إسرائيل تقر مشروعي استيطان جديدين في القدس الشرقية

عباس كلف مندوب فلسطين الاتصال بمندوبي الدول الدائمة في مجلس الأمن لوقفهما

منظر عام لمستوطنة «رمات شلومو» المقامة على الأراضي الفلسطينية في شرق القدس (أ.ف.ب)
TT

أقرت السلطات الإسرائيلية مشروعين لبناء ما يزيد على ألفي وحدة سكن استيطانية في القدس الشرقية المحتلة، إضافة إلى 3000 وحدة سكن كانت قد أقرت في منطقة أخرى من القدس في الأسبوع الماضي. وضربت إسرائيل عرض الحائط بالموقف الدولي المستنكر والمحذر. وقالت مصادر إسرائيلية مطلعة، إن جميع هذه المشاريع حظيت مسبقا، بموافقة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وفاجأت موافقته حتى المستوطنين أنفسهم.

والمشروع الذي تقرر أمس، خلال جلسة للجنة التنظيم والبناء اللوائية، التابعة لوزارة الداخلية، سيقام في حي استيطاني يدعى «غبعات همتوس (تلة الطائرة)»، شرقي حي بيت صفافا في الجنوب الشرقي من القدس الشرقية، ويتضمن أكثر من 500 وحدة سكنية. وقد كانت اللجنة نفسها قد أقرت مشروعا استيطانيا آخر في القدس الشرقية لبناء 1500 وحدة سكن، الليلة قبل الماضية، وذلك في حي «رمات شلومو (تلة سليمان)» ، غربي حي شعفاط في القدس الشرقية. وهذا هو المشروع الذي كان قد تقرر قبل سنة ونصف السنة، وكان يتضمن 1600 وحدة سكن، وذلك خلال زيارة جون بادن، نائب الرئيس الأميركي لإسرائيل، وأثار إقراره غضب الإدارة الأميركية، التي اعتبرته صفعة لها وإهانة لنائب الرئيس، فجمده نتنياهو حتى يمنع أزمة في العلاقات. وقد أطلق نتنياهو نفسه هذا المشروع، اليوم، بوصفه جزءا من مسلسل عقوبات للسلطة الفلسطينية، بسبب إصرارها على التوجه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بفلسطين دولة مراقبة.

فإذا أضفنا لذلك المشروع الذي تقرر في الأسبوع الماضي في المنطقة «إيه-1»، فإن هذه الهجمة الاستيطانية ستصل إلى 5000 وحدة سكن، يتبعها عدد من المرافق العامة، مثل المتاجر والمدارس والنوادي وغيرها.

ومع أن الحكومة الإسرائيلية تظهر هذه المشاريع عقابا للفلسطينيين، فإن مصادر سياسية تشير إلى سبب آخر، يتعلق بالمعركة الانتخابية الإسرائيلية. فيقولون إن نتنياهو يخشى من تنامي قوة المستوطنين. لذلك فإن نتنياهو يحاول المزايدة على تحالف حزبي المستوطنين، حتى يوقف خسارة مؤيديه. وقد أشار موقع «واللا» الإخباري، أمس، إلى خطوات أخرى لنتنياهو في هذا السبيل، مثل ظهوره في كل يوم في موقع ديني جديد وهو يعتمر الـ«كيبا» (الطاقية الدينية اليهودية) ويطلق التصريحات عن الحق التاريخي لليهود، فيما يهاجم حزبه قادة أحزاب اليسار والوسط، الذين يؤيدون إعادة تقسيم القدس ليصبح الجزء الشرقي منها عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة، مقابل كون الجزء الغربي منها عاصمة لإسرائيل. وقد رحب المستوطنون وقادة أحزاب اليمين في الكنيست وفي بلدية القدس بهذه القرارات، لكن أحزابا في اليسار والوسط ردت عليها بموجة انتقادات شديدة. فوصفتها مديرة جمعية «عير عميم» (مدينة الشعوب) في إسرائيل، يهوديت أوفنهايمر، «ضربة للالتزامات الإسرائيلية الدولية ودعوة لهجوم دولي مجدد علينا». واستنكرت تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية السابقة ورئيسة حزب «الحركة» الجديد، هذه القرارات وقالت إن الحكومة تفرط بالدعم الدولي لإسرائيل بشكل مغامر، وتفرض على إسرائيل مصاريف باهظة في وقت تعاني فيه من أزمة اقتصادية شديدة. وأكدت أنها في حال فازت في الانتخابات، فإنها ستقلب سلم الأفضليات وتحجب أموال الدعم عن المستوطنات وتوجهها لمكافحة الفقر في إسرائيل أو للمستوطنات التي ستبقى في تخوم إسرائيل بعد التسوية السلمية مع الفلسطينيين.

وقالت زهافا غلاون، زعيمة حزب «ميرتس» اليساري، إن كل ما يصرف على الاستيطان سيعود على إسرائيل بالوبال، فهذه أموال ستتحول إلى رماد، لأن إسرائيل ستضطر إن آجلا أو عاجلا، إلى إخلاء هذه المستوطنات وتعويض أصحاب الأراضي الفلسطينيين، وستدفع ثمنا باهظا على صعيد علاقاتها الدولية.

وفي السلطة الفلسطينية، ساد ديوان الرئاسة في رام الله غضب شديد. وقالت مصادر فلسطينية، إن الرئيس محمود عباس، كلف مندوب فلسطين في الأمم المتحدة، الدكتور رياض منصور، بالاتصال الفوري مع مندوبي الدول الخمس الدائمة في مجلس الأمن لإلزام إسرائيل بوقف المخطط. وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، إن هذا يشكل تحديا سافرا للمجتمع الدولي بأسره واستخفافا بمشاعر الشعب الفلسطيني والأمة العربية. وأضاف أن هذه التصرفات ستضع إسرائيل في عزلة كبيرة بعدما رفض العالم بأسره الاحتلال، باعترافه بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967.

وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه، إن مضي إسرائيل في إقرار مزيد من خطط البناء الاستيطاني، «يفرض على الفلسطينيين التحرك للدفاع عن أرضهم وحقوقهم». وأضاف: «لا بد الآن من التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة الاستيطان وممارسات الاحتلال على الأرض، والإعداد كذلك للتوجه لمحكمة العدل الدولية».

وطالب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، الإدارة الأميركية بالتصويت «لصالح القرارات الفلسطينية التي ستقدم لمجلس الأمن ضد الاستيطان».

في سياق مماثل، احتج الاتحاد الأوروبي على الخطط التي أعلنتها إسرائيل. وقالت متحدثة باسم الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، أمس، إن «الاتحاد الأوروبي يؤكد أن تلك المستوطنات غير شرعية وفقا للقانون الدولي وتشكل عقبة في طريق السلام». وأعربت عن القلق البالغ للاتحاد الأوروبي بسبب خطط بناء 4 آلاف منزل آخر في منطقة غبعات هاماتوس.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر دبلوماسي أمس، أن الدول الأوروبية الأربع الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وبينها فرنسا وبريطانيا دائمتا العضوية، تعد لإصدار إعلان مشترك لإدانة مشاريع البناء في المستوطنات الإسرائيلية.

وأعلن هذا المصدر للصحافيين: «نعمل على إعلان مشترك حول هذا الموضوع»، مذكرا بأن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، أعربوا في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) عن «صدمتهم ومعارضتهم الشديدة للخطط الإسرائيلية لتوسيع مستوطنات».