إن هولاند الذي استشار، تمهيدا للزيارة، كثيرا من الخبراء والباحثين والأساتذة الجامعيين وتلقى كثيرا من المذكرات والأفكار، «سيقوم بما يستلزمه الوضع» بمعنى أنه «سيقول الكلمات الملائمة» من غير أن يصل ذلك إلى حد «تقديم الاعتذار» أو «طلب الغفران» كما تطالب بذلك من وقت لآخر أوساط جزائرية.

وبحسب المصادر الفرنسية، فإن الجانب الجزائري الرسمي «لم يطلب ذلك». وتوجد لدى الرئيس الفرنسي، الذي فضل التوجه بداية إلى الجزائر قبل أن يزور المغرب، الصديق التقليدي لفرنسا في منطقة المغرب العربي، رغبة لإخراج المستقبل المشترك من عقدة الماضي، وإقامة «علاقات ندية» بين البلدين.

وسيمثل «الإعلان المشترك» الذي سيصدر عن الرئيسين أثناء الزيارة نوعا من «خريطة الطريق» لعلاقات البلدين في السنوات المقبلة التي لن يحول دون تطورها اختلاف وجهات النظر بين باريس والجزائر إزاء نزاع الصحراء الغربية، حيث تتبنى فرنسا طرح المغرب وتدعمه في مجلس الأمن.

وتريد باريس من هذا الإعلان أن يتضمن كافة نواحي العلاقات السياسية (الثنائية والإقليمية والدولية) والاقتصادية والثقافية والعلمية والدفاعية. وتشدد مصادر الرئاسة على أن المهم «ليس أن تحصل الزيارة وحسب، بل أن تكون لها نتائج ومحتوى ومتابعة»، الأمر الذي سيوفره التأسيس لاجتماعات وزارية سنوية مختلطة. وينتظر أن توقع خلال الزيارة 15 اتفاقية تعاون تشمل الصناعة (مصنع تجميع سيارات رينو في الجزائر) والتعاون التقني والأكاديمي والطاقة والدفاع. وأخيرا، ترغب فرنسا في أن تعود أحد المصدرين الرئيسيين للقوات الجزائرية بعد فترة الانقطاع التي بدأت مع عقد التسعينات من القرن الماضي. وتعتبر المصادر الفرنسية أن ثمة «فرصا» دفاعية في قطاعي الطوافات والقطع البحرية.

وفيما يطلب الطرف الجزائري تسهيلات إضافية في موضوع إعطاء التأشيرات للراغبين في زيارة فرنسا، فإن باريس تؤكد أن عدد التأشيرات الممنوحة تضاعف في السنوات الأخيرة، وأن نسبة الرفض لا تتجاوز العشرين في المائة.

وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية إن الرئيس هولاند الذي يعي «وزن» التحولات الجارية في البلدان العربية وتطورات الربيع العربي «يريد أن يبني حوارا مع الشباب الجزائري».. الأمر الذي سيتوفر له خلال لقائه طلابا في مدينة تلمسان الثقافية والتاريخية، حيث سيلقي هولاند خطابا ويحاور الشبان. وسيشكل الخطاب الذي سيلقيه الرئيس الفرنسي أمام المجلسين التشريعيين مناسبة لإيصال الرسائل التي يريد أن تصل إلى الشعب الجزائري بما في ذلك النظرة إلى الماضي المشترك الأليم في بعض جوانبه. والأهم من ذلك يريد هولاند أن يتحاشى المطبات التي وقع فيها سابقاه في قصر الإليزيه جاك شيراك، ونيكولا ساركوزي، والتي أجهضت أية إمكانية «لتطهير» العلاقة الإشكالية بين باريس والجزائر.

وكانت الجزائر تبدو «متحفظة» تجاه التدخل الدولي تحت راية الأمم المتحدة في شمال مالي، بينما تعطي باريس الانطباع أنها راغبة في استعجال التدخل علما أن فرنسا تؤكد أنها لن تشارك لا جوا ولا أرضا في العمليات العسكرية التي تتولى المجموعة الاقتصادية لبلدان غرب أفريقيا الدفع باتجاهها. غير أن المسؤولين الجزائريين طوروا موقفهم، الأمر الذي برز في حديث الرئيس بوتفليقة الأخير إلى وكالة الصحافة الفرنسية حيث أعلن أن «الإرهاب يمثل تهديدا شاملا ولا يتعلق بجنسية أو منطقة أو انتماء ديني، ومن الطبيعي أن تتلقى مالي دعم المجموعة الدولية من أجل مواجهته». وينتظر أن يناقش الزعيمان تفاصيل الملف المالي، وأن يسعيا للتقريب بين مواقفهما والعمل معا بشأن هذا الملف.

وبشأن الملف الشرق أوسطي، يجتمع البلدان في النظرة إلى الموضوع الفلسطيني لكن قراءتهما تتباعد بشأن الوضع في سوريا. بيد أن موقف الجزائر تطور في الفترة الأخيرة إذ كانت الجزائر من بين البلدان التي حضرت اجتماع مراكش لأصدقاء الشعب السوري بينما قاطعت في السابق اجتماعات تونس وإسطنبول وباريس. وتريد المصادر الفرنسية أن ترى في ذلك اقترابا جزائريا من رؤية مجموعة الأصدقاء التي اعترفت جماعيا بالائتلاف الوطني للمعارضة السورية. وتسعى باريس لأن تقوم كل دولة بذلك انفراديا.

وأخيرا، سيناقش الطرفان مصير الاتحاد من أجل المتوسط حيث ترى باريس أن الجزائر «لم تنخرط» تماما في هذا المشروع الذي يعاني من صعوبات سياسية بسبب تحولات الربيع العربي، وغياب مؤسسين اثنين له عن الساحة هما الرئيسان السابقان التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك.