انتشار ثقافة «الاستقالة من المنصب» بين المسؤولين الكبار بمصر بعد الثورةء

شملت وزراء ومستشارين للرئيس.. وآخرهم النائب العام

النائب العام المستشار طلعت عبد الله في مكتبه قبل تقديم استقالته (إ.ب.أ)
TT

أثار إعلان النائب العام المصري الجديد المستشار طلعت عبد الله تقديم استقالته ليلة أول من أمس عقب احتجاجات قضائية ضده، كثيرا من الجدل حول دوافع الاستقالة، خاصة أنه لم يمض على تعيينه في منصبه سوى أيام قليلة. وقال المحلل السياسي الدكتور عبد المنعم سعيد لـ«الشرق الأوسط» إن ما ساهم في بروز ثقافة استقالة المسؤولين هو المناخ السياسي الذي تعيشه مصر في الوقت الراهن.

وألقى قرار الاستقالة في جانب منه الضوء على واحد من المتغيرات السياسية التي شهدها المجتمع المصري عقب ثورة «يناير (كانون الثاني)» 2011، وهي مبادرة المسؤولين الكبار باستقالاتهم؛ إذ لم يكن هذا الأمر منتشرا خلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك، إلا في حالات قليلة أقرب إلى الإقالة الجبرية لا الاستقالة الاختيارية.

في السنوات الأولى من حكم مبارك تمت إقالة وزير الداخلية الأسبق أحمد رشدي على خلفية احتجاجات لمجندي قوات الأمن المركزي إثر شائعة عن زيادة مدة تجنيدهم الإجباري من 3 إلى 5 سنوات. كما أقال مبارك أيضا وزير داخليته حسن الألفي عقب حادثة إرهابية شهدتها مدينة الأقصر في تسعينات القرن الماضي.

وعقب ثورة «يناير»، بدأت مصر تعرف ثقافة «استقالات المسؤولين» التي كان أبرزها استقالة محافظ الشرقية السابق عزازي علي عزاي من منصبه تحفظا على ما وصفه بأداء جماعة الإخوان المسلمين السياسي.

ويقول المراقبون إن مصر عرفت بعد ثورة «يناير» ثلاثة أشكال لاستقالة المسؤولين: الأول «الاستقالة تحت ضغط الرأي العام» وهو ما تندرج تحته استقالة النائب العام أول من أمس، والشكل الثاني الاستقالة نتيجة المسؤولية السياسية عن كارثة أو خطأ ما وهو أمر جديد كليا على المجتمع المصري برز في استقالة وزير النقل السابق منتصف الشهر الماضي محمد رشاد المتين، عقب كارثة قطار أسيوط التي راح ضحيتها 51 تلميذا كانوا في حافلة مدرسية صدمها قطار، وما زال منصب الوزير شاغرا حتى الآن، إذ تم تفويض وزير الإسكان، طارق رفيق، للقيام بأعمال وزير النقل إلى أن يتم اختيار وزير جديد.

والشكل الثالث للاستقالات هي الاستقالات الاحتجاجية، وهو ما حدث عندما أعلن عدد من مستشاري الرئيس مرسي وأعضاء الهيئة الاستشارية له استقالات متتالية احتجاجا على ما قالوا إنه طريقة تعامل مرسي مع الاعتصام الذي بدأته قوى مدنية أمام قصر الاتحادية الرئاسي احتجاجا على الإعلان الدستوري الأخير والاستفتاء على الدستور، وهو الاعتصام الذي شهد قيام أنصار جماعة الإخوان المسلمين بمهاجمة المعتصمين وفض الاعتصام بالقوة، ومن أبرز من تقدموا باستقالتهم عقب هذه الواقعة مستشار الرئيس سمير مرقس، وأعضاء الهيئة الاستشارية للرئيس سيف عبد الفتاح وأيمن الصياد وعمرو الليثي وسكينة فؤاد ومحمد سيف الدولة.

وعلى خلفية الأزمة نفسها أعلن المفكر رفيق حبيب استقالته من الهيئة الاستشارية للرئيس ومن منصبه نائبا لرئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان. كما تقدم رئيس التلفزيون الحكومي، عصام الأمير، باستقالته بسبب ما وصفه بـ«عدم قدرته على تنفيذ سياسات النظام الحالي» وطريقة تعامل التلفزيون مع الأحداث السياسية.

وأضاف الدكتور عبد المنعم سعيد: «لقد شهدنا تغيير خمس وزارات في أقل من سنتين، وتنظيم ما يزيد على 50 مليونية احتجاجية»، مشيرا إلى أن انتشار ثقافة الاستقالات مرجعه إلى وجود ثقافة المحاسبة التي لم تكن موجودة، «لأن أي مسؤول لن يتمكن من الاستمرار في منصبه في ظل وجود رأي عام رافض له».

من جانبه، قال المرشح الرئاسي السابق القيادي اليساري أبو العز الحريري لـ«الشرق الأوسط» إن ثقافة الاستقالات ينقصها أمر في غاية الأهمية، وهو أنه «يجب على المستقيلين أن يوضحوا أسباب استقالاتهم للناس وما الذي وجدوه ودفعهم إلى الاستقالة»، وأضاف أن «للمواطنين الحق في معرفة الأسباب الحقيقية بالتفصيل وليس مجرد كلام إنشاء».