أميركا تضع خطط طوارئ تحسبا لفقدان الأسد السيطرة على الأسلحة الكيماوية

بينها مراقبة مواقع وتنفيذ عمليات مشتركة مع القوات المسلحة الأردنية والتركية

مقاتل في الجيش السوري الحر بأحد شوارع داريا قرب دمشق (رويترز)
TT

في ظل ضعف قبضة بشار الأسد على السلطة، يزداد قلق المسؤولين الأميركيين من وقوع أسلحة دمار شامل في أيدي متطرفين إسلاميين أو جنرالات منشقين أو جماعات خارجة عن السيطرة. وشارك الأسبوع الماضي مقاتلون ينتمون إلى جماعة صنفتها إدارة أوباما ضمن الجماعات الإرهابية في الاستيلاء على قاعدة «الشيخ سليمان» العسكرية بالقرب من حلب التي تجرى فيها أبحاث عن الأسلحة الكيماوية.

ويقترب الثوار من قاعدة أخرى بالقرب من حلب تعرف باسم «السفيرة» وكانت تستخدم مركز إنتاج رئيسيا للذخيرة الكيماوية بحسب مسؤولين ومحللين أميركيين. وأكد الجيش السوري الحر المعارض أنه لم يعثر على أي أسلحة كيماوية في القاعدة الأولى. مع ذلك، تزيد التطورات المخاوف ليس فقط من استخدام الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، بل أيضا من فقدانه السيطرة على ترسانة الأسلحة الكيماوية الضخمة. وقال جنرال سوري سابق، كان يتولى إدارة برنامج تدريب على الأسلحة الكيماوية في الجيش، إنه من المفترض أن الآلاف من أفراد القوات السورية يتولون تأمين المخازن الرئيسية لغاز الخردل وغاز الأعصاب، لكن من السهل اقتحام تلك المخازن.

وقال اللواء عدنان سيلو، الذي انشق عن الجيش السوري وانضم لصفوف المعارضة في يونيو (حزيران) الماضي، في مقابلة تمت بالقرب من الحدود التركية - السورية، إن المواقع لا تحظى بتأمين جيد، وأوضح قائلا: «يستطيع أي أحد من الجيش السوري الحر أو من أي جماعة إسلامية متطرفة الاستيلاء عليها». وحذر الرئيس أوباما وقادة آخرون الأسد من استخدام الأسلحة الكيماوية بقولهم إن مثل هذه الخطوة تعد تجاوزا لـ«الخط الأحمر» ستضطرهم إلى القيام بتحرك عسكري. مع ذلك، كان موقف البيت الأبيض غامضا في ما يتعلق بطريقة التعامل مع سقوط الأسد والتخلي عن تأمين مخازن الأسلحة الكيماوية في سوريا أو وقوعها في أيدي المتمردين المناهضين لأميركا.

ووضع البنتاغون خططا خاصة برد الفعل الأميركي في حال تحقق سيناريوهات مختلفة تتعلق بالأسلحة الكيماوية في سوريا كما أوضح وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا يوم الجمعة الماضي خلال زيارته قاعدة «إنجرليك» الجوية في تركيا التي تبعد نحو 60 ميلا عن الحدود السورية. ورفض بانيتا الإفصاح عن التفاصيل. مع ذلك، قال مسؤولون في وزارة الدفاع خلال مقابلات إنهم كانوا عاكفين على تحديث الخطط الخاصة بالسيناريوهات المحتملة على مدى الأسابيع القليلة الماضية في ظل الفوضى التي تعم سوريا. وأوضحوا أنهم يعملون مع إسرائيل والأردن والحلفاء في حلف شمال الأطلسي، ومن بينهم تركيا، عن كثب من أجل مراقبة المواقع التي يُعتقد أنها تحتوي على أسلحة كيماوية، وتنسيق خيارات التدخل إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

وقد استعرض مسؤولون في البنتاغون خططهم مع أعضاء من الكونغرس خلال لقاءات سرية. أما على صعيد ما هو معلن، فقد أشار مسؤولون عسكريون إلى أنهم يستعدون للقيام بعمليات مشتركة محتملة مع القوات المسلحة الأردنية والتركية، في الوقت الذي يتبادلون فيه المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل. كذلك تطلع مسؤولون أميركيون إلى تعاون روسيا، التي كانت تربطها علاقات عسكرية قوية مع سوريا وساهمت في وضع برنامج الأسلحة الكيماوية السوري منذ عقود.

على الجانب الآخر، تستعين الحكومة الأميركية وبعض حلفائها من الدول الأوروبية بشركات أمن خاصة لتدريب الثوار السوريين على مراقبة وتأمين مواقع الأسلحة الكيماوية في حال ما إذا تخلى الأسد عن تأمين وحماية مثل هذه المواقع أو فقد السيطرة عليها بحسب رواية «سي إن إن». ورفض كل متحدثي وزارة الخارجية التعليق على هذا الأمر. وتقول السيناتور جين شاهين، عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي عن ولاية نيو هامبشاير وعضو لجنة القوات المسلحة بالمجلس: «نستطيع القول إن تأمين مثل هذه الأسلحة سيتطلب جهودا دولية»، وأكدت جين ثقتها في خطط الإدارة بشأن السيناريوهات المحتملة، لكنها حذرت من صعوبة المهمة.

وأشارت جين إلى أن بانيتا وصف تحدي تأمين مخازن الأسلحة الكيماوية في سوريا بأنه «أصعب بمائة مرة» من تأمين ترسانة الأسلحة الكيماوية والتقليدية في ليبيا بعد إسقاط نظام القذافي العام الماضي بفضل الثورة التي دعمها حلف شمال الأطلسي. وقالت: «يتمثل التحدي في مواجهتنا وضعا لا نملك السيطرة عليه.. إن وتيرة القتال تزداد». لقد كان مخزون الأسلحة الكيماوية في ليبيا صغيرا والجزء الأكبر منه مكونات أولية لصناعة غاز الخردل. وعلى عكس سوريا، وقعت ليبيا على معاهدة دولية أفصحت بموجبها عن المواد التي تستخدم في الحروب الكيماوية وبدأت في تدميرها. رغم ذلك، فإن المفتشين الدوليين اكتشفوا في يناير (كانون الثاني) الماضي مخزون ذخائر كيماوية سرية. وفي ما يعد درسا للتخطيط في أمر سوريا، من الجيد تذكر أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والدول الحلفاء لم يتمكنوا من تأمين الترسانات الضخمة من القاذفات الصاروخية والأسلحة التقليدية في ليبيا، التي سيطرت الجماعات المسلحة على كثير منها أو تم تهريبها خارج البلاد. ورغم تردد إدارة أوباما في الانخراط في الحرب الأهلية السورية واكتفائها بتقديم مساعدات غير عسكرية إلى الثوار، أكد محللون في شؤون منع انتشار الأسلحة أنه لا توجد دولة سواها قادرة على تدريب الأفراد وتوفير الأسلحة المتخصصة وتأمين وتفكيك ترسانة الأسلحة الكيماوية.

وتساءل مايكل آيزنستاد، ضابط جيش متقاعد يدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية بمعهد «واشنطن إنستيتيوت لسياسات الشرق الأدنى»: «من سيتطوع؟ من الذي سيدفع المال؟ لا يوجد كثير من الدول التي لديها هذا النوع من الخبرة؟ يجب أن يتم إنجاز كل شيء بتأن وروية. سيكون تأمين المواقع أمرا صعبا. كذلك لا نعلم عدد المواقع بالتحديد». رغم استعراض الخطوط الأساسية لبرنامج الأسلحة الكيماوية في سوريا لسنوات في معرض شهادات بالكونغرس وفي تقارير مستقلة، فإن محللين حذروا من غموض طبيعة ونطاق المخزون. وهناك مئات الأطنان من غاز الخردل والأنواع المختلفة من غازات الأعصاب السامة خاصة غاز «السارين»، بحسب تقديرات محللين. مع ذلك، هناك ما يدل على أن سوريا كانت تعمل على تطوير غاز أعصاب يستمر لمدة أطول وأكثر قدرة على الإهلاك، الذي يعرف باسم «في إكس»، فضلا عن غاز الأعصاب «سومان».

يتم تخزين أكثر الأسلحة الكيماوية في موقعين؛ أحدهما في مجمع مخازن في الفرقلس على أطراف مدينة حمص التي ترزح تحت رحى القتال على الجانب الغربي من الصحراء السورية، والآخر في خان أبو الشامات، الذي يقع على بعد 50 ميلا من شرق العاصمة دمشق. كذلك يوجد موقع ثالث وهو بالقرب من مدينة مصياف، غرب حمص. ويعتقد أن هناك مخازن صغيرة متفرقة بين منشآت عسكرية أخرى في مختلف أنحاء البلاد. تعد ترسانة الأسلحة الكيماوية في سوريا هائلة إلى الحد الذي يتطلب وجود ألف مفتش واختصاصي من الخارج لمراقبة حالة كل موقع وما به من ذخيرة على حد قول ليونارد سبيكتور نائب مدير «مركز جيمس مارتن لدراسات منع انتشار الأسلحة» التابع لـ«معهد مونتيري للدراسات الدولية». هذا بافتراض عدم وجود حاجة لتأمين المنشآت، ناهيك بافتراض عدم وجود قوات معادية.

وفي سيناريو أسوأ يفترض استخدام الجيش السوري الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري، يتوقع البنتاغون ضرورة توافر قوات قوامها 75 ألفا من أجل التدخل. وقال سبيكتور: «يمكن السيطرة على عدد كهذا في بيئة يتعاون فيها الجميع. والعدد أكبر في بعض السيناريوهات الأخرى». ومع اتساع رقعة الأراضي التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية، يقول مسؤولون ومحللون أميركيون إن احتمالات سيطرة متمردين على موقع أسلحة كيماوية أو تخلي القوات السورية عن تأمين تلك المنشآت تزداد. وقال آيزنستاد: «إن هذا الأمر شبه حتمي، بل وربما يكون قد حدث بالفعل، فمن يعرف؟».

وقال اللواء سيلو، الذي انضم إلى صفوف المعارضة، إن مخزون الأسلحة الكيماوية في سوريا يمكن أن يتسبب في مقتل مئات الآلاف من الناس إذا ما تم نشرها في مدن كثافتها السكانية مرتفعة. ويمكن تعبئة الغازات في 600 رأس حربي بما في ذلك صواريخ «سكود» روسية الصنع متوسطة المدى على حد قول سيلو. وأكد أنه يوجد في سوريا آلاف القذائف المدفعية التي يمكن استخدام مواد كيماوية بها، وكذلك يمكن رش المواد السامة ببساطة فوق مناطق مأهولة بالسكان أو مواقع للثوار. وأوضح سيلو قائلا إنه من غير المرجح أن يعلم الثوار كيفية تفجير الذخيرة الكيماوية وحدهم، لكنه يشعر بالقلق من تهريبها بسهولة إلى إيران أو إلى حزب الله في لبنان أو تنظيم القاعدة في العراق. وأضاف: «من السهل على أي أحد الحصول عليها بعد سقوط النظام». الأسد فقط هو الذي يمتلك سلطة إصدار أوامر باستخدام هذه الأسلحة الكيماوية، كما يوضح سيلو. وكذلك يتمتع كل من علي مملوك مدير مكتب الأمن القومي السوري، وجميل حسن مدير الاستخبارات الجوية السورية، بهذه السلطة، لكن فقط في حال موت الأسد. وأضاف سيلو أنه تقدم باقتراح لإنشاء وحدة قوامها ألفي مقاتل تسمى «أبطال الجبل» يمكن نشرها لحماية أكبر مخزنين للأسلحة الكيماوية في حال سقوط نظام الأسد. ومن المفترض أن تتكون هذه الوحدة من ضباط منشقين متخصصين في استخدام الأسلحة الكيماوية. وقال إن الوحدة ستضم 200 ضابط من الضباط المنشقين عن الجيش السوري الذين يوجدون حاليا في تركيا، و1200 يوجدون حاليا في الأردن، بينما يوجد الباقي داخل سوريا. مع ذلك، أشار سيلو إلى عدم توفر المال الكافي لشراء الأسلحة والزي ومعدات الاتصال والطعام. وحذر نظام الأسد من احتمال اقتراب الثوار، الذين تربطهم علاقة بتنظيم القاعدة، من الحصول على أسلحة كيماوية.

وصرح وزير الخارجية السوري الأسبوع الماضي بأن «جبهة النصرة»، المناهضة للأسد التي صنفتها الولايات المتحدة جماعة إرهابية، استولت على مصنع كلور بالقرب من مدينة السفيرة شرق حلب. وحذر الوزير قائلا: «ربما تلجأ الجماعات الإرهابية إلى استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري». ويقع مصنع الكلور التابع لـ«الشركة السورية - السعودية للكيماويات» بالقرب من المدينة نفسها التي يقع فيها مركز كبير لبحوث وإنتاج الأسلحة الكيماوية يعرف باسم «السفيرة» على حد قول المحللين. ولم يتضح بعد ما إذا كانت هناك ذخيرة كيماوية أيضا أم لا.

* شارك موريللو في إعداد هذا التقرير من أنطاكيا بتركيا

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»